من حفظ على امتي اربعين حديثا من امر دينها يبعث يوم القيامة فقيها عالما


تفسير

رقم الحديث : 3193

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ الأَزْهَرِ ، قَالَ : " قَالَ بَعْضُ زُهَّادِ الْبَصْرَةِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ! عَجَبًا لَكَ ! كَيْفَ تَقَرُّ عَيْنُكَ ، أَوْ يُزَايِلُ الْوَجَلُ وَالإِشْفَاقُ قَلْبَكَ ، وَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ ، وَاسْتَوْجَبْتَ بِعِصْيَانِهِ غَضَبَهُ وَعِقَابَهُ ، وَالْمَوْتُ لا مَحَالَةَ نَازِلٌ بِكَ بِكَرْبِهِ وَغُصَصِهِ ، وَنَزْعِهِ وَسَكَرَاتِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكَ سَرِيعًا وَشِيكًا ، وَقَدْ صُرِعْتَ لِلْمَوْتِ صَرْعَةً لا تَقُومُ مِنْهَا ، إِلا إِلَى الْحَشْرِ إِلَى رَبِّكَ ، فَكَيْفَ بِكَ فِي نَزْعِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ ، وَغُصَصِهِ ، وَسَكَرَاتِهِ ، وَقَلَقِهِ وَقَدْ بَدَأَ إِلَيْكَ الْمَلَكُ يَجْذِبُ رُوحَكَ مِنْ قَدَمَيْكَ ، فَوَجَدْتَ أَلَمَ جَذْبِهِ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِكَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَرْبُ مِنْكَ مُنْتَهَاهُ ، وَعَمَّ أَلَمُ الْمَوْتِ جَمِيعَ جَسَدِكَ ، وَقَلْبُكَ وَجِلٌ مَحْزُونٌ مُرْتَقِبٌ لِلْبُشْرَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْغَضَبِ أَوْ بِالرِّضَا ، فَبَيْنَا أَنْتَ فِي كَرْبِكَ وَارْتِقَابِكَ إِحْدَى الْبُشْرَيَيْنِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِذْ نَظَرْتَ إِلَى صَفْحَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ بِحُسْنِ صُورَةٍ أَوْ بِقُبْحِهَا ، مَادًّا يَدَهُ إِلَى فِيكَ لِيَنْزَعَ رُوحَكَ مِنْ بَدَنِكَ ، وَعَايَنْتَ صَفْحَةَ مَلَكِ الْمَوْتِ ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُكَ مَاذَا يَفْجُؤُكَ مِنَ الْبُشْرَى مِنْهُ ، بِسَخَطِهِ أَوْ بِرِضَاهُ ، فَأُخِذَتْ نَفْسُكَ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبْرُ وَهَوْلُ الْمَطْلَعِ ، ثُمَّ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ ، وَعَذَابُ الْقَبْرِ ، وَانْتِظَارُكَ الصَّيْحَةَ ، فَبَيْنَا أَنْتَ كَذَلِكَ ، إِذْ سَمِعْتَ نَفْخَةَ الصُّورِ ، فَانْفَرَجَتِ الأَرْضُ عَنْ رَأْسِكَ ، فَوَثَبْتَ مِنْ قَبْرِكَ عَلَى قَدَمَيْكَ بِغُبَارِ قَبْرِكَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْكَ ، شَاخِصًا بِبَصَرِكَ نَحْوَ النِّدَاءِ ، وَقَدْ ثَارَ الْخَلائِقُ مَعَكَ ثَوْرَةً وَاحِدَةً فِي زَحْمَةِ الْخَلائِقِ عُرَاةٌ صُمُوتٌ أَجْمَعُونَ ، قَدْ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا سورة طه آية 108 . وَالصَّوْتُ يَمُدُّهُمْ بِالْمُنَادِي ، وَالْخَلائِقُ مُقْبِلُونَ نَحْوَهُ ، وَأَنْتَ فِيهِمْ سَاعٍ بِالْخُشُوعِ وَالذِّلَّةِ ، حَتَّى إِذَا وَافَيْتَ الْمَوْقِفَ ، وَازْدَحَمَتِ الأُمَمُ كُلُّهَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ عُرَاةً أَذِلاءَ ، قَدْ نُزِعَ الْمُلْكُ مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ ، وَلَزِمَتْهُمُ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ ، فَهُمْ أَذَلُّ أَهْلِ الأَرْضِ وَأَصْغَرُهُمْ خِلْقَةً وَقَدْرًا بَعْدَ عُتُوِّهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَتِ الْوُحُوشُ مِنَ الْبَرَارِي ، وَذُرَى الْجِبَالِ مُنَكَّسَةً رُءُوسُهَا بَعْدَ تَوَحُّشِهَا وَانْفِرَادِهَا عَنِ الْخَلائِقِ ذَلِيلَةً لِيَوْمِ النُّشُورِ ، بِغَيْرِ بَلِيَّةٍ نَالَتْهَا وَلا خَطِيئَةٍ أَصَابَتْهَا ، وَأَقْبَلَتِ السِّبَاعُ بَعْدَ ضَرَاوَتِهَا وَشِدَّةِ بَأْسِهَا ، مُنَكَّسَةً رُءُوسُهَا ذَلِيلَةً لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، حَتَّى وَقَفَتْ مِنْ وَرَاءِ الْخَلائِقِ بِالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ لِلْمَلِكِ الْجَبَّارِ ، وَأَقْبَلَتِ الشَّيَاطِينُ بَعْدَ تَمَرُّدِهَا وَعُتُوِّهَا خَاضِعَةً خَاشِعَةً لِذُلِّ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ . فَسُبْحَانَ الَّذِي جَمَعَهُمْ بَعْدَ طُولِ الْبَلاءِ ، بِاخْتِلافِ خَلْقِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ ، وَتَوَحُّشِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ! قَدْ أَذَلَّهُمُ الْبَعْثُ ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمُ النُّشُورُ ، حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ عِدَّةُ أَهْلِ الأَرْضِ مِنْ إِنْسِهَا ، وَجِنِّهَا ، وَشَيَاطِينِهَا ، وَوُحُوشِهَا ، وَسِبَاعِهَا ، وَأَنْعَامِهَا ، وَاسْتَوَوْا جَمِيعًا فِي مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ ، تَنَاثَرَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَطُمِسَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ لِخُمُودِ سِرَاجِهَا ، وَإِطْفَاءِ نُورِهَا ، وَمَادَتِ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَدَارَتْ بِعِظَمِهَا مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَى هَوْلِ ذَلِكَ ، فَبَيْنَا مَلائِكَةٌ عَلَى حَافَّاتِهَا ، إِذِ انْحَدَرُوا مِنْهَا إِلَى الأَرْضِ لِلْعَرْضِ وَالْحِسَابِ ، فَيَفْزَعُ الْخَلائِقُ لِنُزُولِهِمْ ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ أُمِرُوا بِهِمْ ، وَتَفْزَعُ الْمَلائِكَةُ ؛ إِجْلالا لَمَلِيكِهِمْ ، وَقَدْ كُسِيَتِ الشَّمْسُ حَرَّ عَشْرَ سِنِينَ ، وَأُدْنِيَتْ مِنَ الْخَلائِقِ قَابَ قَوْسٍ أَوْ قَوْسَيْنِ ، فَلا ظِلَّ لِأَحَدٍ إِلا عَرْشُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَمِنْ بَيْنِ مُسْتَظِلٍّ بِظِلِّ الْعَرْشِ ، وَبَيْنَ مُضَحٍّ بِحَرِّ الشَّمْسِ قَدْ صَهَرَتْهُ وَأَسْكَرَتْهُ ، ثُمَّ ازْدَحَمَتِ الأُمَمُ مِنَ الْعَطَشِ ، فَاجْتَمَعَ حَرُّ الشَّمْسِ وَوَهَجُ أَنْفَاسِ الْخَلائِقِ ، وَتَزَاحَمَ أَجْسَادُهُمْ ، فَفَاضَ الْعَرَقُ مِنْهُمْ سَيْلا ، حَتَّى اسْتُنْقِعَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، ثُمَّ عَلا الأَبْدَانَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ ، وَأَنْتَ كَأَحَدِهِمْ لا مَحَالَةَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مِنْكَ وَمِنْهُمُ الْمَجْهُودُ ، وَطَالَ وُقُوفُهُمْ لا يَتَكَلَّمُونَ وَلا يُنْظَرُ فِي أُمُورِهِمْ ، فَمَا ظَنُّكَ بِوُقُوفِهِمْ ثَلاثَمِائَةِ عَامٍ لا يَأْكُلُونَ ، وَلا يَشْرَبُونَ ، وَلا يَنْفَحُ وُجُوهَهُمْ رَوْحٌ ، وَلا نَسِيمُ جَوٍّ ، وَلا رِيحٌ ، وَلا يَسْتَرِيحُونَ مِنْ تَعَبِ قِيَامِهِمْ ، وَنَصَبِ وُقُوفِهِمْ ، وَقَدِ اشْتَدَّ الْعَطَشُ ، فَيَفْزَعُونَ إِلَى حَوْضِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمِنْ شَارِبٍ مِنْ حَوْضِهِ ، صَادِرٍ عَنْهُ بَعْدَ رِيِّهِ ، مَسْرُورٍ قَلْبُهُ بِفَرَحِهِ بِالرِّيِّ ، وَزَوَالِ شِدَّةِ عَطَشِهِ ، وَمِنْ مَصْرُوفٍ وَجْهُهُ عَنْ حَوْضِهِ ، وَمُوَلٍّ بِعَطَشِهِ ، وَشِدَّةِ حَسْرَتِهِ عَلَى مَا خُيِّبَ مِنْ أَمَلِهِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ حَوْضِهِ ، يُنَادِي بِصَوْتِهِ الْمَحْزُونِ عَنْ قَلْبِهِ الْحَسِرِ الْمَغْمُومِ : أَتَيْتُ حَوْضَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَصُرِفَ وَجْهِي ، فَوَاعَطَشَاهُ ! وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا وَهُوَ خَائِفٌ أَنْ يَحِلَّ بِهِ مَا حَلَّ بِهِ ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَغْمُومًا ، مَحْزُونًا ، خَائِفًا أَنْ يُصْرَفَ وَجْهُكَ عَنْ حَوْضِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَطَشِهِ ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ ، فَزِعُوا إِلَى آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ فِي الرَّاحَةِ مِنْ مَقَامِهِمْ ، وَإِلَى نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ ، وَمُوسَى ، وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلامُ ، فَكُلُّهُمْ ، قَالَ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْهُ قَبْلُ وَلا بَعْدُ ، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ : نَفْسِي نَفْسِي ، فَمَا ظَنُّكَ بِيَوْمٍ يُنَادِي فِيهِ الْمُصْطَفَى آدَمُ ، وَالْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ ، وَالْكَلِيمُ مُوسَى ، وَالرُّوحُ وَالْكَلِمَةُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ كَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعِظَمِ قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كُلٌّ يَقُولُ : نَفْسِي نَفْسِي مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ! حَتَّى إِذَا أَيِسُوا مِنَ الشَّفَاعَةِ ، أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلُوهُ الشَّفَاعَةَ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَامَ إِلَى رَبِّهِ ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ وَحَمِدَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، حَتَّى أَجَابَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى تَعْجِيلِ عَرْضِهِ ، فَبَيْنَاهُ ، إِذْ نَادَى مُنَادٍ : إِنَّ الْجَبَّارَ قَدْ أَتَى لِعَرْضِكَ عَلَيْهِ ، حَتَّى كَأَنَّهُ لا يُعْرَضُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاكَ ، وَلا يَنْظُرُ إِلا فِي أَمْرِكَ ، ثُمَّ جِيءَ بِجَهَنَّمَ ، ثُمَّ زَفَرَتْ ، وَثَارَتْ إِلَى الْخَلائِقِ مِنْ بُعْدٍ ، وَسَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ، ثُمَّ تُحْمَلُ عَلَى الْخَلائِقِ ، حَتَّى يَتَسَاقَطُوا عَلَى رُكَبِهِمْ جِثِيًّا حَوْلَ جَهَنَّمَ ، فَأَرْسَلُوا الدُّمُوعَ ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْخَلائِقِ بِالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ ، وَقَدْ ذُهِلَتْ عُقُولُهُمْ ؛ لِعِظَمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَفَرَّ مِنْكَ الْوَلَدُ ، وَالْوَالِدُ ، وَالأَخُ ، وَالصَّاحِبُ ، فَبَيْنَا الْخَلائِقُ عَلَى ذَلِكَ ، ارْتَفَعَتْ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ ، فَنَطَقَتْ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ بِمَنْ وُكِّلَتْ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنْ بَيْنِ الْخَلائِقِ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، فَابْتَلَعَتْهُمْ ، ثُمَّ خَنَسَتْ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ ، تَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثًا ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ ، لِيَقُمِ الْحَامِدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَيَقُومُونَ ، فَيَسْرَحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَهْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ بِمَنْ لَمْ تَشْغَلْهُ فِي الدُّنْيَا تِجَارَةٌ ، وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ الْجَنَّةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، تَطَايَرَتِ الْكُتُبُ ، فَآخِذٌ ذَاتَ الْيَمِينِ ، وَآخِذٌ ذَاتَ الشِّمَالِ ، حَتَّى تَقَعَ فِي أَيْمَانِهِمْ وَشَمَائِلِهِمْ ، نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ وَأَنْتَ مُتَوَجِّلٌ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُكَ : فِي يَمِينِكَ أَوْ شِمَالِكَ ، فَإِنْ وَقَعَ فِي يَمِينِكَ ، فَقَدْ فُزْتَ ، وَإِنْ وَقَعَ فِي شِمَالِكَ ، فَقَدْ خَسِرْتَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ، ثُمَّ تُنْشَرُ صُحُفُكَ ، وَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ، فَقَدْ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسِيتَهُ ، ثُمَّ تُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَدْ رَفَعَ الْخَلائِقُ إِلَيْكَ أَبْصَارَهُمْ ، وَقَدْ خُلِعَ قَلْبُكَ فَزَعًا حَتَّى أَتَوْا بِكَ إِلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيَقُولُ لَكَ : يَا ابْنَ آدَمَ ! فِيمَا أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ ، وَمَالَكَ مِنْ أَيْنَ جَمَعْتَهُ ، وَفِيمَا فَرَّقْتَهُ ؟ ثُمَّ يَسْأَلُكَ عَنْ قَبِيحِ فِعْلِكَ وَعَظِيمِ جُرْمِكَ ، فَكَمْ لَكَ مِنْ حَيَاءٍ وَخَجَلٍ مِنَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ إِلَيْكَ مُحْسِنًا ، وَعَلَيْكَ سَاتِرًا ، فَأَيُّ لِسَانٍ تُجِيبُهُ حِينَ يَسْأَلُكَ ؟ ! وَبِأَيِّ قَدَمٍ تَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِأَيِّ قَلْبٍ تَحْتَمِلُ كَلامَ الْجَلِيلِ ؟ ! فَكَمْ مِنْ بَلِيَّةٍ قَدْ كُنْتَ نَسِيتَهَا قَدْ ذَكَرَهَا ؟ ! وَكَمْ مِنْ سَرِيرَةٍ قَدْ كُنْتَ كَتَمْتَهَا قَدْ أَظْهَرَهَا وَأَبْدَاهَا ؟ ! وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ قَدَّمْتَهُ ظَنَنْتَ أَنَّهُ قَدْ خَلُصَ لَكَ وَسَلِمَ بِالْغَفْلَةِ مِنْكَ إِلَى مَيْلِ الْهَوَى عَمَّا يُفْسِدُهُ ، قَدْ رَدَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ بَعْدَمَا كَانَ أَمَلُكَ فِيهِ عَظِيمًا . فَيَا حَسَرَاتِ قَلْبِكَ ! وَيَا أَسَفَكَ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي طَاعَةِ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ ! حَتَّى إِذَا كَرَّرَ عَلَيْكَ السُّؤَالَ بِذِكْرِ كُلِّ بَلِيَّةٍ ، وَنَشْرِ كُلِّ مُخَبَّأٍ ، فَأَجْهَدَكَ الْكَرْبُ ، وَبَلَغَ الْحَيَاءُ مِنْكَ مُنْتَهَاهُ ، وَيَقُولُ لَكَ : يَا عَبْدِي ! أَمَا أَجْلَلْتَنِي ؟ أَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي ؟ اسْتَخْفَفْتَ بِنَظَرِي وَلَمْ تَهَابْنِي ؟ أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ ؟ ! أَلَمْ أُنْعِمْ عَلَيْكَ ؟ مَا غَرَّكَ بِي ؟ ! شَبَابَكَ فِيمَ أَبْلَيْتَهُ ، وَعُمْرَكَ فِيمَ أَفْنَيْتَهُ ، وَمَالَكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَفِيمَ أَنْفَقْتَهُ ، وَعِلْمَكَ مَاذَا عَمِلْتَ بِهِ ؟ ! فَمَا يَزَالُ يُعَدِّدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْكَ أَشْيَاءَ ، وَأَنْتَ قَدْ طَارَ قَلْبُكَ ، فَأَعْظِمْ بِهِ مَوْقِفًا ! وَأَعْظِمْ بِهِ سَائِلا ! وَأَعْظِمْ مِمَّا يُدَاخِلُكَ مِنَ الْغَمِّ ، وَالْحُزْنِ ، وَالتَّأَسُّفِ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي طَاعَتِهِ ، فَإِذَا بَقِيتَ مُتَحَيِّرًا : إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَكَ : يَا عَبْدِي ! أَنَا سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ لَكَ : يَا عَبْدِي ! أَنَا غَضْبَانُ عَلَيْكَ ، فَعَلَيْكَ لَعْنَتِي ، فَلَنْ أَغْفِرَ لَكَ عَظِيمَ مَا أَتَيْتَ ، وَلَنْ أَتَقَبَّلَ مِنْكَ مَا عَمِلْتَ ، وَيَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ ذُنُوبِكَ الْعَظِيمَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ : خُذُوهُ ، فَمَا ظَنُّكَ بِاللَّهِ يَقُولُهَا : فَتُبَادِرُ إِلَيْكَ الزَّبَانِيَةُ بِفَظَاظَتِهَا ، وَغِلَظِ أَكُفِّهَا ، وَأَنْتَ ذَلِيلٌ مُوقِنٌ بِالْهَلاكِ ، وَأَنْتَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَهُمْ ذَاهِبُونَ بِكَ إِلَى النَّارِ ، مُسْوَدٌّ وَجْهُكَ ، تَتَخَطَّى الْخَلائِقَ وَكِتَابُكَ بِشِمَالِكَ ، تُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ، حَتَّى تُسَاقَ إِلَى جَهَنَّمَ ، فَتُذَاقَ أَلْوَانَ الْعَذَابِ ، فَاشْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ عَلَى ضَعْفِ بَدَنِكَ ، وَتَخَفَّفْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الذُّنُوبِ ، وَلِلْمَمَرِّ عَلَى الصِّرَاطِ الَّذِي هُوَ مَسِيرَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، وَلِهَوْلِ الْقِيَامَةِ ، فَإِنَّمَا خَفَّ ذَلِكَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِهُمُومِهَا فِي الدُّنْيَا لِعُقُولِهِمْ ، فَتَحَمَّلُوا فِي الدُّنْيَا ثِقَلَ هُمُومِهَا ، حَتَّى خَشَعَتْ قُلُوبُهُمْ وَجُلُودُهُمْ فِي الدُّنْيَا ، فَخَفَّفَهَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مَوْلاهُمْ . فَأَلْزِمْ قَلْبَكَ خَوْفَهُ ، وَاشْتَغِلْ بِطَاعَتِهِ ، لَعَلَّهُ يَرَى اهْتِمَامَكَ فَيُبَلِّغَكَ ، فَتَكُونَ مِمَّنْ قَدْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ ، وَأَمِنَ غَمَرَاتِ الْقِيَامَةِ ، وَاسْأَلْهُ التَّوْفِيقَ لِمَا يُدْنِيكَ مِنْهُ ، وَمَا يُسَلِّي عَنْكَ غَمَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ ، فَإِنَّهُ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالإِحْسَانِ وَالْكَرَمِ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.