حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي كَامِلٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ عَمْرٍو النَّخَعِيِّ ، قَالَ : " كَانَ بِالْكُوفَةِ فَتًى جَمِيلَ الْوَجْهِ شَدِيدَ الاجْتِهَادِ ، وَكَانَ أَحَدَ الزُّهَّادِ ، فَنَزَلَ فِي جِوَارِ قَوْمٍ مِنَ النَّخَعِ ، فَنَظَرَ إِلَى جَارِيَةٍ مِنْهُنَّ جَمِيلَةٍ فَهَوِيَهَا ، وَهَامَ بِهِ عَقْلُهُ ، وَنَزَلَ بِهَا مِثْلَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ ، فَأَرْسَلَ يَخْطُبُهَا مِنْ أَبِيهَا ، فَأَخْبَرَهُ أَبُوهَا أَنَّهَا مُسَمَّاةٌ لابْنِ عَمٍّ لَهَا ، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمَا مَا يُقَاسِيَانِ مِنْ أَلَمِ الْهَوَى ، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ : قَدْ بَلَغَنِي شِدَّةُ مَحَبَّتِكَ لِي ، وَقَدِ اشْتَدَّ بَلائِي بِكَ لِذَلِكَ مَعَ وَجْدِي بِكَ ، فَإِنْ شِئْتَ زُرْتُكَ ، وَإِنْ شِئْتَ تَسَهَّلْتُ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي إِلَى مَنْزِلِي . فَقَالَ لِلرَّسُولِ : وَلا وَاحِدَةٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْخَلَّتَيْنِ ، إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، أَخَافُ نَارًا لا يَخْبُو سَعِيرُهَا ، وَلا يَخْمُدُ لَهَبُهَا . فَلَمَّا انْصَرَفَ الرَّسُولُ إِلَيْهَا فَأَبْلَغَهَا مَا قَالَ قَالَتْ : وَأُرَاهُ مَعَ هَذَا زَاهِدًا يَخَافُ اللَّهَ ، وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ أَحَدٍ ، وَإِنَّ الْعِبَادَ فِيهِ لَمُشْتَرِكُونَ . ثُمَّ انْخَلَعَتْ مِنَ الدُّنْيَا وَأَلْقَتْ عَلائِقَهَا خَلْفَ ظَهْرِهَا ، وَلَبِسَتِ الْمُسُوحَ ، وَجَعَلَتْ تَتَعَبَّدُ ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَذُوبُ وَتَنْحَلُ حُبًّا لِلْفَتَى وَأَسَفًا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ شَوْقًا إِلَيْهِ ، فَدُفِنَتْ ، فَكَانَ الْفَتَى يَأْتِي قَبْرَهَا فَيَبْكِي عِنْدَهَا ، وَيَدْعُو لَهَا ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى قَبْرِهَا ، فَرَآهَا فِي مَنَامِهِ وَكَأَنَّهَا فِي أَحْسَنِ مَنْظَرٍ ، فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتِ ، وَمَا لَقِيتِ بَعْدِي ؟ فَقَالَتْ : نِعْمَ الْمَحَبَّةُ يَا حَبِيبِي ، أُحِبُّكَ حُبًّا يَقُودُ إِلَى خَيْرٍ وَإِحْسَانٍ . فَقَالَ : عَلَى ذَلِكَ إِلامَ صِرْتِ ؟ فَقَالَتْ : إِلَى نَعِيمٍ ، وَعَيْشٍ لا زَوَالَ لَهُ ، فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ ، مُلْكٌ لَيْسَ بِالْفَانِي . فَقَالَ لَهَا : اذْكُرِينِي هُنَاكَ ، فَإِنِّي لَسْتُ أَنْسَاكِ ، فَقَالَتْ : وَلا أَنَا وَاللَّهِ أَنْسَاكَ ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ قُرْبَكَ مَوْلايَ وَمَوْلاكَ ، فَأَعِنِّي عَلَى ذَلِكَ بِالاجْتِهَادِ . ثُمَّ وَلَّتْ مُدْبِرَةً ، فَقَالَ لَهَا : مَتَى أَرَاكِ ؟ قَالَتْ : سَتَأْتِينَا عَنْ قَرِيبٍ فَتَرَانَا ، فَلَمْ يَعِشِ الْفَتَى بَعْدَ الرُّؤْيَا إِلا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى مَاتَ " .