حَدَّثَنِي ابن قُدَيد ، عَن ابن عثمان ، قَالَ : " فأَمر قَوْصَرة بحبس ابن أَبِي الليث ، وولده ، وأصحابه ، وأعوانه ، فاستُقصيت أموالهم كلهم ، ووثب أهل مِصر عَلَى مجلِس ابن أَبِي الليث ، فرمَوا بحُصُره ، وغسلوا موضِعه بالماء وذلك يوم الخميس لثنتي عشرة ليلة بقِيَت من شعبان سنة خمس وثلاثين ومائتين وعُزل يومئذٍ ، ثمَّ ورد كتاب المُتوكِّل يأمر بلعن ابن أَبِي الليث عَلَى المِنبر ، فلعنه مكرم بْن حاجب الْإِمَام عَلَى المنبر ، ولعنته العامَّة عَلَى أَثَر ذَلكَ يوم الجمعة لأربع بقِينَ من شعبان سنة خمس وثلاثين ، فكانت وِلايته عليها تسع سنين ، فأقام فِي السِّجن إلى يوم الأربعاء سلخ ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فورد كتاب المتوكِّل ، والمُنتصِر عَلَى خُوط عَبْد الواحد بن يحيى أمير مِصر بأَخذ بني عَبْد الحكَم ، وزكريَّاء كاتب العُمَري ، وحَمزة بْن المُغِيرة ، ويزيد بْن سِنان فِي أموال الجَرَويّ ، ثمَّ قدِم يزيد التُّركيّ ليلة الأربعاء لليلة بقِيَت من ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين فِي طلَب أموال الحَرَويّ وأخذها ممَّن هِيَ عنده ، فقدِم معه عبد الله عليّ بْن عَبْد العزيز الجَرَويّ ، فأمر يزيد بتخلية ابن أَبِي الليث من سجنه وذلك يوم الخميس لستّ خلونَ من جمادى الأولى سنة سبع ، وخلّى أصحابه ، وأولاده ، وأمره فِي الحكومة بأموال الجَرَويّ عَلَى ما ثبت عنده ، فحكم عَلَى بني عَبْد الحكَم بألف دينار ، وأربع مائة ألف دينار وأربعة آلاف وحكم عَلَى زكريّاء كاتب العُمَريّ بثمانية آلاف دينار وذلك فِي يوم السبت لثمان خلونَ من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين ومائتين ، ودفع القضيَّة إلى يزيد التُّركيّ ، فألزم بني عَبْد الحكَم ، وزكريَّاء المال إلى أن ينظر فيما عند محمد بْن هلال ، ويزيد بن سِنان ، وحَمْزة بْن المُغِيرة ، ونادى منادي خُوط ، ويزيد التُّركيّ فِي أموال الجَرَويّ وكشفها ، فمن كتمها ضُرب خمسمائة سوط وهُدمت داره ، ونودي فِي أصحاب ابن أَبِي الليث بالأَمان لهم والعفو عَنْهُمْ ، فأَقرَ عَبْد الحكَم بن عبد الله بن عَبْد الحكم بمال عنده ، فبعث بِهِ إلى منزِله لم يُخرج شيئًا ، ورُدّ إلى يزيد فعذّبه ، فمات فِي عَذابه لأربع بقِينَ من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين ، وقد كَانَ عَبْد الحكَم أقر قبل موته ، أن قَوْصَرة صار إِلَيْهِ من هذا المال تسعة آلاف دينار ، وأقرّ محمد بْن هلال ، أن قَوْصَرة أخذ منه اثني عشر ألفًا مصانَعةً ، وأن ابن أَبِي عَون صار إِلَيْهِ منه ستّة عشر ألفًا ، وإلى عيسى بْن صَفْوان النَّصرانيّ كاتب قَوْصَرة ستَّة آلاف دينار ، ثمَّ أقرّ محمد بن هلال أيضًا ، أن عنده نيّفًا وثلاثين ألفًا لبني عَبْد الحكَم ، وأن جميع ما خرج من يده هُوَ ممَّا كَانَ لبني عَبْد الحكَم ، وزكريَّاء ، وابن هلال . فاستُقصيت أموالهم ، ونُهبت منازلهم ، ومُلئت السجون من الناس ، ثمَّ ورد كتاب المُتوكِل بردّ ابن أَبِي الليث وأصحابه إلى السُّجون ، فرُدّوا وقُبضت أموالهم ، ثمَّ ورد كتاب المتوكل بإِطلاق بني عَبْد الحكَم ، وزكريَّاء ، وابن هلال ، ورُدَّت أموالهم إليهم ، ثمَّ ورد كتاب المُتوكِل إلى خُوط بحلق رأس ابن أَبِي الليث ولْحِيته ، وضربه بالسوط ، وحمله عَلَى حِمار بإكاف وتطوافه الفُسطاط ، ففعل ذَلكَ بِهِ خُوط يوم الإثنين لإحدى عشرة ليلة بقِيَت من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فأقام محبوسًا هُوَ وأصحابه إلى يوم الجمعة ثاني يوم من ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وأُخرج إلى العِراق يوم السبت لتسع خلونَ من ذي القعدة " .