أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدَةَ حَدَّثَنَا ، قَالَ : ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، ثنا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى نَهَرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ، وَالْمُشَاةُ كَثِيرٌ ، وَالنَّاسُ صِيَامٌ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَ : " يَأَيُّهَا النَّاسُ ، اشْرَبُوا " . فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ . قَالَ : " إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ ، إِنِّي رَاكِبٌ وَأَنْتُمْ مُشَاةٌ ، وَإِنِّي أَيْسَرُكُمُ ، اشْرَبُوا " . فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مَا يَصْنَعُ . فَلَمَّا أَبَوْا ، حَوَّلَ وَرِكَهُ ، فَنَزَلَ وَشَرِبَ وَشَرِبَ النَّاسُ . وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَرَّجْتُهُمَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي كِتَابِ الْكَبِيرِ . أَفَيَجُوزُ لِجَاهِلٍ أَنْ يَقُولَ : الشُّرْبُ جَائِزٌ لِلصَّائِمِ ، وَلا يُفَطِّرُ الشُّرْبُ الصَّائِمَ ؟ إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ وَهُوَ صَائِمٌ بِالشُّرْبِ , فَلَمَّا امْتَنَعُوا شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَشَرِبُوا . فَمَنْ يَعْقِلُ الْعِلْمَ ، وَيَفْهَمُ الْفِقْهَ ، يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ مُضْطَرًّا وَأَصْحَابُهُ لِشُرْبِ الْمَاءِ , وَقَدْ كَانُوا نَوَوَا الصَّوْمَ ، وَمَضَى بِهِمْ بَعْضُ النَّهَارِ ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا ، إِذْ كَانُوا فِي السَّفَرِ لا فِي الْحَضَرِ . وَكَذَلِكَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْتَجِمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي السَّفَرِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْحِجَامَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ ؛ لأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ الشُّرْبُ وَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ مُفْطِرًا ، جَازَ لَهُ الْحِجَامَةُ وَإِنْ كَانَ بِالْحِجَامَةِ مُفْطِرًا ، فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يَدْخُلُ ، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ ، فَهَذَا جَهْلٌ وَإِغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ ، وَتَمْوِيهٌ عَلَى مَنْ لا يُحْسِنُ الْعِلْمَ ، وَلا يَفْهَمُ الْفِقْهَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَائِلِهِ خِلافُ دَلِيلِ كِتَابِ اللَّهِ ، وَخِلافُ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَخِلافُ قَوْلِ أَهْلِ الصَّلاةِ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ، إِذَا جُعِلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا . قَدْ دَلَّ اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ هِيَ الْجِمَاعُ فِي نَهَارِ الصِّيَامِ ، وَالنَّبِيُّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ عِتْقَ رَقَبَةٍ إِنْ وَجَدَهَا ، وَصِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ ، أَوْ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّوْمَ ، وَالْمُجَامِعُ لا يَدْخُلُ جَوْفَهُ شَيْءٌ فِي الْجِمَاعِ ، إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَنِيٌّ إِنْ أَمْنَى . وَقَدْ يُجَامِعُ مِنْ غَيْرِ إِمْنَاءٍ فِي الْفَرْجِ ، فَلا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ أَيْضًا مَنِيٌّ ، وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إِمْنَاءٍ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ ، وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، وَلا يَدْخُلُ جَوْفَ الْمُجَامِعِ شَيْءٌ وَلا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ شَيْءٌ إِذَا كَانَ الْمُجَامِعُ هَذِهِ صِفَتُهُ ، وَالنَّبِيُّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْتَقِيءَ عَامِدًا يُفَطِّرُهُ الاسْتِقَاءُ عَلَى الْعَمْدِ ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الصَّلاةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الاسْتِقَاءَ عَلَى الْعَمْدِ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِمُ لا يُفَطِّرُهُ إِلا مَا يَدْخُلُ جَوْفَهُ ، كَانَ الْجِمَاعُ وَالاسْتِقَاءُ لا يُفَطِّرَانِ الصَّائِمَ . وَجَاءَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ بِأُعْجُوبَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ : " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " ، لأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ : فَالْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ ؟ زَعَمَ أَنَّهَا لا تُفْطِرُ الصَّائِمَ . فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَكَ إِنَّمَا قَالَ : " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " لأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ ، وَالْغِيبَةُ عِنْدَكَ لا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ ، فَهَلْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ، يَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ أُمَّتَهُ أَنَّ الْمُغْتَابَيْنِ مُفْطِرَانِ ، وَيَقُولُ هُوَ : بَلْ هُمَا صَائِمَانِ غَيْرُ مُفْطِرَيْنِ ، فَخَالَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ، وَوَعَدَ الْهُدَى عَلَى اتِّبَاعِهِ ، وَأَوْعَدَ عَلَى مُخَالِفِيهِ ، وَنَفَى الإِيمَانَ عَمَّنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِنْ حُكْمِهِ ، فَقَالَ : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ سورة النساء آية 65 الآيَةَ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ جَلَّ وَعَلا لأَحَدٍ خَيْرَةً فِيمَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ سورة الأحزاب آية 36 . وَالْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَرِ إِنَّمَا صَرَّحَ بِمُخَالَفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ نَفْسِهِ ، بِلا شُبْهَةٍ وَلا تَأْوِيلٍ يَحْتَمِلُ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ ، إِذْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ لِلْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ : مُفْطِرَانِ لِعِلَّةِ غِيبَتِهِمَا ، ثُمَّ هُوَ زَعَمَ أَنَّ الْغِيبَةَ لا تُفَطِّرُ ، فَقَدْ جَرَّدَ مُخَالَفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلا شُبْهَةٍ وَلا تَأْوِيلٍ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ | أبو سعيد الخدري | صحابي |
أَبِي نَضْرَةَ | المنذر بن مالك العوفي / توفي في :108 | ثقة |
سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ | سعيد بن إياس الجريري | ثقة |
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ | يزيد بن زريع العيشي / ولد في :101 / توفي في :182 | ثقة ثبت |
أَحْمَدَ بْنَ عَبْدَةَ | أحمد بن عبدة الضبي | ثقة |