أنا أَبُو الْحَسَنِ ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ الدَّوْلابِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِدْرِيسَ يَعْنِي كَاتِبَ الْحُمَيْدِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ بْنِ عِيسَى الْقُرَشِيَّ الْحُمَيْدِيَّ ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " كَتَبْتُ كُتُبَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَعَرَفْتُ قَوْلَهُمْ ، وَكَانَ إِذَا قَامَ نَاظَرْتُ أَصْحَابَهُ ، فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ فِي الْغَضْبِ : بَلَغَنِي أَنَّكَ تُخَالِفُنَا . قُلْتُ : إِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ أَقُولُهُ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ ، فَقَالَ : قَدْ بَلَغَنِي غَيْرُ هَذَا ، فَنَاظِرْنِي . فَقُلْتُ : إِنِّي أُجِلُّكَ وَأَرْفَعُكَ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ ، فَقَالَ : لابُدَّ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَمَّا أَبَي قُلْتُ : هَاتِ " . قَالَ : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ سَاجَةً ، فَبَنَى عَلَيْهَا بِنَاءً ، أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَلْفَ دِينَارٍ ، فَجَاءَ سَاحِبُ السَّاجَةِ ، فَثَبَّتَ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَنَّ هَذَا اغْتَصَبَهُ هَذِهِ السَّاجَةَ ، وَبَنَى عَلَيْهَا هَذَا الْبِنَاءَ ، مَا كُنْتَ تَحْكُمُ فِيهَا ؟ قُلْتُ : أَقُولُ لِصَاحِبِ السَّاجَةِ : يَجِبُ أَنْ تَأْخُذَ قِيمَتَهَا ، فَإِنْ رَضِيَ حَكَمْتُ لَهُ بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ أَبَى إِلا سَاجَتَهُ ، قَلَعْتُ الْبِنَاءَ وَرَدَدْتُ سَاجَتَهُ . فَقَالَ لِي : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ خَيْطَ إبْرَيْسَمٍ ، فَخَاطَ بِهِ بَطْنَهُ ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْخَيْطِ ، فَثَبَّتَ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَنَّ هَذَا اغْتَصَبَهُ هَذَا الْخَيْطَ ، فَخَاطَ بِهِ بَطْنَهُ ، أَكُنْتَ تَنْزِعُ الْخَيْطَ مِنْ بَطْنِهِ ؟ ! فَقُلْتُ : لا . قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، تَرَكْتَ قَوْلَكَ . وَقَالَ أَصْحَابُهُ : تَرَكْتَ قَوْلَكَ . فَقُلْتُ : لا تَعْجَلُوا ، أَخْبِرُونِي لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبِ السَّاجَةَ مِنْ أَحَدٍ ، وَأَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ هَذَا الْبِنَاءَ عَنْهَا ، وَيَبْنِيَ غَيْرَهُ ، أَمُبَاحٌ لَهُ ؟ أَمْ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ؟ قَالُوا : بَلْ مُبَاحٌ لَهُ . قُلْتُ : أَفَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ الْخَيْطُ خَيْطَ نَفْسِهِ ، فَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَ هَذَا الْخَيْطَ مِنْ بَطْنِهِ ، أَمُبَاحٌ ذَلِكَ لَهُ ؟ أَمْ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ؟ ! قَالُوا : بَلْ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ . قُلْتُ : فَكَيْفَ تَقِيسُ مُبَاحًا عَلَى مُحَرَّمٍ ؟ ! ثُمَّ قَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ لَوْحَ سَاجَةٍ ، أَدْخَلَهُ فِي سَفِينَتِهِ ، وَلَجَّجَ فِي الْبَحْرِ ، فَثَبَّتَ صَاحِبُ اللَّوْحِ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَنَّ هَذَا اغْتَصَبَهُ هَذَا اللَّوحَ ، وَأَدْخَلَهُ فِي سَفِينَتِهِ ، أَكُنْتَ تَنْزِعُ اللَّوْحَ مِنَ السَّفِينَةِ ؟ ! قُلْتُ : لا . قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، تَرَكْتَ َقوْلَكَ ، وَقَالَ أَصْحَابُهُ : تَرَكْتَ قَوْلَكَ . فَقُلْتُ : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ اللَّوْحُ لَوْحَ نَفْسِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْزِعَ ذَلِكَ اللَّوْحَ مِنَ السَّفِينَةِ ، حَالَ كَوْنِهَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ ، أَمُبَاحٌ ذَلِكَ لَهُ ؟ أَمْ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ . قَالَ : وَكَيْفَ يَصْنَعُ صَاحِبُ السَّفِينَةِ ؟ قُلْتُ : آمُرُهُ أَنْ يُقَرِّبَ سَفِينَتَهُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَرَاسِي إِلَيْهِ ، مَرْسَى لا يَهْلِكُ فِيهِ هُوَ وَلا أَصْحَابُهُ ، ثُمَّ أَنْزِعُ اللَّوْحَ ، وَأَدْفَعُهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، وَأَقُولُ لَهُ : أَصْلِحْ سَفِينَتَكَ وَاذْهَبْ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا ضَرَرَ ، وَلا إِضْرَارَ ؟ ! " . قُلْتُ : هُوَ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ ، لَمْ يُضِرَّ بِهِ أَحَدٌ . ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً ، فَأَوْلَدَهَا عَشَرَةً ، كُلُّهُمْ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنُ ، وَخَطَبُوا عَلَى الْمَنَابِرِ ، وَقَضَوْا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَثَبَّتَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَنَّ هَذَا اغْتَصَبَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ ، وَأَوْلَدَهَا هَؤُلاءِ الأَوْلادَ ، فَنَشَدْتُكَ اللَّهَ ، مَا كُنْتَ تَحْكُمُ ؟ . قَالَ : كُنْتُ أَحْكُمُ بِأَوْلادِهِ ، رَقِيقًا لِصَاحِبِ الْجَارِيَةِ ، وَأَرُدُّ الْجَارِيَةَ عَلَيْهِ . فَقُلْتُ : رَحِمَكَ اللَّهُ ، أَيُّهُمَا أَعْظَمُ ضَرَرًا : أَنْ رَدَدْتَ أَوْلادَهُ رَقِيقًا ؟ أَوْ أَنْ قَلَعْتَ عَنِ السَّاجَةِ ؟ فِي مَسَائِلَ نَحْوِ هَذِهِ .