حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، قَالَ : انْطَلَقْتُ أَنَا ، وَمَسْرُوقٌ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ نَسْأَلُهَا عَنِ الْمُبَاشَرَةِ ، فَاسْتَحْيَيْنَا ، قَالَ : قُلْتُ : جِئْنَا نَسْأَلُ حَاجَةً ، فَاسْتَحْيَيْنَا . فَقَالَتْ : مَا هِيَ ؟ سَلا عَمَّا بَدَا لَكُمَا . قَالَ : قُلْنَا : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ ؟ قَالَتْ : " قَدْ كَانَ يَفْعَلُ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَ لإِرْبِهِ مِنْكُمْ " . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتَهُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ أَوْسَعِ اللُّغَاتِ كُلِّهَا ، الَّتِي لا يُحِيطُ بِعِلْمِ جَمِيعِهَا أَحَدٌ غَيْرُ نَبِيٍّ ، وَالْعَرَبُ فِي لُغَاتِهَا تُوقِعُ اسْمَ الْوَاحِدِ عَلَى شَيْئَيْنِ ، وَعَلَى أَشْيَاءَ ذَوَاتِ عَدَدٍ ، وَقَدْ يُسَمَّى الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِأَسْمَاءَ ، وَقَدْ يَزْجُرُ اللَّهُ عَنِ الشَّيْءِ ، وَيُبِيحُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الشَّيْءِ الْمَزْجُورِ عَنْهُ ، وَوَقَعَ اسْمُ الْوَاحِدِ عَلَى الشَّيْئَيْنِ جَمِيعًا : عَلَى الْمُبَاحِ ، وَعَلَى الْمَحْظُورِ ، وَكَذَلِكَ قَدْ يُبِيحُ الشَّيْءَ الْمَزْجُورَ عَنْهُ ، وَوَقَعَ اسْمُ الْوَاحِدِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ، فَيَكُونُ اسْمُ الْوَاحِدِ وَاقِعًا عَلَى الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، أَحَدُهُمَا مُبَاحٌ ، وَالآخَرُ مَحْظُورٌ ، وَاسْمُهَا وَاحِدٌ . فَلَمْ يَفْهَمْ هَذَا مَنْ سَفِهَ لِسَانَ الْعَرَبِ ، وَحَمَلَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، يُوهِمُ أَنَّ الأَمْرَيْنِ مُتَضَادَّانِ ، إِذْ أُبِيحَ فِعْلٌ مُسَمًّى بِاسْمٍ ، وَحُظِرَ فِعْلٌ تَسَمَّى بِذَلِكَ الاسْمِ سَوَاءً . فَمَنْ كَانَ هَذَا مَبْلَغُهُ مِنَ الْعِلْمِ ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَعَاطِي الْفِقْهِ ، وَلا الْفُتْيَا ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ ، أَوِ السَّكْتُ ، إِلَى أَنْ يُدْرِكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَجُوزُ مَعَهُ الْفُتْيَا ، وَتَعَاطِي الْعِلْمِ . وَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ الصَّنَاعَةَ عَلِمَ أَنَّ مَا أُبِيحَ غَيْرُ مَا حُظِرَ ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الْوَاحِدِ قَدْ يَقَعُ عَلَى الْمُبَاحِ وَعَلَى الْمَحْظُورِ جَمِيعًا ، فَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ الَّذِي ذَكَرْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دَلَّ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مُبَاشَرَةَ النِّسَاءِ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ غَيْرُ جَائِزٍ كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ سورة البقرة آية 187 فَأَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُبَاشَرَةَ النِّسَاءِ وَالأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِاللَّيْلِ ، ثُمَّ أَمَرَنَا بِإِتْمَامِ الصِّيَامِ إِلَى اللَّيْلِ ، عَلَى أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْمُبَاحَةَ بِاللَّيْلِ الْمَقْرُونَةَ إِلَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ هِيَ الْجِمَاعُ الْمُفَطِّرُ لِلصَّائِمِ ، وَأَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَاشَرَةَ الَّتِي هِيَ دُونَ الْجِمَاعِ فِي الصِّيَامِ ، إِذْ كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ . وَالْمُبَاشَرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ هِيَ غَيْرُ الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُهَا فِي صِيَامِهِ . وَالْمُبَاشَرَةُ اسْمٌ وَاحِدٌ وَاقِعٌ عَلَى فِعْلَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : مُبَاحَةٌ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ ، وَالأُخْرَى : مَحْظُورَةٌ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ ، مُفَطِّرَةٌ لِلصَّائِمِ . وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ سورة الجمعة آية 9 فَأَمَرَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا بِالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ ، وَالنَّبِيُّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاةَ فَلا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ ، إِيتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ " . فَاسْمُ السَّعْيِ يَقَعُ عَلَى الْهَرْوَلَةِ ، وَشِدَّةِ الْمَشْيِ ، وَالْمُضِيِّ إِلَى الْمَوْضِعِ ، فَالسَّعْيُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُسْعَى إِلَى الْجُمُعَةِ ، هُوَ الْمُضِيُّ إِلَيْهَا ، وَالسَّعْيُ الَّذِي زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ إِتْيَانَ الصَّلاةِ هُوَ الْهَرْوَلَةُ وَسُرْعَةُ الْمَشْيِ . فَاسْمُ السَّعْيِ وَاقِعٌ عَلَى فِعْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَأْمُورٌ ، وَالآخَرُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ . وَسَأُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْجِنْسَ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ ، إِنْ وَفَّقَ اللَّهُ لِذَلِكَ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ | عائشة بنت أبي بكر الصديق / توفي في :57 | صحابي |
الأَسْوَدِ | الأسود بن يزيد النخعي | مخضرم |
إِبْرَاهِيمَ | إبراهيم النخعي | ثقة |
ابْنُ عَوْنٍ | عبد الله بن عون المزني / ولد في :64 / توفي في :151 | ثقة ثبت فاضل |
بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ | بشر بن المفضل الرقاشي | ثقة ثبت |
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ | محمد بن عبد الأعلى القيسي / توفي في :245 | ثقة |