أنا أَبُو الْحَسَنِ ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَوْحٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيَّ ، يَذْكُرُ عَنِ الشَّافِعِيِّ ، قَالَ : " كُنْتُ أَجْلِسُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْفَقِيهِ ، فَأَصْبَحَ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ الْمَدِينَةَ وَيَذُمُّ أَهْلَهَا ، وَيَذْكُرُ أَصْحَابَهُ وَيَرْفَعُ مِنْ أَقْدَارِهِمْ ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ وَضَعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ كِتَابًا ، لَوْ عَلِمَ أَحَدًا يَنْقُضُ أَوْ يَنْقُصُ مِنْهُ حَرْفًا ، تَبْلُغُهُ أَكْبَادُ الإِبِلِ ، لَصَارَ إِلَيْهِ " . فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، أَرَاكَ قَدْ أَصْبَحْتَ تَهْجُو الْمَدِينَةَ ، وَتَذُمُّ أَهْلَهَا ، فَلَئِنْ كُنْتَ أَرَدْتَهَا ، فَإِنَّهَا لَحَرَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْنُهُ ، سَمَّاهَا اللَّهُ طَابَةَ ، وَمِنْهَا خُلِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِهَا قَبْرُهُ ، وَلَئِنْ أَرَدْتَ أَهْلَهَا ، فَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْهَارُهُ وَأَنْصَارُهُ ، الَّذِينَ مَهَّدُوا الإِيمَانَ ، وَحَفِظُوا الْوَحْيَ ، وَجَمَعُوا السُّنَنَ ، وَلَئِنْ أَرَدْتَ مَنْ بَعْدَهُمْ أَبْنَاءَهُمْ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ ، فَأَخْيَارُ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَلَئِنْ أَرَدْتَ رَجُلا وَاحِدًا وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، فَمَا عَلَيْكَ لَوْ ذَكَرْتَهُ ، وَتَرَكْتَ الْمَدِينَةَ . فَقَالَ : مَا أَرَدْتُ إِلا مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ . فَقُلْتُ : لَقَدْ نَظَرْتُ فِي كِتَابِكَ الَّذِي وَضَعْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَوَجَدْتُ فِيهِ خَطَأً . فَقُلْتَ فِي رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا جِدَارًا ، وَلا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا ، إِنَّ الْجِدَارَ لِمَنْ يَلِيهِ الْقُمُطُ ، وَمَعَاقِدُ اللِّبِنِ . وَقُلْتَ فِي الرِّفَافِ يَدَّعِيهَا السَّاكِنُ وَرَبُّ الْحَانُوتِ : إِنْ كَانَتْ مُلْزَقةً فَهِيَ لِلسَّاكِنِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً فَهِيَ لِرَبِّ الْحَانُوتِ . وَقُلْتَ فِي امْرَأَةٍ جَادَتْ بِوَلَدٍ ، فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَقَالَ : اسْتَعَرْتِهِ ، وَلَمْ تَلِدِنِيهِ : إِنَّكَ تَقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا . وَرَدَدْتَ عَلَيْنَا الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ ، وَهِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ ، وَقَوْلِ الْحُكَّامِ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ ، وَأَنْتَ تَقُولُ هَذَا بِرَأْيِكَ ، وَتَرُدُّ عَلَيْنَا السُّنَنَ ، وَعَدَدْتَ عَلَيْهِ الأَحْكَامَ الَّتِي خَالَفَهَا " . وَكَانَ عَلَى الدَّارِ هَرْثَمَةُ ، فَكَتَبَ الْخَبَرَ ، وَدَخَلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْخَبَرَ ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ : أَكَانَ يَأْمَنُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنْ يَقْطَعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ؟ ! فَاخْرُجْ إِلَى الشَّافِعِيِّ ، وَأَقْرِئْهُ سَلامِي ، وَقُلْ لَهُ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَمَرَ لَكَ بِخَمْسَةِ آلافِ دِينَارٍ ، وَعَجَّلَهَا لَكَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْحَضَرَةِ . قَالَ : فَخَرَجَ هَرْثَمَةُ ، وَأَقْرَأَنِي سَلامَهُ ، وَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَمَرَ لَكَ بِخَمْسَةِ آلافِ دِينَارٍ ، وَقَالَ هَرْثَمَةُ : لَوْلا أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا يُسَاوَى لأَمَرْتُ لَكَ بِمِثْلِهَا ، وَلَكِنِ الْقَ غُلامِي ، فَاقْبِضْ مِنْهُ أَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ . فَقَالَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ، لَوْلا أَنِّي لا أَقْبَلُ جَائِزَةً إِلا مِمَّنْ هُوَ فَوْقِي لَقَبِلْتُ جَائِزَتَكَ ، وَلَكِنْ عَجِّلْ لِي مَا أَمَرَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ الْمَالُ . قَالَ : ثُمَّ جَاءَنِي هَرْثَمَةُ ، فَقَالَ : تَأَهَّبْ لِلدُّخُولِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ ، وَأَخَذْنَا مَجَالِسَنَا ، فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : مَا تَقُولُ فِي الْقَسَامةِ ؟ قَالَ : اسْتِفْهَامٌ ، قُلْتُ : تَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَاجُ أَنْ يَسْتَفْهِمَ يَهُودَ ؟ وَجَرَى بَيْنَنَا كَلامٌ ، وَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ .