باب ذكر الاية الثالثة والعشرين من هذه السورة


تفسير

رقم الحديث : 109

قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَمَّادٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزّ وَجَلَّ : وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ سورة البقرة آية 221 , قَالَ : " هُمْ أَهْلُ الأَوْثَانِ " . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ الآيَةُ عَامَّةً يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ فَتَكُونُ الْمُشْرِكَاتُ هَاهُنَا هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَالْمَجُوسِ , فَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلَّتِي فِي الْمَائِدَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَوْلُهُ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَقُومُ بِهِمُ الْحُجَّةُ , لأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِتَحْلِيلِ نِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَطَلْحَةُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَجَابِرٌ ، وَحُذَيْفَةُ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَفُقَهَاءُ الأَمْصَارِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَيُمْنَعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ نَاسِخَةٌ لِلآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ لأَنَّ الْبَقَرَةَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَائِدَةَ , مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ , وَإِنَّمَا الآخِرُ يَنْسَخُ الأَوَّلَ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلا حُجَّةَ فِيهِ , لأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَجُلا مُتَوَقِّفًا , فَلَمَّا سَمِعَ الآيَتَيْنِ ، فِي وَاحِدَةٍ التَّحْلِيلُ وَفِي الأُخْرَى التَّحْرِيمُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ تَوَقَّفَ , وَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ ذِكْرُ النَّسْخِ وَإِنَّمَا تُئوِّلَ عَلَيْهِ , وَلَيْسَ يُؤْخَذُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ بِالتَّأْوِيلِ وَأَبْيَنُ مَا فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ , وَذَلِكَ أَنَّ الآيَةَ إِذَا كَانَتْ عَامَّةً لَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْخُصُوصِ إِلا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ لَا يُقَالُ لأَهْلِ الْكِتَابِ مُشْرِكُونَ , وَإِنَّمَا الْمُشْرِكُ مَنْ عَبَدَ وَثَنًا مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَشْرَكَ بِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَمِمَّنْ يُرْوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا سورة التوبة آية 28 أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ أَهْلُ الأَوْثَانِ وَأَنَّ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : " وَهَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَصًّا تُسَمِّيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالْمُشْرِكِينَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ سورة التوبة آية 31 فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ , فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَنْ قِيلَ لَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَمْ يُشْرِكُوا أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمًا إِسْلامِيًّا , وَلِهَذَا نَظَائِرُ قَدْ بَيَّنَهَا مَنْ يُحْسِنُ الْفِقْهَ وَاللُّغَةَ مِنْ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ أَصْلُهُ مِنْ آمَنَ إِذَا صَدَّقَ , ثُمَّ صَارَ لَا يُقَالُ مُؤْمِنٌ إِلا لِمَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَبِعَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَمِنَ الأَسْمَاءِ الإِسْلامِيَّةِ الْمُنَافِقُ , وَمِنْهَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْخَمْرُ سُمِّيَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ خَمْرًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْجَوَابُ الآخَرُ وَهُوَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ السُّدِّيِّ قَالَ : كُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُشْرِكٌ ، قَالَ : فَهَذَا مِنَ اللُّغَةِ , لأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْبَرَاهِينِ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِشْرٌ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مَا لَا يَأْتِي بِهِ إِلا اللَّهُ قَدْ جَاءَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَجَعَلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَرِيكًا . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا مِنْ لَطِيفِ الْعِلْمِ وَحُسْنِهِ فَأَمَّا نِكَاحُ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَحَرَامٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلا أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوهُ وَاحْتَجَّ لَهُمْ مُحْتَجٌّ بِشَيْءٍ قَاسَهُ قَالَ : لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ سورة البقرة آية 221 يَدْخُلُ فِيهِ الأَحْرَارُ وَالإِمَاءُ وَجَبَ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ سورة المائدة آية 5 دَاخِلا فِيهِ الْحَرَائِرُ وَالإِمَاءُ لِتَكُونَ النَاسِخَةُ مِثْلَ الْمَنْسُوخَةِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الاحْتِجَاجُ خَطَأٌ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى أَنَّ الآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ مَنْسُوخَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسَاتِ وَالتَّمْثِيلاتِ لَا يُؤْخَذُ بِهَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخِ بِالتَّيَقُّنِ وَالتَّوْقِيفِ , وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَصًّا وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ سورة النساء آية 25 فَكَيْفَ يُقْبَلُ مِمَّنْ قَالَ : مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْكَافِرَاتِ ؟ وَأَمَّا نِكَاحُ الْحَرْبِيَّاتِ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا مَنَعَا مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُ ذَلِكَ ، وَنَصُّ الآيَةِ يُوجِبُ جَوَازَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إِلَّا أَنَّهُمَا كَرِهَا ذَلِكَ مَخَافَةَ تَنْصِيرِ الْوَلَدِ أَوِ الْفِتْنَةِ , وَأَمَّا نِكَاحُ الإِمَاءِ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ فَالْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ

مجهول

Whoops, looks like something went wrong.