حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ نَصْرٍ ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ ، ثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ ، عَنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَدِمَ مَعَ مُعَاذٍ مِنَ الْيَمَنِ فَمَكَثَ مَعَهُ فِي دَارِهِ وَفِي مَنْزِلِهِ ، فَأَصَابَهُمُ الطَّاعُونُ ، فَطُعِنَ مُعَاذٌ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ ، وَأَبُو مَالِكٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ حَسَّ بِالطَّاعُونِ فَرَّ ، وَفَرِقَ فَرَقًا شَدِيدًا ، وَقَالَ : يَأَيُّهَا النَّاسُ : تَفَرَّقُوا ، فِي هَذِهِ الشِّعَابِ , فَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ ، لا أَرَاهُ إِلا رِجْزٌ ، وَطَاعُونٌ ، فَقَالَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ : كَذَبْتَ ، قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِكَ ، فَقَالَ عَمْرٌو : صَدَقْتَ ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : كَذَبْتَ ، لَيْسَ بِالطَّاعُونِ وَلا الرِّجْزِ ، وَلَكِنَّهَا رَحْمَةُ رَبِّكُمْ ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْضُ الصَّالِحِينَ ، اللَّهُمَّ ، فَآتِ آلَ مُعَاذٍ النَّصِيبَ الأَوْفَرَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ ، قَالَ : فَمَا أَمْسَى حَتَّى طُعِنَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَإِنَّهُ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ ، الَّذِي كَانَ يُكْنَى بِهِ ، فَرَجَعَ مُعَاذٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَوَجَدَهُ مَكْرُوبًا ، فَقَالَ ، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ! كَيْفَ أَنْتَ ؟ فَاسْتَجَابَ لَهُ ، فَقَالَ : الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ سورة البقرة آية 147 فَقَالَ مُعَاذٌ : " وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ ، وَدَفَنَهُ مِنَ الْغَدِ ، فَجَعَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُرْسِلُ الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ هُوَ ؟ فَأَرَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ ، طَعْنَةً بِكَفِّهِ ، فَبَكَى الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ ، وَفَرِقَ مِنْهَا ، حِينَ رَآهَا ، فَأَقْسَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِاللَّهِ مَا يُحِبُّ أَنَّ لَهُ مَكَانَهَا حُمُرَ النَّعَمِ ، قَالَ : فَرَجَعَ الْحَارِثُ إِلَى مُعَاذٍ ، فَوَجَدَهُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، فَبَكَى الْحَارِثُ وَاسْتَبْكَى ، ثُمَّ إِنَّ مُعَاذًا أَفَاقَ ، فَقَالَ : يَابْنَ الْحِمْيَرِيَّةِ لِمَ تَبْكِي عَلَيَّ ؟ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، فَقَالَ الْحَارِثُ : وَاللَّهِ ، مَا عَلَيْكَ أَبْكِي ، فَقَالَ مُعَاذٌ : فَعَلَى مَا تَبْكِي ؟ قَالَ : أَبْكِي عَلَى مَا فَاتَنِي مِنْكَ ، الْعَصْرَيْنِ ، الْغُدُّوِّ ، وَالرَّوَاحِ ، فَقَالَ مُعَاذٌ : أَجْلِسْنِي ، فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ ، فَقَالَ : اسْمَعْ مِنِّي ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ ، إِنَّ الَّذِي تَبْكِي عَلَيَّ ، مِنْ غُدُوِّكَ ، وَرَوَاحِكَ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ مَكَانَهُ بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ ، فَإِنْ أَعْيَا عَلَيْكَ تَفْسِيرُهُ ، فَاطْلُبْهُ بَعْدِي عِنْدَ ثَلاثَةٍ ، عُوَيْمِرٌ أَبُو الدَّرْدَاءِ ، أَوْ عِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، أَوْ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ ، وَأُحَذِّرُكَ زَلَّةَ الْعَالِمِ ، وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ ، ثُمَّ إِنَّ مُعَاذًا اشْتَدَّ بِهِ النَّزْعُ ، نَزْعُ الْمَوْتِ ، فَنَزَعَ نَزْعًا ، لَمْ يَنْزِعْهُ أَحَدٌ ، فَكَانَ كُلَّمَا أَفَاقَ مِنْ غَمْرَةٍ فَتَحَ طَرْفَهُ ، فَقَالَ : اخْنُقْنِي خَنْقَكَ ، فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ ، قَالَ : فَلَمَّا قَضَى نَحْبَهُ ، انْطَلَقَ الْحَارِثُ ، حَتَّى أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ ، بِحِمْصَ ، فَمَكَثَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ قَالَ الْحَارِثُ : أَخِي مُعَاذٌ أَوْصَانِي بِكَ ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، وَبِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ ، وَلا أَرَانِي إِلا مُنْطَلِقًا إِلَى الْعِرَاقِ ، فَقَدِمَ الْكُوفَةَ ، فَجَعَلَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ ذَاتَ يَوْمٍ ، قَالَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ : مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : امْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، قَالَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ : نِعْمَ الْحَيُّ أَهْلُ الشَّامِ ، لَوْلا وَاحِدَةٌ ، قَالَ الْحَارِثُ : وَمَا تِلْكَ الْوَاحِدَةُ ، قَالَ : لَوْلا أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، قَالَ : فَاسْتَرْجَعَ الْحَارِثُ ، مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاثًا ، قَالَ : صَدَقَ مُعَاذٌ فِيمَا قَالَ لِي ، فَقَالَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ : مَا قَالَ لَكَ يَابْنَ أَخِي ! قَالَ : حَذَّرُونِي زَلَّةَ الْعَالِمِ ، وَاللَّهِ مَا أَنْتَ ابْنُ مَسْعُودٍ ! إِلا أَحَدُ رَجُلَيْنِ ، إِمَّا رَجُلٌ أَصْبَحَ عَلَى يَقِينٍ ، يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، أَوْ رَجُلٌ مُرْتَابٌ ، لا تَدْرِي أَيْنَ مَنْزِلَتُكَ ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : صَدَقَ أَخِي ، إِنَّهَا زَلَّةٌ ، فَلا تُؤَاخِذْنِي بِهَا ، فَأَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَدِ الْحَارِثِ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رحْلَةٍ ، فَمَكَثَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ الْحَارِثُ : لا بُدَّ لِي أَنْ أُطَالِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ بِالْمَدَائِنِ ، فَانْطَلَقَ الْحَارِثُ ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى سَلْمَانَ بِالْمَدَائِنِ فَلَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ : مَكَانَكَ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ ، قَالَ الْحَارِثُ : وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ تَعْرِفُنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ! قَالَ : بَلَى ، عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ ، قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَكَ ، إِنَّ الأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ اخْتَلَفَ ، فَمَكَثَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّامِ ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَارَفُونَ فِي اللَّهِ ، وَيزَاورُونَ فِي اللَّهِ . .
الأسم | الشهرة | الرتبة |