حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ، نا أَبُو بَكْرٍ الْعِجْلِيُّ ، نا أَبُو عُقَيْلٍ الدَّوْرَقِيُّ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أُعْطِيَ طُولَ عُمْرٍ ، وَكَثْرَةَ مَالٍ ، وَكَثْرَةَ أَوْلادٍ ، فَكَانَ أَوْلادُهُ إِذَا كَبُرَ أَحَدُهُمْ لَبِسَ ثِيَابَ الشَّعْرِ ، وَلَحِقَ بِالْجِبَالِ ، وَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرِ ، وَسَاحَ فِي الأَرْضِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ جَمَاعَتُهُمْ رَجُلٌ فَرَجُلٌ ، حَتَّى تَتَابَعَ بَنُوهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَصَابَ وَلَدًا بَعْدَ كِبَرٍ ، فَدَعَا قَوْمَهُ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ وَلَدًا بَعْدَمَا كَبُرْتُ ، وَتَرَوْنَ شَفَقَتِي عَلَيْكُمْ ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنَّ هَذَا يَتَّبِعُ سُنَّةَ إِخْوَتِهِ ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِي بَعْدِي أَنْ تَهْلِكُوا ، فَخُذُوهُ الآنَ فِي صِغَرِهِ ، فَحَبِّبُوا إِلَيْهِ الدُّنْيَا ، فَعَسَى أَنْ يَبْقَى بَعْدِي عَلَيْكُمْ ، فَبَنَوْا لَهُ حَائِطًا فَرْسَخًا فِي فَرْسَخٍ ، فَكَانَ فِيهِ دَهْرًا مِنْ دَهْرِهِ ، ثُمَّ رَكِبَ يَوْمًا ، فَإِذَا عَلَيْهِ حَائِطٌ مُصْمَتٌ ، فَقَالَ : إِنِّي أَحْسِبُ خَلْفَ هَذَا الْحَائِطِ نَاسًا وَعَالَمًا ، أَخْرِجُونِي ، أَزْدَدْ عِلْمًا وَأَلْقَ النَّاسَ ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ ، فَفَزِعَ وَخَشِيَ أَنْ يَتَّبِعَ سُنَّةَ إِخْوَتِهِ ، فَقَالَ : اجْمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ لَهْوٍ وَلَعِبٍ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ ، ثُمَّ رَكِبَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، فَقَالَ : لا بُدَّ مِنَ الْخُرُوجِ ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ ، فَقَالَ : أَخْرِجُوهُ ، فَجُعِلَ عَلَى عَجَلَةٍ وَكُلِّلَ بِالزَّبَرْجَدِ وَالذَّهَبِ ، وَصَارَ حَوْلَهُ حَافَّتَانِ مِنَ النَّاسِ ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُبْتَلًى ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : رَجُلٌ مُبْتَلًى ، فَقَالَ : أَيُصِيبُ نَاسًا دُونَ نَاسٍ ، أَوْ كُلٌّ خَائِفٌ لَهُ ؟ قَالُوا : كُلٌّ خَائِفٌ لَهُ ، قَالَ : وَأَنَا فِيمَا أَنَا فِيهِ مِنَ السُّلْطَانِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : أُفٍّ لِعَيْشِكُمْ ، هَذَا عَيْشُ كَدَرٍ ، فَرَجَعَ مَغْمُومًا مَحْزُونًا ، فَقِيلَ لِأَبِيهِ ، فَقَالَ : انْشُرُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ لَهْوٍ وَبَاطِلٍ ، حَتَّى تَنْزِعُوا مِنْ قَلْبِهِ هَذَا الْحُزْنَ وَالْغَمَّ . فَلَبِثَ حَوْلا ، ثُمَّ قَالَ : أَخْرِجُونِي ، فَأُخْرِجَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأَوَّلِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ هَرِمٍ ، قَدْ أَصَابَهُ الْهَرَمُ وَلُعَابُهُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا رَجُلٌ هَرِمٌ ، قَالَ : يُصِيبُ نَاسًا دُونَ نَاسٍ أَوْ كُلٌّ خَائِفٌ لَهُ إِنْ هُوَ عُمِّرَ ؟ قَالُوا : كُلٌّ خَائِفٌ لَهُ ، قَالَ : أُفٍّ لِعَيْشِكُمْ ، هَذَا عَيْشٌ لا يَصْفُو لِأَحَدٍ ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُوهُ ، فَقَالَ : احْشُرُوا عَلَيْهِ كُلّ لَهْوٍ وَبَاطِلٍ ، فَحَشَرُوا عَلَيْهِ ، فَمَكَثَ حَوْلا ، ثُمَّ رَكِبَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ ، إِذَا هُوَ بِسَرِيرٍ تَحْمِلُهُ الرِّجَالُ عَلَى عَوَاتِقِهَا ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : رَجُلٌ مَاتَ ، قَالَ لَهُمْ : وَمَا الْمَوْتُ ؟ ائْتُونِي بِهِ ، فَأَتَوْهُ بِهِ ، فَقَالَ : أَجْلِسُوهُ ، قَالُوا : إِنَّهُ لا يَجْلِسُ . قَالَ : كَلِّمُوهُ ، قَالُوا : إِنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ ، قَالَ : فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهِ ؟ قَالُوا : نَدْفِنُهُ تَحْتَ الثَّرَى ، قَالَ : فَيَكُونُ مَاذَا بَعْدَ هَذَا ؟ قَالُوا : الْحَشْرُ ، قَالَ لَهُمْ : وَمَا الْحَشْرُ ؟ قَالُوا : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَيَجْزِي كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ ، قَالَ : وَلَكُمْ دَارٌ غَيْرُ هَذِهِ تُجَازُونَ فِيهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَرَمَى بِنَفْسِهِ مِنَ الْفَرَسِ ، وَجَعَلَ يُعَفِّرُ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ ، وَقَالَ لَهُمْ : مِنْ هَذَا كُنْتُ أَخْشَى ، كَادَ لِهَذَا أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ وَلا أَعْلَمُ بِهِ ، أَمَا وَرَبِّ مَنْ يُعْطِي ، وَيَحْشُرُ ، وَيُجَازِي ، إِنَّ هَذَا آخِرُ الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، فَلا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيَّ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ ، فَقَالُوا : لا نَدَعُكَ حَتَّى نَرُدَّكَ إِلَى أَبِيكَ : فَرَدُّوهُ إِلَى أَبِيهِ ، وَكَادَ يَنْزِفُ دَمُهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا بُنَيَّ ! مَا هَذَا الْجَزَعُ ؟ قَالَ : جَزَعِي لِيَوْمٍ يُعْطَى فِيهِ الصَّغِيرُ ، وَالْكَبِيرُ مُجَازَاتَهُمَا ، مَا عَمِلا مِنَ الْخَيْرِ ، وَالشَّرِّ ، فَدَعَا بِثِيَابِ شَعْرٍ ، فَلَبِسَهَا ، وَقَالَ : إِنِّي عَازِمٌ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ أَخْرُجَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ خَرَجَ ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ مِنْ بَابِ الْقَصْرِ ، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَمْرًا لَيْسَ إِلَيَّ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ ، قَدْ سَبَقَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ ، إِلَهِي لَوَدِدْتُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ فِي الْمَاءِ ، وَأَنَّ الطِّينَ كَانَ فِي الطِّينِ ، وَلَمْ أَنْظُرْ بِعَيْنَيَّ إِلَى الدُّنْيَا نَظْرَةً وَاحِدَةً . قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : فَهَذَا رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ ذَنْبٍ ، لا يَعْلَمُ مَاذَا عَلَيْهِ فِيهِ ، فَكَيْفَ بِمَنْ يُذْنِبُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَا عَلَيْهِ فِيهِ ، وَلا يَتَحَرَّجُ ، وَلا يَجْزَعُ ، وَلا يَتُوبُ ؟ ! .