حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّزَّازُ ، قَالَ : سَمِعْتُ ذَا النُّونِ الْمِصْرِيَّ ، يَقُولُ : إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا نَصَبُوا أَشْجَارَ الْخَطَايَا نَصْبَ رَوَاتِقِ الْقُلُوبِ وَسَقَوْهَا بِمَاءِ التَّوْبَةِ ، فَأَثْمَرَتْ نَدَمًا وَأَحْزَانًا ، فَجُنُّوا مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ ، وَتَبَلَّدُوا مِنْ غَيْرِ عِيٍّ وَلَا بُكْمٍ ، وَإِنَّهُمْ لَهُمُ الْفُصَحَاءُ الْبُلَغَاءُ الرُّزَنَاءُ الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِأَمْرِ اللَّهِ ، ثُمَّ شَرِبُوا بِكَأْسِ الصَّفَا ، فَوَرِثُوا الصَّبْرَ عَلَى طُولِ الْبَلَاءِ ، حَتَّى تَوَلَّهَتْ قُلُوبُهُمْ فِي الْمَلَكُوتِ ، وَجَالَتْ بَيْنَ سَرَايَا حُجُبِ الْجَبَرُوتِ ، فَاسْتَظَلُوا تَحْتَ رِوَاقِ النَّدَمِ ، فَقَرَءُوا صَحِيفَةَ الْخَطَايَا ، فَأَوْرَثُوا أَنْفُسَهُمُ الْجَزَعَ حَتَّى وَصَلُوا عُلْوَ عُلُوِّ الزُّهْدِ بِسُلَّمِ الْوَرِعِ ، فَاسْتَعْذَبُوا مَرَارَةَ التَّرْكِ لِلدُّنْيَا ، وَاسْتَلَانُوا خُشُونَةَ الْمَضْجَعِ حَتَّى ظَفَرُوا بِحَبْلِ النَّجَاةِ وَعُرْوَةِ السَّلَامَةِ ، وَسَرَحَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي الْعُلَا ، وَجُعِلَتْ قُلُوبُهُمْ فِي خَفِيِّ خَفِيَاتِ الْهَوَى ، حَتَّى أَنَاخُوا فِي رِيَاضِ النَّعِيمِ ، وَجَنَوْا مِنْ ثِمَارِ التَّسْنِيمِ ، وَخَاضُوا فِي بَحْرِ الْحَيَاةِ ، وَأَرْدَمُوا خَنَادِقَ الْجَزَعِ ، وَعَبَرُوا جُسُورَ الْهَوَى حَتَّى أَنَاخُوا بِفِنَاءِ الْعِلْمِ ، فَاسْتَقَوْا غَدِيرَ الْحِكْمَةِ ، وَرَكِبُوا سَفِينَةَ الْفِطْنَةِ ، فَأَقْلَعُوا بِرِيحِ النَّجَاةِ فِي بَحْرِ السَّلَامَةِ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى رِيَاضِ الرَّاحَةِ ، وَمَعْدِنِ الْعِزِّ وَالْكَرَامَةِ .