حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، " قَوْلَهُ : فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ سورة البقرة آية 94 ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ أَشَدَّ الناس فِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ ، وَلَمْ يَكُونُوا لِيَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا " ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ سورة البقرة آية 95 فإنه يعني بِهِ : بما أسلفته أيديهم ، وإنما ذَلِكَ مَثَلٌ ، عَلَى نحو ما تتمثل بِهِ العرب فِي كلامها ، فتقول للرجل يؤخذ بجريرة جرها ، أو جناية جناها فيعاقب عليها : نالك هذا بما جنت يداك ، وبما كسبت يداك ، وبما قدمت يداك ، فتضيف ذَلِكَ إلى اليد ، ولعل الجناية التي جناها فاستحق عليها العقوبة كانت باللسان أو بالفرج أو بغير ذَلِكَ من أعضاء جسده سوى اليد ، وإنما قِيلَ ذَلِكَ بإضافته إلى اليد ؛ لأن عُظْمَ جنايات الناس بأيديهم ، فجرى الكلام باستعمال إضافة الجنايات التي يجنيها الناس إلى أيديهم ، حتى أضيف كل ما عوقب عَلَيْهِ الْإِنْسَان مما جناه بسائر أعضاء جسده إلى أنها عقوبة عَلَى ما جنته يداه ، فلذلك قَالَ جل ثناؤه للعرب : وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ سورة البقرة آية 95 ، يعني بِهِ : ولن يتمنى اليهود الموت بما قدموا أمامهم فِي حياتهم من كفرهم بالله ، فِي مخالفتهم أمره وطاعته فِي اتباع مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وما جاءهم بِهِ من عند اللَّه ، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم فِي التوراة ، ويعلمون أنّهُ نبي مبعوث ، فأضاف جل ثناؤه ما انطوت عَلَيْهِ قلوبهم ، وأضمرته نفوسهم ، ونطقت بِهِ ألسنتهم ، من حسد مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم والبغي عَلَيْهِ ، وتكذيبه وجحود رسالته ، إلى أيديهم ، وأنه مما قدمته أيديهم لعلم العرب بمعنى ذَلِكَ فِي منطقها وكلامها ، إذ كَانَ جل ثناؤه إنما أنزل القرآن بلسانها ، وبلغتها خاطَبها .
| الأسم | الشهرة | الرتبة |