حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، نَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ هَا هُنَا بِالْمَدِينَةِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ رَجُلٌ يُكَنَّى أَبَا نَصْرٍ ، مِنْ جُهَيْنَةَ ، ذَاهِبُ الْعَقْلِ فِي غَيْرِ مَا النَّاسُ فِيهِ ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَ أَهْلِ الصُّفَّةُ فِي آخِرِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ أَجَابَ جَوَابًا مُعْجِبًا حَسَنًا ، قَالَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ : فَأَتَيْتُهُ يَوْمًا وَهُوَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ مَعَ أَهْلِ الصُّفَّةِ ، مُنَكِّسٌ رَأْسَهُ ، وَاضِعٌ وَجْهَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ ، فَحَرَّكْتُهُ ، فَانْتَبَهَ ، فَأَعْطَيْتُهُ شَيْئًا كَانَ مَعِي ، فَأَخَذَهُ ، وَقَالَ : قَدْ صَادَفَ مِنَّا حَاجَةً فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا نَصْرٍ مَا الشَّرَفُ ؟ قَالَ : حَمْلُ مَا نَابَ الْعَشِيرَةَ أَدْنَاهَا وَأَقْصَاهَا ، وَالْقَبُولُ فِي مُحْسِنِهَا ، وَالتَّجَاوُزُ عَنْ مُسِيئِهَا . قُلْتُ : فَمَا الْمُرُوءَةُ ؟ قَالَ : إِطْعَامُ الطَّعَامِ ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ ، وَتَوَقِّي الْأَدْنَاسِ ، وَاجْتِنَابُ الْمَعَاصِي ، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا . قُلْتُ : فَمَا السَّخَاءُ ؟ قَالَ : جَهْدُ الْمُقِلِّ . قُلْتُ : فَمَا الْبُخْلُ ؟ فَقَالَ : أُفٍّ . وَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنِّي ، فَقُلْتُ لَهُ : لَمْ تُجِبْنِي بِشَيْءٍ ، قَالَ : بَلَى ، قَدْ أَجَبْتُكَ . قَالَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ : وَقَدِمَ هَارُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَأُخْلِيَ لَهُ مَسْجِدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِنْبَرِهِ وَفِي مَوْضِعِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ثُمَّ قَالَ : قِفُوا بِي عَلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ يَعْنِي أَبَا نَصْرٍ فَلَمَّا أَتَاهُمْ ، حَرَّكَ هَارُونُ الرَّشِيدُ أَبَا نَصْرٍ بِيَدِهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَهَارُونُ وَاقِفٌ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا نَصْرٍ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَاقِفٌ عَلَيْكَ . فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ . فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الرَّجُلُ ! إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ أُمَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَعِيَّتِكَ وَبَيْنَ اللَّهِ خَلْقٌ غَيْرُكَ ، وَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكَ ، فَأَعِدَّ لِلْمَسْأَلَةِ جَوَابًا ، فَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " لَوْ ضَاعَتْ سَخْلَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ، لَخَافَ عُمَرُ أَنْ يَسْأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا " . فَبَكَى هَارُونُ ، وَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا نَصْرٍ ! رَعِيَّتِي وَدَهْرِي غَيْرُ رَعِيَّةِ عُمَرَ وَدَهْرِهِ . فَقَالَ لَهُ أَبُو نَصْرٍ : هَذَا وَاللَّهِ غَيْرُ مُغْنٍ عَنْكَ ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ ، فَإِنَّكَ وَعُمَرَ تُسْأَلَانِ عَمَّا خَوَّلَكُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . ثُمَّ دَعَا هَارُونُ بِصُرَّةٍ فِيهَا مِئَةُ دِينَارٍ ، فَقَالَ : ادْفَعُوهَا إِلَى أَبِي نَصْرٍ . فَقَالَ : وَهَلْ أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ؟ ادْفَعُوهَا إِلَى فُلَانٍ يُفَرِّقُهَا بَيْنَهُمْ وَيَجْعَلُنِي رَجُلًا مِنْهُمْ . " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |