قَالَ أَبُو الْعَرَبِ : حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ ، قَالا : حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ سَارَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ ، وَقَاتَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَرَجُلانِ مِنْ إِخْوَتِهِ ، وَمُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ ، وَكَانَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ قَدْ نَصَبَ الْمَجَانِيقَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَعَلَى قعيقعَانَ ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ، فَأَسْنَدَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَلْوَاحًا مِنَ السَّاجِ عَلَى الْبَيْتِ ، وَأَلْقَى عَلَيْهَا الْفُرُشَ وَالْقَطَائِفَ ، فَكَانَ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَجَرَ نَبَا عَنِ الْبَيْتِ ، وَكَانُوا يَطُوفُونَ تَحْتَ تِلْكَ الأَلْوَاحِ ، فَإِذَا سَمِعُوا صَوْتَ الْحَجَرِ حِينَ يَقَعُ عَلَى الْفُرُشِ وَالقْطَائِفِ كَبَّرُوا ، وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ يَوْمَئِذٍ فِي السَّمَاءِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَكُلَّمَا جُرِحَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَدْخَلَهُ ذَلِكَ الْفُسْطَاطَ ، وَكَانَ يَوْمًا شَدِيدَ الرِّيحِ ، فَوَقَعَتِ النَّارُ عَلَى الْكَعْبَةِ ، فَاحْتَرَقَ الْبَيْتُ وَالسَّقْفُ ، وَانْصَدَعَ الرُّكْنُ وَأُحْرِقَتِ الأَسْتَارُ وَتَسَاقَطَتْ عَلَى الأَرْضِ ، قَالَ : ثُمَّ أَقَامَ أَهْلُ الشَّامِ أَيَّامًا بَعْدَ حَرِيقِ الْكَعْبَةِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : قَالَ حَجَّاجٌ : حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا قِتَالَ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : غَلَبَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ عَلَى مَكَّةَ كُلِّهَا إِلا الْحِجْرَ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنِّي لَجَالِسٌ مَعَهُ ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْقُرَشِيِّينَ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ ، وَالْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، قَالَ : فَقَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ : وَهَبَّتْ رُوَيْحَةٌ : وَاللَّهِ ، إِنِّي لأَرَى فِي هَذِهِ الرُّوَيْحَةِ النَّصْرَ فَاحْمِلُوا ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ مِنْ مَكَّةَ ، وَقَتَلَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ رَجُلا ، وَقَتَل ابْنُ الزُّبَيْرِ رَجُلا ، وَقَتَلَ ابْنُ مُطِيعٍ رَجُلا ، وَكَانَ بَيْنَ مَوْتِ يَزِيدَ وَبَيْنَ حَرِيقِ الْكَعْبَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً ، أُحْرِقَتِ الْكَعْبَةُ قَبْلَ مَوْتِ يَزِيدَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً ، فَمَالَ الْحُصَيْنُ وَأْصَحابُهُ إِلَى الشَّامِ رِسْلا حَتَّى قَدِمُوا الشَّامَ ، فَلَمَّا قَدِمُوا وَجَدُوا مُعَاوِيَةَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا ، وَقَالَ : لا أَتَحَمَّلُهَا لَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا . قَالَ : وَبَايَعَ أَهْلُ الشَّامِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا بَايَعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ ، إِلا أَهْلَ الأُرْدُنِّ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُبَايِعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْمُحَارِبِيَّ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لِلضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ : أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ مُؤَيِّدًا لابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنْتَ أَكْبَرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا ، تَعَالَ نُبَايِعْكَ ، فَخَرَجَ بِهِ إِلَى مَرْجِ رَاهِطٍ ، فَلَمَّا دَعَاهُ لِلْبَيْعَةِ اقْتَتَلُوا ، فَقَتَلُوا الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ وَبُويِعَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ أَحَدًا إِلا خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ وَلِيَّكَ ، إِنْ تَزَوَّجْتَ أُمَّهُ كَسَرْتَهُ ، وَأُمُّهُ ابْنَةُ أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، فَتَزَوَّجَهَا مَرْوَانُ فَأَقَامَ بِالشَّامِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مِصْرَ ، فَقَالَ لِخَالِدٍ : أَعِرْنِي سِلاحًا إِنْ كَانَ عِنْدَكَ ، قَالَ : فَأَعَارَهُ سِلاحًا وَخَرَجَ إِلَى مِصْرَ ، فَقَاتَلَ أَهْلَ مِصْرَ وَسَبَى نَاسًا ، فَافْتَدَوْا مِنْهُ ، ثُمَّ قَدِمَ الشَّامَ ، فَقَالَ لَهُ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ : رُدَّ عَلَيَّ سِلاحِي فَأَبَى عَلَيْهِ ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ ، وَكَانَ فَاحِشًا : يَابْنَ كَذَا ، يَا أَهْلَ الشَّامِ ، إِنَّ أُمَّ هَذَا كَذَا . فَجَاءَ ابْنُهَا إِلَى أُمِّهِ ، فَقَالَ : هَذَا مَا صَنَعْتِ بِي يَسُبُّنِي عَلَى رُءُوسِ أَهْلِ الشَّامِ ، وَقَالَ : إِنَّ هَذَا ابْنُ كَذَا . فَلَبِثَ مَرْوَانُ لَيَالِيَ بَعْدَمَا قَالَ لِخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ مَا قَالَ ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى أُمِّ خَالِدٍ فَرَقَدَ عِنْدَهَا ، فَأَمَرَتْ جَوَارِيهَا فَطَرَحْنَ عَلَيْهِ الشَّوَارِكَ ثُمَّ غَطَّيْنَهُ حَتَّى قَتَلْنَهُ ، ثُمَّ خَرَجْنَ يَصِحْنُ وَيُشَقِّقْنَ ثِيَابَهُنَّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَبَايَعَ لِنَفْسِهِ ، وَوَعَدَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ ، فَبَايَعَهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَرَادَ السَّيْرَ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَكَتَبُوا إِلَيْهِ : أَنْ سِرْ إِلَيْنَا ، لَمَّا مَنَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رُؤَسَاءَهُمْ أَنْ يُعْطِيَهُمُ الْمَالَ ، فَلَمَّا خَرَجَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ دِمْشَقَ أَغْلَقَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ بَابَ دِمَشْقَ ، فَقِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ : مَا تَصْنَعُ ؟ أَتَذْهَبُ إِلَى الْعِرَاقِ وَتَدَعُ دِمَشْقَ ؟ أَهْلُ الشَّامِ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَرَجَعَ مَكَانَهُ فَحَاصَرَ دِمَشْقَ حَتَّى صَالَحَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ ، وَكَانَ بَيْتُ الْمَالِ فِي يَدِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ ، فَقَالَ لَهُ أَنْ أَخْرِجَ لِلْحَرَسِ أَرْزَاقَهُمْ ، فَقَالَ : إِنْ كَانَ لَكَ حَرَسٌ فَإِنَّ لَنَا حَرَسًا ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : أَخْرِجْ لِحَرَسِكَ أَرْزَاقَهُمْ أَيْضًا . حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ نِصْفَ النَّهَارِ : أَنْ آتِنِي أَبَا أُمَيَّةَ ، أُدَبِّرُ مَعَكَ أَمْرًا ، قَالَ : فَخَرَجَ لِيَأْتِيَهُ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : أَبَا أُمَيَّةَ لا تَذْهَبْ إِلَيْهِ ، فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ عَلْيَك مِنْهُ ، فَقَالَ : أَبُو خَنَّانَ ، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ نَائِمًا مَا أَيْقَظَنِي ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ إِنِّي أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ مِنْهُ وَإِنَيِّ لأَجِدُ رِيحَ دَمٍ مَسْفُوحٍ . قَالَ : فَمَا زَالَتْ بِهِ حَتَّى ضَرَبَهَا بِقَائِمِ سَيْفِهِ فَشَجَّهَا ، فَتَرَكَتْهُ وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ آلافِ رَجُلٍ مِنْ أَبْطَالِ الشَّامِ الَّذِينَ لا يُقْدَرُ عَلَى مِثْلِهِمْ ، مُسَلَّحِينَ ، فَأَحْدَقُوا بِحِصْنِ دِمَشْقَ وَفِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ ، ثُمَّ قَالُوا لِعَمْرٍو : أَبَا أُمَيَّةَ ، إِنْ رَابَكَ شَيْءٌ فَأَسْمِعْنَا صَوْتَكَ ، قَالَ : فَدَخَل فَدَخَلُوا وَجَعَلُوا يَصِيحُونَ : أَبَا أُمَيَّةَ أَسْمِعْنَا صَوْتَكَ ، وَكَانَ مَعَهُ غُلامٌ شُجَاعٌ ، فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ إِلَى النَّاسِ ، فَقُلْ لَهُمْ لَيْسَ عَلَيَّ بَأْسٌ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : أَمَكْرًا عِنْدَ الْمَوْتِ أَبَا أُمَيَّةَ خُذُوهُ ، فَأَخَذُوهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَقْسَمَ لَيَجْعَلَنَّ فِي عُنُقِكَ جَامِعَةً ، قَالَ : فَطَرَحَ فِي رَقَبَتِهِ جَامِعَةً ، ثُمَّ نَتَرَهُ إِلَى الأَرْضِ نَتْرَةً فَكُسِرَتْ ثَنِيَّتُهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ عَمْرٌو : وَلا عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، عَظْمٌ انْكَسَرَ ، قَالَ : فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاةِ الظُّهْرِ ، فَقَالُوا : الصَّلاةَ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّلاةَ ، فَقَالَ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ : اقْتُلْهُ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنَ الصَّلاةِ ، فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ ، قَالَ لَهُ عَمْرٌو : نَاشَدْتُكَ بِمَسْكِ الرَّحِمِ أَنْ تَقْتُلَنِي بَيْنَهُمْ يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ ، فَتَرَكَهُ ، فَجَاءَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَرَآهُ جَالِسًا ، فَقَالَ : لِمَ لَمْ تَقْتُلْهُ ؟ لَعَنَكَ اللَّهُ وَلَعَنَ أُمَّ وَلَدَيْكَ ، فَقَالَ : إِنَّهُ أنْشدَ بِمَسْكِ الرَّحِمِ ، فَأَمَرَ رَجُلا عِنْدَهُ يُقَالُ لَهُ : ابْنُ الزُّوَيْزِعِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ ، ثُمَّ أَدْرَجَهُ فِي بِسَاطٍ ثُمَّ أَدْخَلَهُ تَحْتَ السَّرِيرِ ، قَالَ : فَدَخَلَ قُبَيْصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيُّ ، فَقَالَ : كَيْفَ رَأْيُكَ فِي عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : وَأَبْصَرَ قُبَيْصَةُ رِجْلَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ ، فَقَالَ : اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمُوَفَّقٌ ، فَقَالَ قُبَيْصَةُ : اطْرَحْ رَأْسَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِمْ ، وَانْثُرِ الدَّرَاهِمَ عَلَيْهِمْ ، يَتَشَاغَلُوا بِهَا ، قَالَ : فَفَعَلَ . فَلَمَّا قَرَّتِ الْبَيْعَةُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ ، أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، فَجَعَلَ يَسْتَنْفِرُ أَهْلَ الشَّامِ فَيُبْطِئُونَ عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ : سَلِّطْنِي عَلَيْهِمْ ، فَوَاللَّهِ لأُخْرِجَنَّهُمْ ، قَالَ : فَاذْهَبْ فَقَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : فَكَانَ لا يَمُرُّ عَلَى بَابِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ تَخَلَّفَ عَنِ الْخُرُوجِ إِلا حَرَّقَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ خَرَجُوا ، فَأَصَابَهُمْ فِي ذَلِكَ غَلاءٌ مِنَ الأَسْعَارِ وَشِدَّةٌ مِنَ الْحَالِ . قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ : وَسَارَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِأَهْلِ الشَّامِ ، وَمَعَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ حَتَّى انْتَهَى أَهْلُ الشَّامِ إِلَى الْكُوفَةِ ، وَمُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِالْبَصْرَةِ ، وَالْكُوفَةُ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَى نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَدْعُوهُمْ إِلَى نَفْسِهِ ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ أَمْوالا وَأَشْيَاءَ ، وَكَتَبَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ يَجْعَلُ لَهُ مِثْلَ مَا يَجْعَلُ لأَصْحَابِهِ ، عَلَى أَنْ يَخْلَعُوا مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِمُصْعَبٍ : إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَيَّ هَذَا الْكِتَابَ ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَى أَصْحَابِي فُلانَ وَفُلانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَادْعُ بِهِمُ السَّاعَةَ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ . قَالَ : مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ حَتَّى يَسْتَبِينَ لِي أَمْرُهُمْ ، قَالَ : أُخْرَى ، قَالَ : مَا هِيَ ؟ قَالَ : احْبِسْهُمْ فِي الْحَبْسِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ ذَلِكَ ، قَالَ : مَا كُنْتُ لأَحْبِسَهُمْ فِي السِّجْنِ ، قَالَ : عَلَيْكَ السَّلامُ ، لا تَرَانِي وَاللَّهِ بَعْدَ مَجْلِسِكَ هَذَا أَبَدًا ، قَالَ : فَمَا هُوَ إِلا أَنِ الْتَقَوْا فَحَوَّلُوا أَتْرِسَتَهُمْ وَمَالُوا إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَبَقِيَ مُصْعَبٌ فِي شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ ، فَجَاءَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ ظَبْيَانَ ، فَقَالَ : أَيْنَ النَّاسُ أَيُّهَا الأَمِيرُ ؟ فَقَالَ : غَدْرَكُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ، فَرَفَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ السَّيْفَ لِيَضْرِبَ مُصْعَبًا ، فَبَادَرَهُ مُصْعَبٌ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى الْبَيْضَةِ وَنَشَبَ سَيْفَهُ فِي الْبَيْضَةِ ، قَالَ : فَجَعَلَ مُصْعَبٌ يَلْغَبُ السَّيْفَ بِيَدِهِ فَلا يَنْتَزِعُ مِنَ الْبَيْضَةِ ، فَخَلا غُلامٌ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ظَبْيَانَ فَضَرَبَ مُصْعَبًا بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ جَاءَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِرَأْسِهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يَدَّعِي أَنَّهُ قَتَلَهُ ، فَطَرَحَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ ، وَقَالَ : نُطِيعُ مُلُوكَ الأَرْضِ مَا أَقْسَطُوا لَنَا وَلَيْسَ عَلَيْنَا قَتْلُهُمْ بِمُحَرَّمِ قَالَ : وَوَقَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ سَاجِدًا ، قَالَ : فَتَحَامَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى رَكَائِبِهِ لِيَضْرِبَ عَبْدَ الْمَلِكِ بِالسَّيْفِ ، فَرَفَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَأْسَهُ ، وَقَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا مِنَّتُكَ لأَلْحَقْتُكَ بِرَأْسِهِ . قَالَ : فَلَمَّا بَايَعَهُ النَّاسُ وَدَخَلَ الْكُوفَةَ ، قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أَسْلُخُ ابْنَ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : اخْرُجْ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَخَرَجَ الْحَجَّاجُ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةِ رَجُلٍ حَتَّى نَزَلَ الطَّائِفَ ، وَجَعَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُرْسِلُ إِلَيْهِ الْجُيُوشَ رِسْلا حَتَّى تَتَامَّ مِنَ النَّاسِ إِلَيْهِ قَدْرُ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَقْوَى عَلَى قَتْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ ، فَسَارَ الْحَجَّاجُ مِنَ الطَّائِفِ حَتَّى نَزَلَ مِنًى ، فَحَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ اثْنَتْيَنِ وَسَبْعِينَ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ مَحْصُورٌ ، ثُمَّ نَصَبَ الْحَجَّاجُ الْمِنْجَنِيقَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنَوَاحِي مَكَّةَ كُلِّهَا ، فَرَمَى أَهْلَ مَكَّةَ بِالْحِجَارَةِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي صَبِيحَتِهَا ، جَمَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيِّينَ ، فَقَالَ : مَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٌ ، مِنْ آلِ رَبِيعَةَ : وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْنَا مَعَكَ حَتَّى مَا نَجِدُ مُقَاتِلا ، وَاللَّهِ لَئِنْ شَتَوْنَا مَعَكَ مَا نَزِيدُ عَلَى أَنْ نَمُوتَ مَعَكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ أَحَدُ خَصْلَتَيْنِ ، إِمَّا أَنْ تَأْذَنَ لَنَا فَنَأْخُذَ الأَمَانَ لأَنْفُسِنَا وَلَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنَ لَنَا فَنَخْرُجَ . قَالَ : فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : قَدْ كُنْتُ عَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لا يُبَايِعَنِي أَحَدٌ فَأُقِيلَهُ بَيْعَتَهُ إِلا ابْنَ صَفْوَانَ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ صَفْوَانَ : إِنَّا لَنُقَاتِلُ مَعَكَ وَمَا وَفَيْتَ بِمَا قُلْتَ ، وَلَكِنَّ الْحَفِيظَةَ تَمْنَعُنِي أَنْ أَنْزِعَ عَنْكَ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى أَمُوتَ مَعَكَ . قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : اكْتُبْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ . فَقَالَ : كَيْفَ أَكْتُبُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، وَاللَّهِ لا يَقْبَلُ هَذَا أَبَدًا ، أَوْ أَكْتُبُ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ تَقَعُ الْخَضْرَاءُ عَلَى الْغَبْرَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ أُسْوَةً ، قَالَ : فَمَا هُوَ ؟ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ خَلَعَ نَفْسَهُ وَبَايَعَ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : فَرَفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رِجْلَهُ فَضَرَبَ عُرْوَةَ حَتَّى أَلْقَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عُرْوَةُ ، قَلْبِي إِذًا مِثْلُ قَلْبِكَ ، وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُ مَا تَقُولُ مَا عِشْتُ إِلا قَلِيلا ، وَمَا ضَرْبَهُ سَيْفٌ إِلا مِثْلُ مَا ضَرَبَهُ سَوْطٌ ، لا أَقْبَلُ شَيْئًا مِمَّا تَقُولُونَ ، قَالَ : فَلَمَّا أَصْبَحَ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ أُمُّ هَاشِمٍ بِنْتُ مَظْعُونِ بْنِ سَيَّارٍ الْفَزارِيَّةُ ، فَقَالَ لَهَا : اصْنَعِي لَنَا طَعَامًا ، قَالَ : فَصَنَعَتْ لَهُ كَبِدًا وَسَنَامًا ، قَالَ : فَأَخَذَ مِنْهَا لُقْمَةً فَلاكَهَا سَاعَةً فَلَمْ يَسِغْهَا ، فَرَمَى بِهَا ، وَقَالَ : اسْقُونِي لَبَنًا ، فَأُتِيَ بِلَبَنٍ فَشِرَب ، ثُمَّ قَالَ : صُبُّوا لِي غُسْلا ، قَالَ : فَاغْتَسَلَ ثُمَّ تَحَنَّطَ ثُمَّ تَقَلَّدَ سَيْفَهُ ثُمَّ خَرَجَ ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّهِ وَهِيَ عَمْيَاءُ قَدْ بَلَغَتْ مِائَةَ سَنَةٍ ، فَقَالَ : يَا أُمَّاهُ مَا تَرَيْنَ ؟ قَدْ خَذَلَنِي النَّاسُ ، وَخَذَلَنِي بَنُو أَبِي ، فَقَالَتْ : لا يَتَلاعَبَنَّ بِكَ صِبْيَانُ مَكَّةَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ، عِشْ كَرِيمًا وَمِتْ كَرِيمًا . فَخَرَجَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ يَسِيرٌ ، فَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ فَيَهْزِمُهُمْ ، وَيَقُولُ : وَيْلُ أُمِّهِ ، قُبْحًا لَهُمْ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ ، قَالَ : فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ يُنَادِيهِ مِنْ فَوْقُ : قَدْ كَانَ لَكَ رِجَالٌ وَلَكِنْ ضَيَّعْتَهُمْ . قَالَ : ثُمَّ جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الأَبْوَابِ ، وَيَقُولُ : مَنْ هَؤُلاءِ ، وَيَحْمِلُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلا أَسْوَدَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، يُقَالُ لَهُ خليوبُ قَالَ لأَصْحَابِهِ : أَلا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَأْخُذُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ إِذًا وَلا بِأَيْدِيكُمْ ، قَالَ : فَحَمَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ : وَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا وَلَكِنْ عَلَى أْقَدامِنَا تَقْطُرُ الدِّمَا قَالَ : فَأَتَاهُ خليوبُ لِيَأْخُذَهُ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَضِنَهُ ، قَالَ : فَضَرَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا فَقَطَعَهُمَا ، قَالَ : فَقَالَ خليوبُ : حَسْ ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : اصْبِرْ خليوبُ ، قَالَ : فَجَاءَ حَجَرٌ مِنْ حِجَارَةِ الْمِنْجَنِيقِ وَهُوَ يَمْشِي فَأَصَابَ قَفَاهُ فَسَقَطَ ، فَمَا دَرَى أَهْلُ الشَّامِ أَنَّهُ هُوَ حَتَّى سُمِعَ جَارِيَةٌ تَبْكِي : وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَاهْ ، فَحَزُّوا رَأْسَهُ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ . وَقُتِلَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ ، وَعُمَارَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
أَبِي مَعْشَرٍ | نجيح بن عبد الرحمن السندي / توفي في :170 | ضعيف أسن واختلط |
حَجَّاجٌ | الحجاج بن محمد المصيصي | ثقة ثبت |
أَبُو عُبَيْدٍ | القاسم بن سلام الهروي / ولد في :157 / توفي في :224 | ثقة مأمون |
ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ | علي بن عبد العزيز البغوي / توفي في :286 | ثقة |
وَمُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ | محمد بن أسامة الرقي | مجهول الحال |
أَبُو يُوسُفَ | محمد بن أحمد الرقي / توفي في :246 | ثقة حافظ |