سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، يَقُولُ : تَفْسِيرُ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَى فِي الْقِيَامَةِ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ كَمَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : قَوْلُهُ : " لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ " : وَالتَّضَامُّ مِنَ النَّاسِ يَكُونُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ عِنْدَ طَلَبِهِمُ الْهِلَالَ ، فَيَجْتَمِعُونَ وَيَنْضَمُّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، وَيَقُولُ وَاحِدٌ : هُوَ ذَاكَ ، وَيَقُولُ آخَرُ : لَيْسَ بِهِ ، وَلَيْسَ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ لِطَلَبِهِمُ الْهِلَالَ ، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ يَرَوْنَهُ ، وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ الْمَثَلَ بِالشُّهْرَةِ فِي الْقَمَرِ وَالظُّهُورِ ، تَقُولُ : هُوَ أَبْيَنُ مِنَ الشَّمْسِ وَمِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ ، وَأَشْهَرُ مِنَ الْقَمَرِ . وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ : وَقَدْ بَهَرَتْ فَمَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى أَحَدٍ لَا يَعْرِفُ الْقَمَرَا وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ سورة الأنعام آية 103 فِي الدُّنْيَا ، لِأَنَّهُ احْتَجَبَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَوْمَ الْحِسَابِ وَيَوْمَ الْجَزَاءِ وَالْقِصَاصِ ، فَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ كَمَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ . وَقَوْلِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي سورة الأعراف آية 143 ، يَعْنِي : فِي الدُّنْيَا ، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا مَا أَجَّلَهُ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ : لَنْ تَرَانِي سورة الأعراف آية 143 ، يَعْنِي : فِي الدُّنْيَا ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي سورة الأعراف آية 143 . أَعْلَمَهُ أَنَّ الْجَبَلَ لَا يَقُومُ لِتَجَلِّيهِ حَتَّى يَصِيرَ دَكًّا ، وَأَنَّ الْجِبَالَ إِذَا ضَعُفَتْ عَنِ احْتِمَالِ ذَلِكَ ، فَابْنُ آدَمَ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ أَضْعَفَ إِلَى أَنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النُّورِ مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى النَّظَرِ وَيَكْشِفَ عَنْ بَصَرِهِ الْغِطَاءَ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ يَقُولُ : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ { 22 } إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ { 23 } سورة القيامة آية 22-23 . وَيَقُولُ فِي سَخَطِهِ عَلَيْهِمْ : كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ { 15 } ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ { 16 } سورة المطففين آية 15-16 ، إِنَّمَا فِي هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوهَ النَّاضِرَةَ هِيَ الَّتِي إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، وَهِيَ الَّتِي لَا تُحجبُ إِذَا حُجِبَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَقَرَأْتُ فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّ الْمَسِيحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ فَاهُ بِالْوَحْيِ ، قَالَ : طُوبَي لِلَّذِينَ يَرْحَمُونَ ! فَعَلَيْهِمْ تَكُونُ الرَّحْمَةُ ، طُوبَى لِلْمُخْلِصَةِ قُلُوبِهِمْ ! الَّذِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : نَحْنُ نُؤْمِنُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَعَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَنْتَهِي فِي صِفَاتِهِ جَلَّ جَلَالُهُ إِلَى حَيْثُ انْتَهَى رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا نَدْفَعُ مَا صَحَّ عَنْهُ ، بَلْ نُؤْمِنُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَقُولَ فِيهِ بِكَيْفِيَّةٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ تَفْسِيرٍ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَقْدِ سَبِيلَ النَّجَاةِ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |