حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثنا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِيهَا : " كُلُّ حَجَرٍ انْفَجَرَ مِنْهُ مَاءٌ ، أَوْ تَشَقَّقَ عَنْ مَاءٍ ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ ، فَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ " . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ النَّحْوِ فِي مَعْنَى هُبُوطِ مَا هَبَطَ مِنَ الْحِجَارَةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ هُبُوطَ مَا هَبَطَ مِنْهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ : تَفَيَّؤُ ظِلالِهِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ الْجَبَلُ الَّذِي صَارَ دَكًّا إِذْ تَجَلَّى لَهُ رَبُّهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ ، وَيَكُونُ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَعْطَى بَعْضَ الْحِجَارَةِ الْمَعْرِفَةَ وَالْفَهْمَ ، فَعَقَلَ طَاعَةَ اللَّهِ فَأَطَاعَهُ ؛ كَالَّذِي رُوِيَ عَنِ الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ ، فَلَمَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ حَنَّ ، وَكَالَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْلُهُ : يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ سورة البقرة آية 74 ، كَقَوْلِهِ : جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ سورة الكهف آية 77 ، وَلا إِرَادَةَ لَهُ ، قَالُوا : وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ عِظَمِ أَمْرِ اللَّهِ يُرَى كَأَنَّهُ هَابِطٌ خَاشِعٌ مِنْ ذُلِّ خَشْيَةِ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ زَيْدُ الْخَيْلِ : بِجَمْعٍ تَضِلُّ الْبُلْقُ فِي حَجَرَاتِهِ تَرَى الأُكْمَ فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ وَكَمَا قَالَ سُوَيْدُ بْنُ أَبِي كَاهِلٍ يَصِفُ عَدُوًّا لَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ ذَلِيلٌ : سَاجِدَ الْمَنْخَرِ إِذْ يَرْفَعُهُ خَاشِعَ الطَّرْفِ أَصَمَّ الْمُسْتَمَعَ وَكَمَا قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ : لَمَّا أَتَى خَبَرُ الرَّسُولِ تَضَعْضَعَتْ سُورُ الْمَدِينَةِ وَالْجِبَالُ الْخُشَّعُ وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ سورة البقرة آية 74 ، أَيْ : يُوجِبُ الْخَشْيَةَ لِغَيْرِهِ بِدَلالَتِهِ عَلَى صَانِعِهِ ، كَمَا قِيلَ : نَاقَةٌ تَاجِرَةٌ : إِذَا كَانَتْ مِنْ نَجَابَتِهَا وَفَرَاهَتِهَا تَدْعُو النَّاسَ إِلَى الرَّغْبَةِ فِيهَا ، كَمَا قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ : وَأَعْوَرَ مِنْ نَبْهَانَ أَمَّا نَهَارُهُ فَأَعْمَى وَأَمَّا لَيْلُهُ فَبَصِيرُ فَجَعَلَ الصِّفَةَ لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ صَاحِبَهُ النَّبْهَانِيَّ الَّذِي يَهْجُوهُ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فِيهِمَا كَانَ مَا وَصَفَهُ بِهِ ، وَهَذِهِ الأَقْوَالُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ بَعِيدَاتِ الْمَعْنَى مِمَّا تَحْتَمِلُهُ الآيَةُ مِنَ التَّأْوِيلِ ، فَإِنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنْ عُلَمَاءِ سَلَفِ الأُمَّةِ بِخِلافِهَا ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ نَسْتَجِزْ صَرْفَ تَأْوِيلِ الآيَةِ إِلَى مَعْنَى مِنْهَا ، وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْخَشْيَةِ ، وَأَنَّهَا الرَّهْبَةُ وَالْمَخَافَةُ ، فَكَرِهْنَا إِعَادَةَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
| الأسم | الشهرة | الرتبة |