حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، نَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ : " أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ لِشَعْيَا : " قُمْ فِي قَوْمِكَ أُوحِ عَلَى لِسَانِكَ . فَلَمَّا قَامَ شَعْيَا أَنْطَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِهِ بِالْوَحْيِ ، فَقَالَ : يَا سَمَاءُ اسْتَمِعِي ، وَيَا أَرْضُ أَنْصِتِي . فَاسْتَمَعَتِ السَّمَاءُ وَأَنْصَتَتِ الْأَرْضُ . فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لَكُمْ : إِنِّي اسْتَقْبَلْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْكَرَامَةِ وَهُمْ كَالْغَنَمِ الضَّائِعَةِ لَا رَاعِيَ لَهَا ، فَآوَيْتُ شَاذَّتَهَا ، وَجمَعْتُ ضَالَّتَهَا ، وَجَبَرْتُ كَسِيرَهَا ، وَدَاوَيْتُ مَرِيضَهَا ، وَأَسْمَنْتُ مَهْزُولَهَا ، فَبَطِرَتْ ، فَتَنَاطَحَتْ ، فَقَتَلَ بَعْضُهَا بَعْضًا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا عَظْمٌ صَحِيحٌ ، إِنَّ الْحِمَارَ رُبَّمَا يَذْكُرُ آرِيَّهُ الَّذِي شَبِعَ عَلَيْهِ فَيُرَاجِعُهُ ، وَإِنَّ الثَّوْرَ رُبَّمَا يَذْكُرُ مَرْجَهُ الَّذِي سَمِنَ فِيهِ فَيَنْتَابُهُ ، وَإِنَّ الْبَعِيرَ رُبَّمَا يَذْكُرُ وَطَنَهُ الَّذِيَ نَتَجَ فِيهِ فَيَنْزِعُ إِلَيْهِ ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَا يَذْكُرُونَ مِنْ أَيْنَ جَاءَهُمُ الْخَيْرُ وَهُمْ أَهْلُ الْأَلْبَابِ وَالْعُقُولِ ، لَيْسُوا بِإِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا حَمِيرٍ ، وَإِنِّي ضَارِبٌ لَهُمْ مَثَلًا فَاسْمَعُوهُ : قُلْ لَهُمْ : كَيْفَ تَرَوْنَ فِي أَرْضٍ كَانَتْ زَمَانًا مَنْ زَمَانِهَا خَرِبَةً مَوَاتًا لَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا حَرْثَ وَكَانَ لَهَا رَبٌّ قَوِيٌّ حَلِيمٌ ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا بِالْعِمَارَةِ ، فَأَحَاطَ عَلَيْهَا سِيَاجًا وَشَيَّدَ فِيهَا قُصُورًا ، وَأَنْبَطَ فِيهَا نَهْرًا ، وَصَنَّفَ فِيهَا غِرَاسًا مِنَ الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ وَالنَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ وَأَلْوَانِ الثِّمَارِ ، وَوَلَّى ذَلِكَ ذَا رَأْيٍ وَهِمَّةٍ حَفِيظًا قَوِيًّا أَمِينًا ، فَلَمَّا جَاءَ إِبَّانُ ثَمَرِهَا أَثْمَرَتْ خَرْنُوبًا ، مَا كُنْتُمْ قَائِلِينَ لَهُ وَمُشِيرِينَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : كُنَّا نَقُولُ لَهُ : بِئْسَتِ الْأَرْضُ أَرْضُكَ ، وَنُشِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْلَعَ سِيَاجَهَا ، وَيَهْدِمَ قَصْرَهَا ، وَيَدْفِنَ نَهْرَهَا ، وَيَحْرِقَ غَرْسَهَا ؛ حَتَّى تَعُودَ خَرِبَةً مَوَاتًا لَا عُمْرَانَ فِيهَا . فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : قُلْ لَهُمْ : إِنَّ السِّيَاجَ ذِمَّتِي ، وَإِنَّ الْقَصْرَ شَرِيعَتِي ، وَإِنَّ النَّهْرَ كِتَابِي ، وَالْقَيَّمُ نَبِيِّي ، وَإِنَّ الْغَرْسَ مَثَلٌ لَهُمْ وَالْخَرْنُوبُ أَعْمَالُهُمُ الْخَبِيثَةُ ، وَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ عَلَيْهِمْ قَضَاءَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ بِذَبْحِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَيْسَ يَنَالُنِي اللَّحْمُ وَلَا آكُلُهُ ، وَيُدْعَوْنَ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَيَّ بِالتَّقْوَى وَالْكَفِّ عَنْ ذَبْحِ الْأَنْفُسِ الَّتِي حَرَّمْتُهَا عَلَيْهِمْ وَيُزَوِّقُونَ لِي الْمَسَاجِدَ وَلَيْسَ بِي إِلَى تَزْوِيقِهَا حَاجَةٌ ، وَإِنَّمَا أَمَرْتُ بِرَفْعِهَا لِأُذْكَرَ فِيهَا وَأُسَبَّحَ ، وَيَقُولُونَ : لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ أُلْفَتَنَا لَجَمَعَهَا ، وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُفَقِّهَ قُلُوبَنَا لَفَقَّهَهَا ، فَاعْمِدْ إِلَى عُودَيْنِ يَابِسَيْنِ فَاكْتُبْ فِيهِمَا كِتَابًا : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَعُودَا عُودًا وَاحِدًا . قَالَ : فَقَالَ لَهُمَا ذَلِكَ ، فَاخْتَلَطَا ، فَصَارَا عُودًا وَاحِدًا ، وَصَارَ الْكِتَابُ فِي طَرَفَيِ الْعُودِ الْوَاحِدِ كِتَابًا وَاحِدًا : يَا مَعْشَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ! إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكُمْ : إِنِّي قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أُفَقِّهَ الْعِيدَانَ الْيَابِسَةَ ، وَعَلَى أَنْ أُؤَلِّفَ بَيْنَهَا ؛ فَكَيْفَ لَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَجْمَعَ أُلْفَتَكُمْ إِنْ شِئْتُ ؟ أَمْ كَيْفَ لَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أُفَقِّهَ قُلُوبَكُمْ ؟ وَيَقُولُونَ : صُمْنَا فَلَمْ يُرْفَعْ صِيَامُنَا ، وَصَلَّيْنَا فَلَمْ تُنَوَّرْ صَلَاتُنَا ، وَزَكَّيْنَا فَلَمْ تَزْكُ زَكَاتُنَا ، وَدَعَوْنَا اللَّهَ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لَنَا . فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : سَلْهُمْ لِمَ ذَلِكَ ؟ وَمَا الَّذِي مَنَعَنِي أَنْ أُجِيبَهُمْ ؟ أَلَسْتُ أَسْمَعَ السَّامِعِينَ ، وَأَبْصَرَ النَّاظِرِينَ ، وَأَقْرَبَ الْمُجِيبِينَ ، وَأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ؟ أَلِأَنَّ خَزَائِنِي فَنِيَتْ ، وَيَدَايَ مَبْسُوطَتَانِ بِالْخَيْرِ أُنْفِقُ كَيْفَ أَشَاءُ ، أَمْ لِأَنَّ ذَاتَ يَدَيَّ قَلَّتْ ، كَيْفَ وَمَفَاتِيحُ الْخَيْرِ بِيَدِي لَا يَفْتَحُهَا وَلَا يُغْلِقُهَا غَيْرِي ؟ أَمْ لِأَنَّ رَحْمَتِي ضَاقَتْ ؟ كَيْفَ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يَتَرَاحَمُ الْمُتَرَاحِمُونَ بِبَعْضِهَا ، أَمْ لِأَنَّ الْبُخْلَ يَعْتَرِينِي ؟ كَيْفَ وَأَنَا النَّفَّاحُ بِالْخَيْرَاتِ أَجْوَدُ مَنْ أَعْطَى وَأَكْرَمُ مَنْ سُئِلَ ، وَلَكِنْ كَيْفَ أَرْفَعُ صِيَامَهُمْ وَهُمْ يُلْبِسُونَهُ بِقَوْلِ الزُّورِ وَيَتَقَوُّونَ عَلَيْهِ بِطُعْمَةِ الْحَرَامِ ؟ أَمْ كَيْفَ أُنَوِّرُ صَلَاتَهُمْ وَقُلُوبُهُمْ صَاغِيَةٌ إِلى مَنْ يُحَادُّنِّي ؟ أَمْ كَيْفَ تَزْكُو صَدَقَاتُهُمْ وَهِيَ مِنْ أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ ؟ وَإِنَّمَا أَجْزِي عَلَيْهَا الْمُغَتَصَبِينَ ، وَإِنَّ مِنْ عَلَامَةِ رِضَايَ رِضَا الْمَسَاكِينِ " .