القول في تاويل قوله جل ثناؤه قال اما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نك...


تفسير

رقم الحديث : 21352

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثنا سَلَمَةُ ، قَالَ : ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : فَحَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ ، وَكَانَ لَهُ عِلْمٌ بِالأَحَادِيثِ الأُوَلِ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " ذُو الْقَرْنَيْنِ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ ، ابْنُ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِهِمْ ، لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهُ ، وَكَانَ اسْمُهُ الإسكندريس ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ أَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسِهِ كَانَتَا مِنْ نُحَاسٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، إِنِّي بَاعِثُكَ إِلَى أُمَمِ الأَرْضِ ، وَهِيَ أُمَمٌ مُخْتَلِفَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ ، وَهُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الأَرْضِ ، وَمِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الأَرْضِ كُلُّهُ ، وَمِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الأَرْضِ كُلُّهُ ، وَأُمَمٌ فِي وَسَطِ الأَرْضِ مِنْهُمُ الْجِنُّ وَالإِنْسُ ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، فَأَمَّا اللَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الأَرْضِ : فَأُمَّةٌ عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ ، يُقَالُ لَهَا : نَاسِكٌ . وَأَمَّا الأُخْرَى : فَعِنْدَ مَطْلِعِهَا يُقَالُ لَهَا : مَنْسَكٌ . وَأَمَّا اللَّتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الأَرْضِ ، فَأُمَّةٌ فِي قُطْرِ الأَرْضِ الأَيْمَنِ ، يُقَالُ لَهَا : هَاوِيلُ . وَأَمَّا الأُخْرَى الَّتِي فِي قُطْرِ الأَرْضِ الأَيْسَرِ ، فَأُمَّةٌ يُقَالُ لَهَا : تَاوِيلُ ، فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ ، قَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ : إِلَهِيَ إِنَّكَ قَدْ نَدَبْتَنِي لأَمْرٍ عَظِيمٍ لا يَقْدِرُ قَدْرَهُ إِلا أَنْتَ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذِهِ الأُمَمِ الَّتِي بَعَثْتَنِي إِلَيْهَا ، بِأَيِّ قُوَّةٍ أُكَابِرُهُمْ ؟ وَبِأَيِّ جَمْعٍ أُكَاثِرُهُمْ ؟ وَبِأَيِّ حِيلَةٍ أُكَايِدُهُمْ ؟ وَبِأَيِّ صَبْرٍ أُقَاسِيهِمْ ؟ وَبِأَيِّ لِسَانٍ أُنَاطِقُهُمْ ؟ وَكَيْفَ لِي بِأَنْ أَفْقَهَ لُغَاتِهِمْ ؟ وَبِأَيِّ سَمْعٍ أَعِيَ قَوْلَهُمْ ؟ وَبِأَيِّ بَصَرٍ أُنْفِذُهُمْ ؟ وَبِأَيِّ حُجَّةٍ أُخَاصِمُهُمْ ؟ وَبِأَيِّ قَلْبٍ أَعْقِلُ عَنْهُمْ ؟ وَبِأَيِّ حِكْمَةٍ أُدَبِّرُ أُمُورَهُمْ ؟ وَبِأَيِّ قِسْطٍ أَعْدِلُ بَيْنَهُمْ ؟ وَبِأَيِّ حِلْمٍ أُصَابِرُهُمْ ؟ وَبِأَيِّ مَعْرِفَةٍ أَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ؟ وَبِأَيِّ عِلْمٍ أُتْقِنُ أُمُورَهُمْ ؟ وَبِأَيِّ يَدٍ أَسْطُو عَلَيْهِمْ ؟ وَبِأَيِّ رِجْلٍ أَطَؤُهُمْ ؟ وَبِأَيِّ طَاقَةٍ أحصيهم ؟ وَبِأَيِّ جُنْدٍ أُقَاتِلُهُمْ ؟ وَبِأَيِّ رِفْقٍ أَسْتَأْلِفُهُمْ ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي يَا إِلَهِيَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُ يَقُومُ لَهُمْ ، وَلا يَقْوَى عَلَيْهِمْ وَلا يُطِيقُهُمْ ، وَأَنْتَ الرَّبُّ الرَّحِيمُ الَّذِي لا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ، وَلا يُحَمِّلُهَا إِلا طَاقَتَهَا ، وَلا يُعَنِّتُهَا وَلا يَفْدَحُهَا ، بَلْ أَنْتَ تَرْأَفُهَا وَتَرْحَمُهَا . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنِّي سَأُطَوِّقُكَ مَا حَمَّلْتُكَ ، وأَشْرَحُ لَكَ صَدْرَكَ ، فَيَتَّسَعُ كُلَّ شَيْءٍ ، وَأَشْرَحُ لَكَ فَهْمَكَ فَتَفْقَهُ كُلَّ شَيْءٍ ، وَأَبْسُطُ لَكَ لِسَانَكَ فَتَنْطِقُ بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَأَفْتَحُ لَكَ سَمْعَكَ فَتَعِي كُلَّ شَيْءٍ ، وَأَمُدُّ لَكَ بَصَرَكَ ، فَتَنْفُذُ كُلَّ شَيْءٍ ، وَأُدَبِّرُ لَكَ أَمْرَكَ فَتُتْقِنُ كُلَّ شَيْءٍ ، وَأَحْصِي لَكَ فَلا يَفُوتُكَ شَيْءٌ ، وَأَحْفَظُ عَلَيْكَ فَلا يَعْزُبُ عَنْكَ شَيْءٌ ، وَأَشُدُّ لَكَ ظَهْرَكَ ، فَلا يَهِدُّكَ شَيْءٌ ، وَأَشُدُّ لَكَ رُكْنَكَ فَلا يَغْلِبُكَ شَيْءٌ ، وَأَشَدُّ لَكَ قَلْبَكَ فَلا يَرُوعُكَ شَيْءٌ ، وَأَشَدُّ لَكَ عَقْلَكَ فَلا يَهُولُكَ شَيْءٌ ، وَأَبْسُطُ لَكَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ ، فَتَسْطُو فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأُشُدُّ لَكَ وَطْأَتَكَ ، فَتَهُدُّ كُلَّ شَيْءٍ ، وَأُلْبِسُكَ الْهَيْبَةَ فَلا يَرُومُكَ شَيْءٌ ، وَأُسَخِّرُ لَكَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ ، فَأَجْعَلُهُمَا جُنْدًا مِنْ جُنَودِكَ ، يَهْدِيكَ النُّورُ أَمَامَكَ ، وَتَحُوطُكَ الظُّلْمَةُ مِنْ وَرَائِكَ وَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، انْطَلَقَ يَوْمَ الأُمَّةِ الَّتِي عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ، وَجَدَ جَمْعًا وَعَدَدًا لا يُحْصِيهِ إِلا اللَّهُ ، وَقُوَّةً وَبَأْسًا لا يُطِيقُهُ إِلا اللَّهُ ، وَأَلْسِنَةً مُخْتَلِفَةً وَأَهْوَاءً مُتَشَتِّتَةً ، وَقُلُوبًا مُتَفَرِّقَةً ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ كَابَرَهُمْ بِالظُّلْمَةِ ، فَضَرَبَ حَوْلَهُمْ ثَلاثَةَ عَسَاكِرَ مِنْهَا ، فَأَحَاطَتْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، وَحَاشَتْهُمْ حَتَّى جَمَعَتْهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِالنُّورِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ لَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ ، فَعَمَدَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا عَنْهُ ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الظُّلْمَةَ . فَدَخَلَتْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَأُنُوفِهِمْ وَآذَانِهِمْ وَأَجْوَافِهِمْ ، وَدَخَلَتْ فِي بُيُوتِهِمْ وَدُورِهِمْ ، وَغَشِيَتْهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ وَمِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُمْ ، فَمَاجُوا فِيهَا وَتَحَيَّرُوا ، فَلَمَّا أَشْفَقُوا أَنْ يَهْلِكُوا فِيهَا عَجُّوا إِلَيْهِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ ، فَكَشَفَهَا عَنْهُمْ وَأَخَذَهُمْ عَنْوَةً ، فَدَخَلُوا فِي دَعْوَتِهِ ، فَجَنَّدَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ أُمَمًا عَظِيمَةً ، فَجَعَلَهُمْ جُنْدًا وَاحِدًا ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ يَقُودُهُمْ ، وَالظُّلْمَةُ تَسُوقُهُمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَتَحوشهم مِنْ حَوْلِهِمْ ، وَالنُّورُ أَمَامَهُمْ يَقُودُهُمْ وَيَدُلُّهُمْ ، وَهُوَ يَسِيرُ فِي نَاحِيَةِ الأَرْضِ الْيُمْنَى ، وَهُوَ يُرِيدُ الأُمَّةَ الَّتِي فِي قُطْرِ الأَرْضِ الأَيْمَنِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا هَاوِيلُ ، وَسَخَّرَ اللَّهُ لَهُ يَدَهُ وَقَلْبَهُ وَرَأْيَهُ وَعَقْلَهُ وَنَظَرَهُ وَائْتِمَارَهُ ، فَلا يُخْطِئُ إِذَا ائْتُمِرَ ، وَإِذَا عَمِلَ عَمَلا أَتْقَنَهُ . فَانْطَلَقَ يَقُودُ تِلْكَ الأُمَمَ وَهِيَ تَتْبَعُهُ ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى بَحْرٍ أَوْ مَخَاضَةٍ بَنَى سُفُنًا مِنْ أَلْوَاحٍ صِغَارٍ أَمْثَالِ النِّعَالِ ، فَنَظَمَهَا فِي سَاعَةٍ ، ثُمَّ حَمَلَ فِيهَا جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنْ تِلْكَ الأُمَمِ وَتِلْكَ الْجُنُودِ ، فَإِذَا قَطَعَ الأَنْهَارَ وَالْبِحَارَ فَتَّقَهَا ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ لَوْحًا فَلا يُكْرِثُهُ حَمْلُهُ ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ دَأْبُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَاوِيلَ ، فَعَمِلَ فِيهَا كَعَمَلِهِ فِي نَاسَكَ . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا مَضَى عَلَى وَجْهِهِ فِي نَاحِيَةِ الأَرْضِ الْيُمْنَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنْسَكٍ عِنْدَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ، فَعَمِلَ فِيهَا وَجَنَّدَ فيهَا جُنُودًا ، كَفِعْلِهِ فِي الأُمَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا ، ثُمَّ مُقْبِلا فِي نَاحِيَةِ الأَرْضِ الْيُسْرَى ، وَهُوَ يُرِيدُ تَاوِيلَ وَهِيَ الأُمَّةُ الَّتِي بِحِيَالِ هَاوِيلَ ، وَهُمَا مُتَقَابِلَتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الأَرْضِ كُلُّهُ ، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَمِلَ فِيهَا ، وَجَنَّدَ فيها كَفِعْلِهِ فِيمَا قَبْلَهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا عَطَفَ مِنْهَا إِلَى الأُمَمِ الَّتِي في وَسَطَ الأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَسَائِرِ النَّاسِ ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ مَا يَلِي مُنْقَطَعَ التُّرْكِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ ، قَالَتْ لَهُ أُمَّةٌ مِنَ الإِنْسِ صَالِحَةٌ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، إِنَّ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ خَلْقًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كثيرًا ، فيهم مشابهة من الإنس ، وَهُمْ أَشْبَاهُ الْبَهَائِمِ ، يَأْكُلُونَ الْعُشْبَ ، وَيَفْتَرِسُونَ الدَّوَابَّ وَالْوُحُوشَ كَمَا تَفْتَرِسُهَا السِّبَاعُ ، وَيَأْكُلُونَ خَشَاشَ الأَرْضِ كُلِّهَا مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ ، وَكُلَّ ذِي رُوحٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ فِي الأَرْضِ ، وَلَيْسَ لِلَّهِ خَلْقٌ يَنْمَى نَمَاءَهُمْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ ، وَلا يَزْدَادُ كَزِيَادَتِهِمْ ، وَلا يَكْثُرُ كَكَثْرَتِهِمْ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ مُدَّةٌ عَلَى مَا نَرَى مِنْ نَمَائِهِمْ وَزِيَادَتِهِمْ ، فَلا شَكَّ أَنَّهُمْ سَيَمْلَئُونَ الأَرْضَ ، وَيُجْلُونَ أَهْلَهَا منْهَا وَيَظْهَرُونَ عَلَيْهَا فَيُفْسِدُونَ فِيهَا ، وَلَيْسَتْ تَمُرُّ بِنَا سَنَةٌ مُنْذُ جَاوَرْنَاهُمْ إِلا وَنَحْنُ نَتَوَقَّعُهُمْ ، وَنَنْتَظِرُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْنَا أَوَائِلُهُمْ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ ، فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا { 94 } قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا { 95 } سورة الكهف آية 94-95 . أَعِدُّوا لِيَ الصُّخُورَ وَالْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ حَتَّى أَرْتَادَ بِلادَهُمْ ، وَأَعْلَمَ عِلْمَهُمْ ، وَأَقْيَسَ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهِمْ . ثُمَّ انْطَلَقَ يَؤُمُّهُمْ حَتَّى دَفَعَ إِلَيْهِمْ وَتَوَسَّطَ بِلادَهُمْ ، فَوَجَدَهُمْ عَلَى مِقْدَارٍ وَاحِدٍ ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ ، يبْلَغُ طُولِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِثْلُ نِصْفِ الرَّجُلِ الْمَرْبُوعِ مِنَّا ، لَهُمْ مَخَالِبُ فِي مَوْضِعِ الأَظْفَارِ مِنْ أَيْدِينَا ، وَأَضْرَاسٌ وَأَنْيَابٌ كَأَضْرَاسِ السِّبَاعِ وَأَنْيَابِهَا ، وَأَحْنَاكٌ كَأَحْنَاكِ الإِبِلِ قُوَّةً تَسْمَعُ لَهَا حَرَكَةٌ إِذَا أَكَلُوا كَحَرَكَةِ الْجِرَّةِ مِنَ الإِبِلِ ، أَوْ كَقَضْمِ الْبَغْلِ الْمُسِنِّ ، أَوِ الْفَرَسِ الْقَوِيِّ ، وَهُمْ هُلْبٌ ، عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّعْرِ فِي أَجْسَادِهِمْ مَا يُوَارِيهِمْ ، وَمَا يَتَّقُونَ بِهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ إِذَا أَصَابَهُمْ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أُذُنَانِ عَظِيمَتَانِ : إِحْدَاهُمَا وَبَرَةٌ ظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا ، وَالأُخْرَى زُغْبَةٌ ظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا ، تَسِعَانِهِ إِذَا لَبِسَهُمَا ، يَلْتَحِفُ إِحْدَاهُمَا ، وَيَفْتَرِشُ الأُخْرَى ، وَيَصِيفُ فِي إِحْدَاهُمَا ، وَيَشْتُو فِي الأُخْرَى ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ ذَكَرٌ وَلا أُنْثَى إِلا وَقَدْ عَرَفَ أَجَلَهُ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ ، وَمُنْقَطَعَ عُمْرِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لا يَمُوتُ مَيِّتٌ مِنْ ذُكُورِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ صُلْبِهِ أَلْفُ وَلَدٍ ، وَلا تَمُوتُ الأُنْثَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ رَحِمِهَا أَلْفُ وَلَدٍ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ، وَهُمْ يُرْزَقُونَ التِّنِّينَ أَيَّامَ الرَّبِيعِ ، وَيَسْتَمْطِرُونَهُ إِذَا تَحَّيَنُوهُ كَمَا نَسْتَمْطِرُ الْغَيْثَ لِحِينِهِ ، فَيَقْذِفُونَ مِنْهُ كُلَّ سَنَةٍ بِوَاحِدٍ ، فَيَأْكُلُونَهُ عَامَهُمْ كُلَّهُ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ ، فَيُغْنِيهِمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ وَنَمَائِهِمْ ، فَإِذَا أُمْطِرُوا وَأَخْصَبُوا وَعَاشُوا وَسَمِنُوا ، وَرُئِيَ أَثَرُهُ عَلَيْهِمْ ، فَدَرَّتْ عَلَيْهِمُ الإِنَاثُ ، وَشَبِقَتْ مِنْهُمُ الرِّجَالُ الذُّكُورُ ، وَإِذَا أَخْطَأَهُمْ هَزُلُوا وَأَجْدَبُوا ، وَجَفَرَتِ الذُّكُورُ ، وَحَالَتِ الإِنَاثُ ، وَتَبَيَّنَ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَهُمْ يَتَدَاعَوْنَ تَدَاعِي الْحَمَامِ ، وَيَعْوُونَ عُوَاءَ الْكِلابِ ، وَيَتَسَافَدُونَ حَيْثُ الْتَقَوْا تَسَافُدَ الْبَهَائِمِ . فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ انْصَرَفَ إِلَى مَا بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ، فَقَاسَ مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ فِي مُنْقَطَعِ أَرْضِ التُّرْكِ مَا يَلِي مُشْرِقَ الشَّمْسِ ، فَوَجَدَ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا مِائَةُ فَرْسَخٍ ، فَلَمَّا أَنْشَأَ فِي عَمَلِهِ ، حَفَرَ لَهُ أَسَاسًا حَتَّى بَلَغَ الْمَاءَ ، ثُمَّ جَعَلَ عَرَضَهُ خَمْسِينَ فَرْسَخًا ، وَجَعَلَ حَشْوَهُ الصُّخُورَ ، وَطِينَهُ النَّحَّاسَ ، يُذَابُ ثُمَّ يُصُبُّ عَلَيْهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ عِرْقٌ مِنْ جَبَلٍ تَحْتَ الأَرْضِ ، ثُمَّ عَلاهُ وَشَرَفَهُ بِزُبُرِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ الْمُذَابِ ، وَجَعَلَ خِلالَهُ عِرْقًا مِنْ نُحَاسِ أَصْفَرَ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ بُرْدٌ مُحَبَّرٌ مِنْ صُفْرَةِ النُّحَاسِ وَحُمْرَتِهِ وَسَوَادِ الْحَدِيدِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ وَأَحْكَمَهُ ، انْطَلَقَ عَامِدًا إِلَى جَمَاعَةِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ ، دَفَعَ إِلَى أُمَّةٍ صَالِحَةٍ يُهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، فَوَجَدَ أُمَّةً مُقْسِطَةً مُقْتَصِدَةً ، يَقْسِمُونَ بِالسَّوِيَّةِ ، وَيَحْكُمُونَ بِالْعَدْلِ ، وَيَتَآسَوْنَ وَيَتَرَاحَمُونَ ، حَالُهُمْ وَاحِدَةٌ ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، وَأَخْلاقُهُمْ مُشْتَبِهَةٌ ، وَطَرِيقَتُهُمْ مُسْتَقِيمَةٌ ، وَقُلُوبُهُمْ مُتَآلِفَةٌ ، وَسِيرَتُهُمْ مُسْتَوِيَةٌ ، وَقُبُورُهُمْ بِأَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ ، وَلَيْسَ عَلَى بُيُوتِهِمْ أَبْوَابٌ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أُمَرَاءُ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ قُضَاةٌ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ أَغْنِيَاءُ ، وَلا مُلُوكٌ ، وَلا أَشْرَافٌ ، وَلا يَتَفَاوَتُونَ ، وَلا يَتَفَاضَلُونَ ، وَلا يَخْتَلِفُونَ ، وَلا يَتَنَازَعُونَ ، وَلا يَسْتَّبُونَ ، وَلا يَقْتَتِلُونَ ، وَلا يَقْحَطُونَ ، وَلا يُجْرِدُونَ ، وَلا تُصِيبُهُمُ الآفَاتُ الَّتِي تُصِيبُ النَّاسَ ، وَهُمْ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْمَارًا ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مِسْكِينٌ ، وَلا فَقِيرٌ ، وَلا فَظٌّ ، وَلا غَلِيظٌ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ أَمْرِهِمْ ، عَجِبَ مِنْهُ ، وَقَالَ : أَخْبِرُونِي أَيُّهَا الْقَوْمُ خَبَرَكُمْ ، فَإِنِّي قَدْ أَحْصَيْتُ الأَرْضَ كُلَّهَا بَرَّهَا وَبَحْرَهَا ، وَشَرْقَهَا وَغَرْبَهَا ، وَنُورَهَا وَظُلْمَتَهَا ، فَلَمْ أَجِدْ مِثْلَكُمْ ، فَأَخْبِرُونِي خَبَرَكُمْ ، قَالُوا : نَعَمْ ، فَسَلْنَا عَمَّا تُرِيدُ ، قَالَ : أَخْبِرُونِي ، مَا بَالُ قُبُورِ مَوْتَاكُمْ عَلَى أَبْوَابِ بُيُوتِكُمْ ، قَالُوا : عَمْدًا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِئَلا نَنْسَى الْمَوْتَ ، وَلا يَخْرُجُ ذِكْرُهُ مِنْ قُلُوبِنَا ، قَالَ : فَمَا بَالُ بُيُوتِكُمْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَبْوَابٌ ؟ قَالُوا : لَيْسَ فِينَا مُتَّهَمٌ ، وَلَيْسَ مِنَّا إِلا أَمِينٌ مُؤْتَمَنٌ ، قَالَ : فَمَا بالَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ ؟ قَالُوا : لا نَتَظَالَمُ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ حُكَّامٌ ؟ قَالُوا : لا نَخْتَصِمُ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ أَغْنِيَاءُ ؟ قَالُوا : لا نَتَكَاثَرُ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ مُلُوكٌ ؟ قَالُوا : لا نَتَكَابَرُ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لا تَتَنَازَعُونَ وَلا تَخْتَلِفُونَ ؟ قَالُوا : مِنْ قِبَلِ أُلْفَةِ قُلُوبِنَا وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِنَا ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لا تَسْتَبُّونَ وَلا تَقْتَتِلُونَ ؟ قَالُوا : مِنْ قِبَلِ أَنَّا غَلَبْنَا طَبَائِعَنَا بِالْعَزْمِ ، وَسُسْنَا أَنْفُسَنَا بِالأَحْلامِ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ كَلِمَتُكُمْ وَاحِدَةٌ ، وَطَرِيقَتُكُمْ مُسْتَقِيمَةٌ مُسْتَوِيَةٌ ؟ قَالُوا : مِنْ قِبَلِ أَنَّا لا نَتَكَاذَبُ ، وَلا نَتَخَادَعُ ، وَلا يَغْتَابُ بَعْضُنَا بَعْضًا ، قَالَ : فَأَخْبِرُونِي مِنْ أَيْنَ تَشَابَهَتْ قُلُوبُكُمْ ، وَاعْتَدَلَتْ سِيرَتُكُمْ ؟ قَالُوا : صَحَّتْ صُدُورُنَا ، فَنُزِعَ بِذَلِكَ الْغِلُّ وَالْحَسَدُ مِنْ قُلُوبِنَا ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ مِسْكِينٌ وَلا فَقِيرٌ ؟ قَالُوا : مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَقْتَسِمُ بِالسَّوِيَّةِ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ فَظٌّ وَلا غَلِيظٌ ؟ قَالُوا : مِنْ قِبَلِ الذُّلِّ وَالتَّوَاضُعِ ، قَالَ : فَمَا جَعَلَكُمْ أَطْوَلَ النَّاسِ أَعْمَارًا ؟ قَالُوا : مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَتَعَاطَى الْحَقَّ وَنَحْكُمُ بِالْعَدْلِ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لا تُقْحَطُونَ ؟ قَالُوا : لا نَغْفُلُ عَنِ الاسْتِغْفَارِ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لا تُجْرِدُونَ ؟ قَالُوا : مِنْ قِبَلِ أَنَّا وَطَّأْنَا أَنْفُسَنَا لِلْبَلاءِ مُنْذُ كُنَّا ، وَأَحْبَبْنَاهُ وَحَرَصْنَا عَلَيْهِ ، فَعَرِينَا مِنْهُ ، قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ لا تُصِيبُكُمُ الآفَاتُ كَمَا تُصِيبُ النَّاسَ ؟ قَالُوا : لا نَتَوَكَّلُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ، وَلا نَعْمَلُ بِالأَنْوَاءِ وَالنُّجُومِ ، قَالَ : حَدِّثُونِي أَهَكَذَا وَجَدْتُمْ آبَاءَكُمْ يَفْعَلُونَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا يَرْحَمُونَ مَسَاكِينَهُمْ ، وَيُواسُونَ فُقَرَاءَهُمْ ، وَيَعْفُونَ عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ ، وَيَحْلُمُونَ عَمَّنْ جَهِلَ عَلَيْهِمْ ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ سَبَّهُمْ ، وَيَصِلُّونَ أَرْحَامَهُمْ ، وَيُؤَدُّونَ أَمَانَاتِهُمْ ، وَيَحْفَظُونَ وَقْعَهُمْ لِصَلاتِهِمْ ، وَيُوَفُّونَ بِعُهُودِهِمْ ، وَيَصْدُقُونَ فِي مَوَاعِيدِهِمْ ، وَلا يَرْغَبُونَ عَنْ أَكْفَائِهِمْ ، وَلا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ أَقَارِبِهِمْ ، فَأَصْلَحَ اللَّهُ لَهُمْ بِذَلِكَ أَمْرَهُمْ ، وَحَفِظَهُمْ مَا كَانُوا أَحْيَاءً ، وَكَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَخْلُفَهُمْ فِي تَرِكَتِهِمْ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.