أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ ، نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، نا اللَّيْثُ ، عَنْ عَقِيلٍ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : " لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ ، قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَخْرَجَنِي قَوْمِي ، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ ، وَأَعْبُدَ رَبِّي . قَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ : فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ ، وَلا يُخْرَجُ ، أَنْتَ تُكْسِبُ الْمُعْدِمَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ ، فَرَجَعَ ، وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ ، فَطَافَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ ، وَلا يُخْرَجُ ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلا يُكْسِبُ الْمُعْدِمَ ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ، فَلَمْ تَكْذِبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ ، وَقَالُوا لابْنِ الدُّغُنَّةِ : مُرْ أَبَا بَكْرٍ ، فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَلْيُصَلّ فِيهَا ، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ ، وَلا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ ، وَلا يَسْتَعْلِنْ بِهِ ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا . فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ لأبِي بَكْرٍ ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، وَلا يَقْرأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، فَيَتَقَذَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَنْبَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلا بَكَّاءً لا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ ، وَأَفْزَعَ ذلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدُّغُنَّةِ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا : إنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَقَدْ جَاوَزَ ذلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاء دَارِهِ ، فَأَعْلَنَ الصَّلاةَ وَالقِرَاءةَ فِيه ، وَإنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، فَانْهَهُ ، فَإنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلي أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ ، وَإنْ أَبِي إلا أَنْ يُعْلِنَ بِذلِكَ ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ ، فَإنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِركَ ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ . قَالَتْ عَائِشَةَ : فَأَتَى ابْنُ الدُّغُنَّةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ إِلَيْهِ ، فَإمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلى ذلِكَ ، وَإمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى ذِمَّتِي ، فَإِنِّي لا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أَخْفَرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَإنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ ، وَالنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ : إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ ، وَهِيَ الحَرَّتَانِ ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبلَ الْمَدِينَةِ ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلي رِسْلِكَ ، فَإنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَلْ تَرْجُو ذلِكَ بِأَبِي أنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ ، وَهُوَ الخَبْطُ ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ " . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : قَالَ عُرْوَةُ : قَالَتْ عَائِشَةُ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِدًى لَهُ أَبِي وَأُمِّي ، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلا أَمْرٌ ، قَالَتْ : فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَل ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ : " أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ " ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ " ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الصَّحَابَةَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِحْدَى رَاحِلَتَيْ هَاتَيْنِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بِالثَّمَنِ " . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ ، وَصَنَعْنَا لَهُمْ سُفْرَةً فِي جِرَابٍ ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا وَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ ، قَالَتْ : ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ ، فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَهُوَ غُلامٌ شَلِبٌ ثَقِفٌ لَقِنٌ ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ ، فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمْ عَامِر بْن فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَة مِنَ الْعِشَاءِ ، فَيَبِيتَانِ فِي رَسْلٍ ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثَةِ ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ بَنِي الدّيلِ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا ، وَالْخِرِّيتُ : الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ، يَقُولُ : جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا ، وَنَحْنُ جُلُوسٌ ، فَقَالَ : يَا سُرَاقَةُ ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ، قَالَ سُرَاقَةُ : فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وَفُلانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا ، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ، ثُمَّ قُمْتُ ، فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي ، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي ، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ ، فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضُ ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا ، فَدَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي ، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلامَ ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لا ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي ، وَعَصَيْتُ الأَزْلامَ ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لا يَلْتَفِتُ ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتِفَاتَ ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ، ثُمَّ زَجَرْتُهَا ، فَنَهَضْتُ ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ ، فَنَادَيَتْهُمْ بِالأَمَانِ ، فَوَقَفُوا ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ ، فَلَمْ يَرْزَآنِي ، وَلَمْ يَسْأَلانِي إِلا أَنْ قَالَ : " أَخْفِ عَنَّا " فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أُدْمٍ ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ ، وَيَسْمَعُ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ ، فَانْطَلَقُوا أَيْضًا بَعْدمَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ ، يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ . فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا ، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مَنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَقْبَل أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشَرَةَ لَيْلَةٍ ، وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَ مِرْبَدًا للتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ : " هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ " ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلامَيْنِ ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ ، لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا ، فَقَالَا : بَلْ نَهِبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ : هَذَا الْحِمَالُ لا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَةِ فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ فَتَمَثَّلَ بِبَيْتِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ . .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عَائِشَةَ ، | عائشة بنت أبي بكر الصديق / توفي في :57 | صحابي |
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ | عروة بن الزبير الأسدي / توفي في :94 | ثقة فقيه مشهور |
ابْنُ شِهَابٍ | محمد بن شهاب الزهري / ولد في :52 / توفي في :124 | الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه |
عَقِيلٍ | عقيل بن خالد الأيلي / توفي في :144 | ثقة ثبت |
اللَّيْثُ | الليث بن سعد الفهمي / ولد في :94 / توفي في :175 | ثقة ثبت فقيه إمام مشهور |
يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ | يحيى بن بكير القرشي / ولد في :154 / توفي في :231 | ثقة |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ | محمد بن إسماعيل البخاري / ولد في :194 / توفي في :256 | جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ، | محمد بن يوسف الفربري / ولد في :231 / توفي في :320 | ثقة |
أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ | أحمد بن عبد الله السرخسي | صدوق حسن الحديث |
أَبُو عُمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ | عبد الواحد بن أحمد المليحي / ولد في :367 / توفي في :463 | ثقة |