حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامِ الْجُمَحِيُّ ، قَالَ : " لَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْحِيرَةَ ، قِيلَ لَهُ : إِنَّ هَاهُنَا عَجُوزًا مِنْ بَنَاتِ الْمُلُوكِ . قَالَ : وَمَنْ هِيَ ؟ قَالُوا : الْحُرَقَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ عَقَائِلِ الْعَرَبِ ، وَكَانَتْ إِذَا خَرَجَتْ إِلَى بَيْعَتِهَا نُشِرَتْ عَلَيْهَا أَلْفُ قَطِيفَةٍ مِنْ خَزٍّ وَدِيبَاجٍ ، وَمَعَهَا أَلْفُ وَصِيفٍ وَوَصِيفَةٍ ، فَأَتَتْ وَهِيَ كَالشِّنِّ الْبَالِي ، فَوَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لَهَا سَعْدٌ : يَا حُرَقَةُ ! مَا كَانَ شَأْنُكُمْ ؟ فَقَالَتْ : كُنَّا مُلُوكَ هَذَا الْمِصْرِ قَبْلَكَ ، يُجْبَى إِلَيْنَا خَرَاجُهُ ، وَيُطِيعُنَا أَهْلُهُ مُدَّةً مِنَ الْمُدَدِ ، حَتَّى صَاحَ بِنَا صَائِحُ الدَّهْرِ ، فَشَتَّتَ مَلَأَنَا ، وَالدَّهْرُ ذُو نَوَائِبَ وَصُرُوفٍ ، فَلَوْ رَأَيْتُنَا فِي أَيَّامِنَا ، لَأُرْعِدَتْ فَرَائِضُكَ فَرَقًا مِنَّا . فَقَالَ لَهَا سَعْدٌ : فَمَا أَنْعَمَ مَا تَنَعَّمْتُمْ بِهِ ؟ فَقَالَتْ : سَعَةُ الدُّنْيَا وَكَثْرَةُ الأَصْوَاتِ إِذَا دَعُونَا . ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ : وَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالأَمْرُ أَمْرُنَا إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ لَيْسَ نُنْصَفُ فَتَبًّا لِدُنْيَا لا يَدُومُ نَعِيمُهَا تُقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتُصَرَّفُ يَا سَعْدُ ! إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ بَيْتٍ بِحِبْرَةٍ إِلا وَالدَّهْرُ يُعْقِبُهُمْ عَبْرَةً ، حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ بِمَا أَحَبَّ . وَعِنْدَ سَعْدٍ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الزُّبَيْدِيُّ ، فَقَالَ سَعْدٌ لِعَمْرٍو : احْفَظْ هَذَا الْكَلامَ حَتَّى تَأْتِيَ عُمَرَ غَدًا إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ . فَقَضَى سَعْدٌ حَاجَتَهَا وَأَكْرَمَهَا ، وَأَمَرَ بِرَدِّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا ، فَلَمَّا أَرَادَتِ الْقِيَامَ ، قَالَتْ لَهُ : يَا سَعْدُ ، لا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ إِلَى لَئِيمٍ حَاجَةً ، وَلا أَزَالَ عَنْ كَرِيمٍ نِعْمَةً ، وَلا نَزَعَ عَنَ عَبْدٍ صَالِحٍ نِعْمَةً ، إِلا جَعَلَ لَكَ سَبِيلًا إِلَى رَدِّهَا عَلَيْهِ . قَالَ : فَقَدِمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَحَدَّثَهُ مَا حَضَرَ مِنْ حُرَقَةَ . قَالَ : فَلَمَّا بَلَغَ مِنْ كَلامِهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ بَيْتٍ بِحِبْرَةٍ إِلا وَالدَّهْرُ مُعْقِبُهُمْ عَبْرَةً ، قَالَ : فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .