نا ابْنُ الْعَوَّامِ ، نا أَبِي أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ ، نا كَثِيرُ بْنُ مَرْوَانَ الْفِلَسْطِينِيُّ ، قَالَ : سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ بُرْقَانَ عَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ ، وَطَلْحَةَ ، وَالزُّبَيْرِ ، وَمُعَاوِيَةَ ، وَعَنْ قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ : قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَايَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ أَبَا بَكْرٍ ، وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ ، وَلا اضْطِهَادٍ ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ ، وَاسْتَأْمَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ ، فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُونَ وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ ، وَلا اضْطِهَادٍ ، فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرَ الْمَوْتُ جَعَلَ الأَمْرَ إِلَى شُورَى سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، وَالْحَوَارِيِّينَ وَلَمْ يَأْلُ النَّصِيحَةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَهَدَهُ ، وَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْهُمْ رَجُلا ، فَلا تَكُنْ إِسَاءَةٌ ، إِلا لَحِقَتْ عُمَرَ فِي قَبْرِهِ ، فَاخْتَارَ أَهْلُ الشُّورَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُونَ ، وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ وَلا اضْطِهَادٍ ، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقِّيَّانِ : قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ مُسْتَقِيمِينَ ، كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، وَدَعْوَاهُمْ جَمَاعَةٌ ، حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، قَالَ كَثِيرُ بْنُ مَرْوَانَ : فَقُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ : فَمَا الَّذِي نَقَمُوا عَلَى عُثْمَانَ ؟ قَالَ جَعْفَرٌ : قَالَ مَيْمُونٌ : إِنَّ أُنَاسًا أَنْكَرُوا عَلَى عُثْمَانَ جَاءُوا بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَمْرًا هُمْ فِيهِ كَذَبَةٌ ، وَإِنَّهُمْ عَاتَبُوهُ فَكَانَ فِيمَا عَاتَبُوهُ أَنَّهُ وَلَّى رِجَالا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَرْضَاهُمْ ، وَعَزَلَ مَنْ كَرِهُوا وَاسْتَعْمَلَ مَنْ أَرَادُوا ، ثُمَّ إِنَّ فُسَّاقًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، وَسُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ دَعَاهُمْ أَشْقَاهُمْ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ ، وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُ مُصْحَفٌ يَتْلُو فِيهِ كِتَابَ اللَّهِ ، وَمَعَهُمُ السِّلاحُ ، فَقَتَلُوهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، وَإِنَّ النَّاسَ افْتَرَقُوا عَلَى قَتْلِهِ عَلَى أَرْبَعِ فِرَقٍ ، ثُمَّ فَصَلَ مِنْهُمْ صِنْفٌ آخَرُ ، فَصَارُوا خَمْسَةَ أَصْنَافٍ : شِيعَةُ عُثْمَانَ ، وَشِيعَةُ عَلِيٍّ ، وَالْمُرْجِئَةُ ، وَمَنْ لَزِمَ الْجَمَاعَةَ ، ثُمَّ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ بَعْدُ حَيْثُ حَكَّمَ عَلِيٌّ الْحَكَمَيْنِ ، فَصَارُوا خَمْسَةَ أَصْنَافٍ : فَأَمَّا شِيعَةُ عُثْمَانَ ، فَأَهْلُ الشَّامِ ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ ، قَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ : لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ ؛ لأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشُّورَى ، وَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ : لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ مِنْ أُسْرَةِ عُثْمَانَ وَقَرَابَتِهِ وَلا أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ يَعْنُونَ مُعَاوِيَةَ ، وَأَنَّهُمْ جَمِيعًا بَرِئُوا مِنْ عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ ، وَأَمَّا شِيعَةُ عَلِيٍّ فَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَهُمُ الشُّكَّاكُ الَّذِينَ شَكُّوا ، وَكَانُوا فِي الْمَغَازِي ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ ، وَكَانَ عَهْدُهُمْ بِالنَّاسِ ، وَأَمْرُهُمْ وَاحِدٌ لَيْسَ فِيهِمُ اخْتِلافٌ ، فَقَالُوا : تَرَكْنَاكُمْ ، وَأَمْرُكُمْ وَاحِدٌ لَيْسَ فِيكُمُ اخْتِلافٌ ، وَقَدِمْنَا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مُخْتَلِفُونَ ، فَبَعْضُكُمْ يَقُولُ : قُتِلَ عُثْمَانُ مَظْلُومًا ، وَكَانَ أَوْلَى بِالْعَدْلِ وَأَصْحَابُهُ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : كَانَ عَلِيٌّ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَأَصْحَابُهُ ، كُلُّهُمْ ثِقَةٌ وَعِنْدَنَا مُصَدَّقٌ ، فَنَحْنُ لا نَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا ، وَلا نَلْعَنُهُمَا ، وَلا نَشْهَدُ عَلَيْهِمَا وَنُرْجِئُ أَمْرَهُمَا إِلَى اللَّهِ ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا ، وَأَمَّا مَنْ لَزِمَ الْجَمَاعَةَ ، فَمِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَحَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةِ آلافٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، قَالُوا جَمِيعًا : نَتَوَلَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا ، وَلا نَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا ، وَنَشْهَدُ عَلَيْهِمَا ، وَعَلَى شِيعَتِهِمَا بِالإِيمَانِ فَنَرْجُو لَهُمْ وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الصِّنْفُ الْخَامِسُ : فَهُوَ الْحَرُورِيَّةُ ، قَالُوا : نَشْهَدُ عَلَى الْمُرْجِئَةِ بِالصَّوَابِ ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ حَيْثُ ، قَالُوا : لا نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَلا عُثْمَانَ ، ثُمَّ كَفَرُوا بَعْدُ حَيْثُ لَمْ يَتَبَرَّءُوا ، وَنَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْكُفْرِ ، قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا وَقَعَ الاخْتِلافُ ، وَقَدْ بَلَغُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ صِنْفًا ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ وَمَذَلَّةٍ ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ دَعَوْا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْخُرُوجِ مَنهُمْ ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ سَعْدٌ ، وَقَالَ : لا ، إِلا أَنْ تُعْطُونِي سَيْفًا لَهُ عَيْنَانِ بَصِيرَتَانِ ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِالْكَافِرِ ، فَأَقْتُلُهُ ، وَبِالْمُؤْمِنِ فَأَكُفُّ عَنْهُ ، وَضَرَبَ لَهُمْ سَعْدٌ مَثَلا ، فَقَالَ : مَثَلُنَا وَمَثَلُكُمْ قَوْمٌ كَانُوا عَلَى مَحَجَّةٍ ، وَالْمَحَجَّةُ الْبَيْضَاءُ الْوَاضِحَةُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَسِيرُونَ هَاجَتْ رِيحٌ عَجَاجَةٌ ، فَضَلُّوا الطَّرِيقُ ، وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ : الطَّرِيقُ ذَاتَ الْيَمِينِ ، فَأَخَذُوا فِيهِ ، فَتَاهُوا فَضَلُّوا ، وَقَالَ الآخَرُونَ : الطَّرِيقُ ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَخَذُوا فِيهِ ، فَتَاهُوا ، فَضَلُّوا ، وَقَالَ الآخَرُونَ : كُنَّا عَلَى الطَّرِيقِ حَيْثُ هَاجَتِ الرِّيحُ ، فَنِيخَ ، فَأَنَاخُوا ، وَأَصْبَحُوا ، وَذَهَبَتِ الرِّيحُ وَتَبَيَّنَ الطَّرِيقُ ، فَهَؤُلاءِ هُمْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ ، قَالُوا : نَلْزَمُ مَا فَارَقْنَا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى نَلْقَاهُ ، وَلا نَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفِتَنِ ، حَتَّى نَلْقَاهُ ، فَصَارَتِ الْجَمَاعَةُ وَالْفِئَةُ الَّتِي تُدْعَى فِئَةَ الإِسْلامِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْفِتَنَ ، حَتَّى أَذْهَبَ اللَّهُ الْفُرْقَةَ ، وَجَمَعَ الأُلْفَةَ ، فَدَخَلُوا الْجَمَاعَةَ ، وَلَزِمُوا الطَّاعَةَ ، وَانْقَادُوا لَهَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ نَجَا ، وَمَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ وَشَكَّ فِيهِ وَقَعَ فِي الْمَهَالِكِ " .