مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، فِيمَا ذُكِرَ لَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ آزَرَ كَانَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ كُوثَى ، مِنْ قَرْيَةٍ بِالسَّوَادِ ، سَوَادِ الْكُوفَةِ ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ مُلْكُ الْمَشْرِقِ لِنَمْرُودِ بْنِ كَنْعَانَ ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ إِبْرَاهِيمَ ، حُجَّةً عَلَى قَوْمِهِ وَرَسُولا إِلَى عِبَادِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ، فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ ، نَبِيُّ إِلا هُودٌ وَصَالِحٌ ، فَلَمَّا تَقَارَبَ زَمَانُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ مَا أَرَادَ ، أَتَى أَصْحَابُ النُّجُومِ نَمْرُودَ ، فَقَالُوا لَهُ : تَعْلَمُ أَنَّا نَجِدُ فِي عِلْمِنَا أَنَّ غُلامًا يُولَدُ فِي قَرْيَتِكَ هَذِهِ ، يُقَالُ لَهُ : إِبْرَاهِيمُ ، يُفَارِقُ دِينَكُمْ ، وَيَكْسِرُ أَوْثَانَكُمْ فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا ، فَلَمَّا دَخَلَتِ السَّنَةُ الَّتِي وَصَفَ أَصْحَابُ النُّجُومِ لِنَمْرُودَ ، بَعَثَ نَمْرُودَ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ حُبْلَى بِقَرْيَتِهِ ، فَحَبَسَهَا عِنْدَهُ ، إِلا مَا كَانَ مِنْ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ امْرَأَةِ آزَرَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِحَبَلِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً حَدَثَةً ، فِيمَا يُذْكَرُ ، لَمْ يُعْرَفِ الْحَبَلُ فِي بَطْنِهَا ، وَلِمَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ بِوَلَدِهَا ، يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ كُلَّ غُلامٍ وُلِدَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ حَذَرًا عَلَى مُلْكِهِ ، فَجَعَلَ لا تَلِدُ امْرَأَةٌ غُلامًا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ إِلا أَمَرَ بِهِ فَذُبِحَ ، فَلَمَّا وَجَدَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ الطَّلْقَ خَرَجَتْ لَيْلا إِلَى مَغَارَةٍ كَانَتْ قَرِيبًا مِنْهَا ، فَوَلَدَتْ فِيهَا إِبْرَاهِيمَ ، وَأَصْلَحَتْ مِنْ شَأْنِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْلُودِ ، ثُمَّ سَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَغَارَةَ ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا ، ثُمَّ كَانَتْ تُطَالِعُهُ فِي الْمَغَارَةِ ، فَتَنْظُرُ مَا فَعَلَ ، فَتَجِدُهُ حَيًّا يَمَصُّ إِبْهَامَهُ ، يَزْعُمُونَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقَ إِبْرَاهِيمَ فِيهَا ، وَمَا يَجِيئُهُ مِنْ مَصِّهِ ، وَكَانَ آزَرُ ، فِيمَا يَزْعُمُونَ ، سَأَلَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ حَمْلِهَا : مَا فَعَلَ ؟ فَقَالَتْ : وَلَدْتُ غُلامًا فَمَاتَ . فَصَدَّقَهَا ، فَسَكَتَ عَنْهَا . وَكَانَ الْيَوْمُ ، فِيمَا يَذْكُرُونَ ، عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، فِي الشَّبَابِ كَالشَّهْرِ ، وَالشَّهْرُ كَالسَّنَةِ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِبْرَاهِيمُ فِي الْمَغَارَةِ إِلا خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، حَتَّى قَالَ لأُمِّهِ : أَخْرِجِينِي أَنْظُرْ ، فَأَخْرَجَتْهُ عِشَاءً ، فَنَظَرَ وَتَفَكَّرَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَقَالَ : " إِنَّ الَّذِي خَلَقَنِي ، وَرَزَقَنِي ، وَأَطْعَمَنِي ، وَسَقَانِي ، لَرَبِّي ، مَا لِي إِلَهٌ غَيْرُهُ . ثُمَّ نَظَرَ فِي السَّمَاءِ ، فَرَأَى كَوْكَبًا ، قَالَ : هَذَا رَبِّي سورة الأنعام آية 76 ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِبَصَرِهِ ، حَتَّى غَابَ ، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ سورة الأنعام آية 76 ، ثُمَّ أَطْلَعَ الْقَمَرُ فَرَآهُ بَازِغًا ، قَالَ : هَذَا رَبِّي سورة الأنعام آية 76 ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بَصَرَهُ حَتَّى غَابَ ، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ سورة الأنعام آية 77 ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ النَّهَارُ وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ ، أَعْظَمَ الشَّمْسَ ، وَرَأَى شَيْئًا هُوَ أَعْظَمُ نُورًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ سورة الأنعام آية 78 ، فَلَمَّا أَفَلَتْ ، قَالَ : يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ { 78 } إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ { 79 } سورة الأنعام آية 78-79 " ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَبِيهِ آزَرَ وَقَدِ اسْتَقَامَتْ وِجْهَتُهُ وَعَرَفَ رَبَّهُ ، وَبَرِئَ مِنْ دِينِ قَوْمِهِ ، إِلا أَنَّهُ لَمْ يُبَادِهِمْ بِذَلِكَ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَتْ صَنَعَتْ فِي شَأْنِهِ ، فَسُرَّ بِذَلِكَ آزَرُ ، وَفَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا ، وَكَانَ آزَرُ يَصْنَعُ أَصْنَامَ قَوْمِهِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا ، ثُمَّ يُعْطِيهَا إِبْرَاهِيمَ يَبِيعُهَا ، فَيَذْهَبُ بِهَا إِبْرَاهِيمُ ، فِيمَا يَذْكُرُونَ ، فَيَقُولُ : " مَنْ يَشْتَرِي مَا يَضُرُّهُ وَلا يَنْفَعُهُ ؟ " ، فَلا يَشْتَرِيهَا مِنْهُ أَحَدٌ ، وَإِذَا بَارَتْ عَلَيْهِ ، ذَهَبَ بِهَا إِلَى نَهَرٍ فَصَوَّبَ فِيهِ رُءُوسَهَا ، وَقَالَ : اشْرَبِي ، اسْتِهْزَاءً بِقَوْمِهِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، حَتَّى فَشَا عَيْبُهُ إِيَّاهَا ، وَاسْتِهْزَاؤُهُ بِهَا فِي قَوْمِهِ وَأَهْلِ قَرْيَتِهِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَلَغَ نَمْرُودَ الْمَلِكَ .