أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَبِيبٍ الصُّوفِيُّ ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي صَادِقٍ الْحَبِيرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَاكَوِيَةَ الشِّيرَازِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَهْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّاجِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الأسيدِيُّ ، عَنِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ : قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ لِضِرَارِ بْنِ حَمْزَةَ : صِفْ لِي عَلِيًّا ، فَقَالَ : أَوَتُعْفِينِي ؟ قَالَ : بَلْ تَصِفُهُ . فَقَالَ : أَوَتَعْفِينِي ؟ قَالَ : لا أُعْفِيكَ . فَقَالَ : أَمَا أَنْ لا بُدَّ فَإِنَّهُ كَانَ بَعِيدَ الْمَدَى شَدِيدَ الْقُوَى ، يَقُولُ فَصْلا وَيَحْكُمُ عَدْلا ، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ ، كَانَ - وَاللَّهِ - غَزِيرَ الدَّمْعَةِ طَوِيلَ الْفِكْرَةِ ، يَقْلِبُ كَفَّهُ وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ وَمِنَ الطَّعَامِ مَا جَشَبَ ، كَانَ - وَاللَّهِ - كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ وَيَبْتَدِئُنَا إِذَا أَتَيْنَاهُ ، وَيَأْتِينَا إِذَا دَعَوْنَاهُ ، وَنَحْنُ - وَاللَّهِ مَعَ تَقْرِيبِهِ لَنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ وَلا نَبْتَدِيهِ تَعْظِمَةً ، فَإِنْ تَبَسَّمَ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ ، لا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ ، وَلا يَيْئَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَرَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُجُوفَهُ وَغَارَتْ نُجُومُهُ ، وَقَدْ مَثُلَ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ وَكَأَنِّي أَسْمَعُهُ وَهُوَ يَقُولُ : يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا ، أَبِي تَعَرَضْتِ أَمْ بِي تَشَوَّفْتِ ؟ هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي ، قَدْ بَتَتْكِ ثَلاثًا لا رَجْعَةَ لِي فِيكِ ، فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ وَعَيْشُكِ حَقِيرٌ وَخَطَرُكِ كَبِيرٌ ، آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ السَّفَرِ وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ . قَالَ : فَذَرَفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ ، فَمَا يَمْلِكُهَا وَهُوَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ ، وَقَدِ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ ، ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ : رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ ! كَانَ - وَاللَّهِ - كَذَلِكَ ، فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهَ يَا ضِرَارُ ؟ قَالَ : حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حِجْرِهَا فَلا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا وَلا يَسْكُنُ حُزْنُهَا . .
الأسم | الشهرة | الرتبة |