حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثنا سَلَمَةُ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأَخْنَسِ ، أَنَّهُ حَدَّثَ : أَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْهَضَبَةِ حِينَ دَعَا اللَّهَ صَالِحٌ بِمَا دَعَا بِهِ ، تَمَخَّضُ بِالنَّاقَةِ تَمَخُّضَ النَّتُوجِ بِوَلَدِهَا ، فَتَحَرَّكَتِ الْهَضَبَةُ ، ثُمَّ انتفضت بالنَّاقَةَ ، فَانْصَدَعَتْ عَنْ نَاقَةٍ كَمَا وَصَفُوا جَوْفَاءَ وَبْرَاءَ نَتُوجًا ، مَا بَيْنَ جَنْبَيْهَا لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ عِظَمًا ، فَآمَنَ بِهِ جُنْدَعُ بْنُ عَمْرٍو وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ مِنْ رَهْطِهِ ، وَأَرَادَ أَشْرَافُ ثَمُودَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيُصَدِّقُوا ، فَنَهَاهُمْ ذُؤَابُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لَبِيدٍ ، وَالْحُبَابُ صَاحِبُ أَوْثَانِهِمْ ، وَرَبَابُ بْنُ صَمْعَرِ بْنِ جَلْهَسٍ ، وَكَانُوا مِنْ أَشْرَافِ ثَمُودَ ، فَرَدُّوا أَشْرَافَهَا عَنِ الإِسْلامِ ، وَالدُّخُولِ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ صَالِحٌ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالنَّجَاةِ ، وَكَانَ لِجُنْدَعٍ ابْنُ عَمٍّ يُقَالُ لَهُ : شِهَابُ بْنُ خَلِيفَةَ بْنِ مَخْلاةَ بْنِ لَبِيدِ بْنِ جَوَّاسٍ ، فَأَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ فَنَهَاهُ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَطَاعَهُمْ ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ ثَمُودَ وَأَفَاضِلِهَا ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ ثَمُودَ ، يُقَالُ لَهُ : مهْرَشُ بْنُ غَنْمَةَ بْنِ الدُّمَيْلِ ، وَكَانَ مُسْلِمًا : وَكَانَتْ عُصْبَةٌ مِنْ آلِ عَمْرٍو إِلَى دِينِ النَّبِيِّ دَعَوْا شِهَابَا عَزِيزَ ثَمُودَ كُلِّهِمْ جَمِيعًا فَهَمَّ بِأَنْ يُجِيبَ وَلَوْ أَجَابَا لأَصْبَحَ صَالِحٌ فِينَا عَزِيزًا وَمَا عَدَلُوا بِصَاحِبِهِمْ ذُؤَابَا وَلَكِنَّ الْغُوَاةَ مِنْ آلِ حُجْرٍ تَوَلَّوْا بَعْدَ رُشْدِهِمْ ذِئَابَا فَمَكَثَتِ النَّاقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا اللَّهُ لَهُمْ ، مَعَهَا سَقْبُهَا ، فِي أَرْضِ ثَمُودَ تَرْعَى الشَّجَرَ وَتَشْرُبُ الْمَاءَ ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ : هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ سورة الأعراف آية 73 ، وَقَالَ اللَّهُ لِصَالِحٍ : أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ سورة القمر آية 28 أَيْ : أَنَّ الْمَاءَ نِصْفَانِ , لَهُمْ يَوْمٌ وَلَهَا يَوْمٌ , وَهِيَ مُحْتَضَرَةٌ ، فَيَوْمُهَا لا تَدَعُ شِرْبَهَا ، وَقَالَ : لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ سورة الشعراء آية 155 ، فَكَانَتْ فِيمَا بَلَغَنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا وَرَدَتْ ، وَكَانَتْ تَرِدُ غِبًّا وَضَعَتْ رَأْسَهَا فِي بِئْرٍ فِي الْحِجْرِ يُقَالُ لَهَا : بِئْرُ النَّاقَةِ ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا مِنْهَا كَانَتْ تَشْرَبُ إِذَا وَرَدَتْ تَضَعُ رَأْسَهَا فِيهَا ، فَمَا تَرْفَعُهُ حَتَّى تَشْرَبَ كُلَّ قَطْرَةِ مَاءٍ فِي الْوَادِي ، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَهَا فَتَفَشَّحُ ، يَعْنِي : تَفَحَّجُ لَهُمْ ، فَيَحْتَلِبُونَ مَا شَاءُوا مِنْ لَبَنٍ ، فَيَشْرَبُونَ وَيَدَّخِرُونَ حَتَّى يَمْلَئُوا كُلَّ آنِيَتِهِمْ ، ثُمَّ تَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْفَجِّ الَّذِي مِنْهُ وَرَدَتْ ، لا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَصْدُرَ مِنْ حَيْثُ تَرِدُ , يَضِيقِ عَنْهَا ، فَلا تَرْجِعُ مِنْهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ كَانَ يَوْمُهُمْ ، فَيَشْرَبُونَ مَا شَاءُوا مِنَ الْمَاءِ ، وَيَدَّخِرُونَ مَا شَاءُوا لِيَوْمِ النَّاقَةِ ، فَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ ، وَكَانَتِ النَّاقَةُ فِيمَا يَذْكُرُونَ تَصِيفُ إِذَا كَانَ الْحَرُّ , ظَهْرَ الْوَادِي ، فَتَهْرَبُ مِنْهَا الْمَوَاشِي , أَغْنَامُهُمْ وَأَبْقَارُهُمْ وَإِبِلُهُمْ ، فَتَهْبِطُ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي فِي حَرِّهِ وَجَدْبِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَاشِيَ تَنْفِرُ مِنْهَا إِذَا رَأَتْهَا ، وَتَشْتُو فِي بَطْنِ الْوَادِي ، إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ ، فَتَهْرُبُ مَوَاشِيهِمْ إِلَى ظَهْرِ الْوَادِي فِي الْبَرْدِ وَالْجَدْبِ ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِمَوَاشِيهِمْ لِلْبَلاءِ وَالاخْتِبَارِ ، وَكَانَتْ مَرَاتِعُهَا فِيمَا يَزْعُمُونَ الْجَنَابَ وَحِسْمَى ، كُلُّ ذَلِكَ تَرْعَى مَعَ وَادِي الْحِجْرِ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، وَأَجْمَعُوا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ رَأْيَهُمْ . وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ ثَمُودَ ، يُقَالُ لَهَا : عُنَيْزَةُ بِنْتُ غُنْمِ بْنِ مِجْلَزٍ ، تُكَنَّى بِأُمِّ غُنْمٍ ، وَهِيَ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ الْمُهِلِّ أَخِي زُمَيْلِ بْنِ الْمُهِلِّ ، وَكَانَتِ امْرَأَةَ ذُؤابَ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَتْ عَجُوزًا مُسِنَّةً ، وَكَانَتْ ذَاتَ بَنَاتٍ حِسَانٍ ، وَكَانَتْ ذَاتَ مَالٍ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ ، وَامْرَأَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا : صَدُوفُ بِنْتُ الْمُحَيَّا بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْمُحَيَّا سَيِّدِ بَنِي عُبَيْدٍ وَصَاحِبِ أَوْثَانِهِمْ فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ ، وَكَانَ الْوَادِي ، يُقَالُ لَهُ : وَادِي الْمُحَيَّا ، وَهُوَ الْمُحَيَّا الأَكْبَرُ جَدُّ الْمُحَيَّا الأَصْغَرِ أَبِي صَدُوفَ ، وَكَانَتْ صَدُوفُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ، وَكَانَتْ غَنِيَّةً ذَاتَ مَالٍ مِنْ إِبِلٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ ، وَكَانَتَا مِنْ أَشَدِّ امْرَأَتَيْنِ فِي ثَمُودَ عَدَاوَةً لِصَالِحٍ , وَأَعْظَمِهِ بِهِ كُفْرًا ، وَكَانَتَا تَحْتَلانِ أَنْ تُعْقَرَ النَّاقَةُ مَعَ كُفْرِهِمَا بِهِ لِمَا أَضَرَّتْ بِهِ مِنْ مَوَاشِيهِمَا ، وَكَانَتْ صَدُوفٌ عِنْدَ ابْنِ خَالٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ : صنيم بْنُ هِرَاوَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ الغِّطْرِيفِ مِنْ بَنِي هُلَيْلٍ ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ ، وَكَانَتْ صَدُوفُ قَدْ فَوَّضَتْ إِلَيْهِ مَالَهَا ، فَأَنْفَقَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ صَالِحٍ حَتَّى رَقَّ الْمَالُ ، فَاطَّلَعَتْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِسْلامِهِ صَدُوفُ ، فَعَاتَبَتْهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَظْهَرَ لَهَا دِينَهُ وَدَعَاهَا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسْلامِ ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ ، وَسَبَّتْ لَهُ ، فَأَخَذَتْ بَنِيهِ وَبَنَاتَهُ مِنْهُ فَغَيَّبَتْهُمْ فِي بَنِي عُبَيْدٍ , بَطْنِهَا الَّذِي هِيَ مِنْهُ ، وَكَانَ صنيم زَوْجُهَا مِنْ بَنِي هُلَيْلٍ ، وَكَانَ ابْنَ خَالِهَا ، فَقَالَ لَهَا : رُدِّي عَلَيَّ وَلَدِي ، فَقَالَتْ : حَتَّى أُنَافِرَكَ إِلَى بَنِي صَنْعَانَ بْنِ عُبَيْدٍ ، أَوْ إِلَى بَنِي جُنْدَعِ بْنِ عُبَيْدٍ ، فَقَالَ لَهَا صنيم : بَلْ أَنَا أَقُولُ إِلَى بَنِي مِرْدَاسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِيَ مِرْدَاسَ بْنِ عُبَيْدٍ كَانُوا قَدْ سَارَعُوا فِي الإِسْلامِ وَأَبْطَأَ عَنْهُ الآخَرُونَ ، فَقَالَتْ : لا أُنَافِرُكَ إِلا إِلَى مَنْ دَعَوْتُكَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ بَنُو مِرْدَاسَ : وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَلَدَهُ طَائِعَةً أَوْ كَارِهَةً ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَعْطَتْهُ إِيَّاهُمْ . ثُمَّ إِنَّ صَدُوفَ وَعُنَيْزَةَ محلتا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ لِلشَّقَاءِ الَّذِي نَزَلَ ، فَدَعَتْ صَدُوفُ رَجُلا مِنْ ثَمُودَ ، يُقَالُ لَهُ : الْحُبَابُ ، لِعَقْرِ النَّاقَةِ ، وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا بِذَلِكَ إِنْ هُوَ فَعَلَ ، فَأَبَى عَلَيْهَا ، فَدَعَتِ ابْنَ عَمٍّ لَهَا ، يُقَالُ له : مِصْدَعُ بْنُ مِهْرَجَ بْنِ الْمُحَيَّا ، وَجَعَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا عَلَى أَنْ يَعْقِرَ النَّاقَةَ ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ، وَكَانَتْ غَنِيَّةً كَثِيرَةَ الْمَالِ ، فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ ، وَدَعَتْ عُنَيْزَةُ بِنْتُ غَنْمٍ قُدَارَ بْنَ سَالِفِ بْنِ جُنْدَعٍ ، رَجُلا مِنْ أَهْلِ قُرْحَ . وَكَانَ قُدَارُ رَجُلا أَحْمَرَ أَزْرَقَ قَصِيرًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ لِزَنْيَةٍ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ : صِهْيَادُ ، وَلَمْ يَكُنْ لأَبِيهِ سَالِفٍ الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ سَالِفٍ ، وَكَانَ يُدْعَى لَهُ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : أُعْطِيكَ أَيَّ بَنَاتِي شِئْتَ عَلَى أَنْ تَعْقِرَ النَّاقَةَ ، وَكَانَتْ عُنَيْزَةُ شَرِيفَةً مِنْ نِسَاءِ ثَمُودَ ، وَكَانَ زَوْجُهَا ذُؤَابُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ أَشْرَافِ رِجَالِ ثَمُودَ ، وَكَانَ قُدَارٌ عَزِيزًا مَنِيعًا فِي قَوْمِهِ ، فَانْطَلَقَ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ وَمِصْدَعُ بْنُ مَهْرَجٍ ، فَاسْتَنْفَرَا غُوَاةً مِنْ ثَمُودَ ، فَاتَّبَعَهُمَا سَبْعَةُ نَفَرٍ ، فَكَانُوا تِسْعَةَ نَفَرٍ ، أَحَدُ النَّفْرِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : هُوَيْلُ بْنُ مَيْلَغٍ خَالُ قُدَارِ بْنِ سَالِفٍ أَخُو أُمِّهِ لأَبِيهَا وَأُمِّهَا ، وَكَانَ عَزِيزًا مِنْ أَهْلِ حِجْرٍ ، وَدُعَيْرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دَاعِرٍ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي حَلاوَةَ بْنِ الْمُهِلِّ ، وَدَأْبُ بْنُ مَهْرَجٍ أَخُو مِصْدَعِ بْنِ مَهْرَجٍ ، وَخَمْسَةٌ لَمْ تُحْفَظْ لَنَا أَسْمَاؤُهُمْ ، فَرَصَدُوا النَّاقَةَ حِينَ صَدَرَتْ عَنِ الْمَاءِ ، وَقَدْ كَمَنْ لَهَا قُدَارٌ فِي أَصْلِ صَخْرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا ، وَكَمَنَ لَهَا مِصْدَعٌ فِي أَصْلِ أُخْرَى فَمَرَّتْ عَلَى مِصْدَعٍ فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ ، فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَةَ سَاقِهَا ، وَخَرَجَتْ أُمُّ غُنْمٍ عُنَيْزَةُ وَأَمَرَتِ ابْنَتَهَا وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا ، فَأَسْفَرَتْ عَنْهُ لِقُدَارٍ وَأَرَتْهُ إِيَّاهُ ، ثُمَّ ذَمَّرَتْهُ ، فَشَدَّ عَلَى النَّاقَةِ بِالسَّيْفِ ، فَكَسَفَ عُرْقُوبَهَا ، فَخَرَّتْ وَرَغَّتْ رَغَاةً وَاحِدَةً تَحْذَرُ سَقْبَهَا ، ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَنِهَا فَنَحَرَهَا ، وَانْطَلَقَ سَقْبُهَا حَتَّى أَتَى جَبَلا مُنِيفًا ، ثُمَّ أَتَى صَخْرَةً فِي رَأْسِ الْجَبَلِ فَرَغَا وَلاذَ بِهَا . وَاسْمُ الْجَبَلِ فِيمَا يَزْعُمُونَ صَوْرٌ ، فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ ، فَلَمَّا رَأَى النَّاقَةَ قَدْ عُقِرَتْ ، قَالَ : انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ اللَّهِ ، فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَنِقْمَتِهِ ، فَاتَّبَعَ السَّقْبَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنَ التِّسْعَةِ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ ، وَفِيهِمْ مِصْدَعُ بْنُ مَهْرَجٍ ، فَرَمَاهُ مِصْدَعٌ بِسَهْمٍ ، فَانْتَظَمَ قَلْبَهُ ، ثُمَّ جَرَّ بِرِجْلِهِ فَأَنْزَلَهُ ، ثُمَّ أَلْقَوْا لَحْمَهُ مَعَ لَحْمِ أُمِّهِ ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ : أَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَنِقْمَتِهِ ، قَالُوا لَهُ وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ : وَمَتَى ذَلِكَ يَا صَالِحُ ؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ ؟ وَكَانُوا يُسَمُّونَ الأَيَّامَ فِيهِمُ : الأَحَدَ : أَوَّلَ ، وَالاثْنَيْنِ : أَهْوَنَ ، وَالثُّلاثَاءَ : دُبَارَ ، وَالأَرْبِعَاءَ : جُبَارَ ، وَالْخَمِيسَ : مُؤْنِسَ ، وَالْجُمُعَةَ : الْعَرُوبَةَ ، وَالسَّبْتَ : شِيَارَ ، وَكَانُوا عَقَرُوا النَّاقَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ حِينَ قَالُوا ذَلِكَ : تُصْبِحُونَ غَدَاةَ يَوْمِ مُؤْنِسَ يَعْنِي : يَوْمَ الْخَمِيسِ , وُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةٌ ، ثُمَّ تُصْبِحُونَ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ ، يَعْنِي : يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَوُجُوهُكُمْ مُحْمَرَّةٌ ، ثُمَّ تُصْبِحُونَ يَوْمَ شِيَارَ ، يَعْنِي : يَوْمَ السَّبْتِ وَوُجُوهُكُمْ مسْوَدَّةٌ ، ثُمَّ يُصَبِّحُكُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الأَوَّلِ ، يَعْنِي : يَوْمَ الأَحَدِ ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ ذَلِكَ ، قَالَ التِّسْعَةُ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ : هَلُمُّوا فَلْنَقْتُلْ صَالِحًا إِنْ كَانَ صَادِقًا عَجَّلْنَاهُ قَبْلَنَا ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا يَكُونُ قَدْ أَلْحَقْنَاهُ بِنَاقَتِهِ ، فَأَتَوْهُ لَيْلا لِيُبَيِّتُوهُ فِي أَهْلِهِ ، فَدَمَغَتْهُمُ الْمَلائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ ، فَلَمَّا أَبْطَئُوا عَلَى أَصْحَابِهِمْ أَتَوْا مَنْزِلَ صَالِحٍ ، فَوَجَدُوهُمْ مُشَدَّخِينَ قَدْ رُضِخُوا بِالْحِجَارَةِ ، فَقَالُوا لِصَالِحٍ : أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ ، ثُمَّ هَمُّوا بِهِ ، فَقَامَتْ عَشِيرَتُهُ دُونَهُ وَلَبِسُوا السِّلاحَ ، وَقَالُوا لَهُمْ : وَاللَّهِ لا تَقْتُلُونَهُ أَبَدًا ، فَقَدْ وَعَدَكُمْ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِكُمْ فِي ثَلاثٍ ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ تَزِيدُوا رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ إِلا غَضَبًا ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَنْتُمْ مِنْ وَرَاءِ مَا تُرِيدُونَ ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ لَيْلَتَهُمْ تِلْكَ ، وَالنَّفَرُ الَّذِينَ رَضَخَتْهُمُ الْمَلائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ , التِّسْعَةُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْقُرْآنِ , يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ إِلَى قَوْلِهِ : لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ سورة النمل آية 48 - 52 ، فَأَصْبَحُوا مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي انْصَرَفُوا فِيهَا عَنْ صَالِحٍ وُجُوهُهُمْ مُصْفَرَّةٌ ، فَأَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ ، وَعَرَفُوا أَنَّ صَالِحًا قَدْ صَدَقَهُمْ ، فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ ، وَخَرَجَ صَالِحٌ هَارِبًا مِنْهُمْ حَتَّى لَجَأَ إِلَى بَطْنٍ مِنْ ثَمُودَ ، يُقَالُ لَهُمْ : بَنُو غُنْمٍ ، فَنَزَلَ عَلَى سَيِّدِهِمْ , رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ : نُفَيْلٌ , يُكْنَى بِأَبِي هُدْبٍ ، وَهُوَ مُشْرِكٌ ، فَغَيَّبَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، فَغَدَوْا عَلَى أَصْحَابِ صَالِحٍ ، فَعَذَّبُوهُمْ لِيَدُلُّوهُمْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ صَالِحٍ يُقَالُ لَهُ : مَيْدَعُ بْنُ هرِمٍ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّهُمْ لَيُعَذِّبُونَنَا لِنَدُلَّهُمْ عَلَيْكَ ، أَفَنَدُلُّهُمْ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ مَيْدَعُ بْنُ هَرِمٍ ، فَلَمَّا عَلِمُوا بِمَكَانِ صَالِحٍ أَتَوْا أَبَا هُدْبٍ فَكَلَّمُوهُ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، عِنْدِي صَالِحٌ ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ ، فَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ ، وَشَغَلَهُمْ عَنْهُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ عَذَابِهِ ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُخْبِرُ بَعْضًا بِمَا يَرَوْنَ فِي وُجُوهِهِمْ حِينَ أَصْبَحُوا مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ ، وَذَلِكَ أَنَّ وُجُوهَهُمْ أَصْبَحَتْ مُصْفَرَّةً ، ثُمَّ أَصْبَحُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَوجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةٌ ، ثُمَّ أَصْبَحُوا يَوْمَ السَّبْتِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الأَحَدِ خَرَجَ صَالِحٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ ، فَنَزَلَ رَمْلَةَ فِلَسْطِينَ ، وَتَخَلَّفَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ مَيْدَعُ بْنُ هَرِمٍ ، فَنَزَلَ قُرْحَ وَهِيَ وَادِي الْقُرَى ، وَبَيْنَ الْقُرْحِ وَبَيْنَ الْحَجَرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلا ، فَنَزَلَ عَلَى سَيِّدِهِمْ : رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ غُنْمٍ ، وَقَدْ كَانَ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ النَّاقَةِ وَلَمْ يَشْرَكْ فِي قَتْلِهَا ، فَقَالَ لَهُ مَيْدَعُ بْنُ هَرِمٍ : يَا عَمْرُو بْنَ غُنْمٍ ، اخْرُجْ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ ، فَإِنَّ صَالِحًا قَالَ : مَنْ أَقَامَ فِيهِ هَلَكَ ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ نَجَا ، فَقَالَ عَمْرٌو : مَا شَرِكْتُ فِي عَقْرِهَا ، وَمَا رَضِيتُ مَا صُنِعَ بِهَا ، فَلَمَّا كَانَتْ صَبِيحَةُ الأَحَدِ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ صَغِيرٌ وَلا كَبِيرٌ إِلا هَلَكَ ، إِلا جَارِيَةٌ مُقْعَدَةٌ يُقَالُ لَهَا الزُّريعةُ ، وَهِيَ الكلبةُ ابْنَةُ السِّلْقِ ، كَانَتْ كَافِرَةً شَدِيدَةَ الْعَدَاوَةِ لِصَالِحٍ ، فَأَطْلَقَ اللَّهُ لَهَا رِجْلَيْهَا بَعْدَ مَا عَايَنَتِ الْعَذَابَ أَجْمَعَ ، فَخَرَجَتْ كَأَسْرَعِ مَا يُرَى شَيْءٌ قَطُّ ، حَتَّى أَتَتْ أَهْلَ قُرْحَ ، فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا عَايَنَتْ مِنَ الْعَذَابِ وَمَا أَصَابَ ثَمُودَ مِنْهُ ، ثُمَّ اسْتَسْقَتْ مِنَ الْمَاءِ فَسُقِيَتْ ، فَلَمَّا شَرِبَتْ مَاتَتْ .