ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبائل


تفسير

رقم الحديث : 20

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَوْنٍ الدماتي ، ثنا عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيُّ ، ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ ، حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، مِنْ فِيهِ قال : كُنْتُ رَجُلا مَجُوسِيًّا مِنْ أَهْلِ جي مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ ، وَكُنْتُ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ ، فَمَا زَالَ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي الْبَيْتِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ ، وَكُنْتُ قَدِ اجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قُطْنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً ، وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ فِيهَا بَعْضُ الْعَمَلِ ، بَنَى أَبِي بُنْيَانًا لَهُ فِي دَارِهِ فَدَعَانِي ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمَ عن ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ إِلَيْهَا فَاطْلَعْهَا ، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ، ثُمَّ قال لِي : وَلا تَحْتَبِسْ عَنِّي فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي كُنْتَ أَهَمَّ عِنْدِي مِمَّا أَنَا فِيهِ ، فَخَرَجْتُ فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةِ النَّصَارَى وَهُمْ يُصَلُّونَ فِيهَا ، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ ، فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ قَاعِدًا عِنْدَهُمْ ، وَأَعْجَبَنِي دِينُهُمْ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ صَلاتِهِمْ ، وَأَخَذَ بِقَلْبِي فَأَحْبَبْتُهُمْ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَطُّ ، وَكُنْتُ لا أَخْرُجُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا ، فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، وَتَرَكْتُ حَاجَةَ أَبِي الَّتِي أَرْسَلَنِي إِلَيْهَا ، وَمَا رَجَعْتُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ بَعَثَ فِي الطَّلَبِ يَلْتَمِسُ لِي ، فَلَمْ يَجِدْ حَيْثُ أَرْسَلَنِي ، فَبَعَثَ رُسُلَهُ فَبَغَوْنِي بِكُلِّ مَكَانٍ حَتَّى جِئْتُهُ عَشِيًّا ، وَقَدْ قُلْتُ لِلنَّصَارَى حِينَ رَأَيْتُ مَا أَعْجَبَنِي مِنْ هَيْئَتِهِمْ : أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا : بِالشَّامِ ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أَبِي ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ ، أَيْنَ كُنْتَ ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكِ أَنْ لا تَحْتَبِسَ عَلَيَّ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى ، وَإِنِّي مَرَرْتُ على كَنِيسَةِ النَّصَارَى فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَحُسْنِ صَلاتِهِمْ ، وَرَأَيْتُ دِينَهُمْ خَيْرًا ، قال : كَلا يَا بُنَيَّ ، إِنَّ ذَلِكَ الدِّينَ لا خَيْرَ فِيهِ ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ ، فَقُلْتُ : كَلا وَاللَّهِ ، إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا ، قال : فَخَافَنِي أَنْ أَذْهَبَ مِنْ عِنْدِهِ ، فَكَبَّلَنِي ، ثُمَّ حَبَسَنِي ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّصَارَى ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ أَمْرَهُمْ ، وَقُلْتُ : إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ أَذْهَبُ مَعَهُمْ . فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّامِ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ ، فَأَرْسَلُوا إِلَيَّ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ إِذَا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ فَأَخْبِرُونِي ، فَلَمَّا أَرَادُوا الْخُرُوجَ جِئْتُهُمْ ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ فَلَمَّا قَدِمْتُ الشَّامَ سَأَلْتُ عن عَالِمِهِمْ ، فَقَالُوا : صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ أَسْقُفُّهُمْ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، وَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي كَنِيسَتِكَ أَخْدِمُكَ ، وَأُصَلِّي مَعَكَ ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ ، فَإِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي دِينِكَ ، قال : أَقِمْ فَمَكَثْتُ مَعَهُ فِي الْكَنِيسَةِ أَتَفَقَّهُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ، وَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ ، فَاجِرًا فِي دِينِهِ ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا ، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ الأَمْوَالَ اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ ، وَكُنْتُ أَبْغَضُهُ لِمَا أَرَى مِنْ فُجُورِهِ ، وَقَدْ جَمَعَ سَبْعَ قِلالِ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ . ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ فَاجْتَمَعَتِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : تَعْلَمُونَ أَنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ ، كَانَ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا ، قَالُوا : وَمَا عَلامَةُ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ : أَدُلُّكُمْ على كَنْزِه ، قَالُوا : أَنْتَ وَذَاكَ ، فدللتهم عليه فأخرجوا قلالا مملوءة ذهبا وورقا ، قال : فَلَمَّا رَأَوْهَا ، قَالُوا : وَاللَّهِ لا نُغَيِّبُهُ أَبَدًا ، فَصَلَبُوهُ على خَشَبَةٍ ، وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ ، قال : فَيَقُولُ سَلْمَانُ : يَا ابْنَ أَخِي ، مَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ زَهَادَةً فِي الدُّنْيَا ، وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ ، وَلا أَدْأَبُ لَيْلا وَلا نَهَارًا مِنْهُ اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَةِ ، قال سَلْمَانُ : فَأَقَمْتُ مَعَهُ وَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا مَا عَلِمْتُ أَنِّي أَحْبَبْتُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ ، فَكُنْتُ مَعَهُ أَخْدِمُهُ وَأُصَلِّي مَعَهُ فِي الْكَنِيسَةِ ، حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قُلْتُ : يَا فُلانُ ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ مَعَكَ ، وَمَا أَحْبَبْتُ حُبَّكَ شَيْئًا قَطُّ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ، وَمَنْ ذَا الَّذِي تَأْمُرُنِي مُتَّبِعٌ أَمْرَكَ ، وَمُصَدِّقٌ حَدِيثَكَ ؟ قال : أَيْ بُنَيَّ ، مَا أَعْلَمُ أَحَدًا على مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ ، يُقَالَ لَهُ : فُلانٌ ، فَإِنِّي وَإِنَّهُ كُنَّا على أَمْرٍ وَاحِدٍ فِي الرَّأْيِ وَالدِّينِ ، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَسَتَجِدُ عِنْدَهُ بَعْضَ مَا كُنْتَ تَرَى مِنِّي ، فَأَمَّا النَّاسُ قَدْ بَدَّلُوا وَهَلَكُوا ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، فَقَالَ : أَقِمْ ، فَكُنْتُ مَعَهُ فِي كَنِيسَتِهِ ، فَوَجَدْتُهُ كَمَا قال صَاحِبِي رَجُلا صَالِحًا ، فَكُنْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ : يَا فُلانُ ، إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي إِلَيْكَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا تَرَى ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ، وَإِلَى مَنْ تَأْمُرُنِي ؟ قال : أَيْ بُنَيَّ ، مَا أَعْلَمُ أَحَدًا على أَمْرِنَا إِلا رَجُلا بَنَصِيبِينِ ، يُقَالُ لَهُ : فُلانٌ ، فَالْحَقْ بِهِ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ ، وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ، فَوَجَدْتُهُ على مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ ، فَمَكَثْتُ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي إِلَى فُلانٍ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ ، ثُمَّ أَوْصَانِي صَاحِبُ الْمَوْصِلِ إِلَيْكِ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي بَعْدَكَ ؟ قال : أَيْ بُنَيَّ ، مَا أَعْلَمُ أَحَدًا على مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِعَمُورِيَّةَ فِي أَرْضِ الرُّومِ ، فَإِنَّكَ وَاجِدٌ عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ فَالْحَقْ بِهِ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُورِيَّةَ ، وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، فَقَالَ : أَقِمْ ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ على مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، وَأَثَابَ لِي شَيْئًا حَتَّى اتَّخَذْتُ بَقَرَاتٍ وَغُنَيْمَةً ، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي إِلَى فُلانٍ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ ، ثُمَّ أَوْصَانِي صَاحِبُ الْمَوْصِلِ إِلَى فُلانٍ صَاحِبِ نَصِيبِينَ ، ثُمَّ أَوْصَانِي صَاحِبُ نَصِيبِينَ إِلَيْكَ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ قال : يَا بُنَيَّ ، مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ فِي هَذِهِ الأَرْضِ أَحَدٌ على مَا كُنَّا عَلَيْهِ ، لَكِنَّكَ قَدْ أَظَلَّكَ خُرُوجُ نَبِيٍّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، يُبْعَثُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنَفِيَّةِ ، يَكُونُ مِنْهَا مُهَاجَرُهُ ، وَقَرَارُهُ إِلَى أَرْضٍ يَكُونُ بِهَا النَّخْلُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ نَعَتَهَا بِكَذَا وَكَذَا ، بِظَهْرِهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتَهُ ؛ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، ثُمَّ مَاتَ . فَمَرَّ بِي رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ فَسَأَلْتُهُمْ : مَنْ هُمْ ؟ فَقَالُوا : مِنَ الْعَرَبِ ، فَسَأَلْتُهُمْ : مَا بِلادُهُمْ ؟ فَأَخْبَرُونِي عَنْهَا ، فَقُلْتُ لَهُمْ : أُعْطِيكُمْ بَقَرِي وَغَنَمِي هَذَا على أَنْ تَحْمِلُونِي حَتَّى تَقْدُمُوا أَرْضَكُمْ ، قَالُوا : نَعَمْ ، فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ، وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا جَاءُوا بِي وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي بِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ ، فَأَقَمْتُ وَرَأَيْتُ بِهَا النَّخْلَ ، وَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ ، ثُمَّ خَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّهُ الْبَلَدُ ، فَمَكَثْتُ بِهَا أَعْمَلُ لَهُ فِي مَالِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ، حَتَّى بُعِثَ مُحَمَّدٌ ، وَخَفِيَ عَلَيَّ أَمْرُهُ وَأَنَا فِي رِقِّي مَشْغُولٌ ، حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا ، فَنَزَلَ فِي قُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ نَخْلَةٍ أَعْمَلُ لِصَاحِبِي فِيهَا ، وَصَاحِبِي تَحْتِي جَالِسٌ ، إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ : يَا فُلانُ ، قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ إِنَّهُمْ آنِفًا لَمُجْتَمِعُونَ يُقْبِلُونَ على رَجُلٍ بِقُبَاءَ قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ قَالَهَا لَهُ أَخَذَتْنِي رَعْدَةٌ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَقَطْتُ على صَاحِبِي . فَنَزَلْتُ سَرِيعًا ، فَقُلْتُ : أَيْ سَيِّدِي ، مَا الَّذِي تَقُولُ ؟ فَغَضِبَ مِمَّا رَأَى فِيَّ وَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَنِي بِهَا ضَرْبَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ قال : مَا لَكَ وَلِهَذَا أَقْبِلْ على عَمَلِكَ ، قُلْتُ : لا شَيْءَ سَمِعْتُ مِنْكَ شَيْئًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ ، فَسَكَتُّ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ على عَمَلِي ؛ فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جَمَعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي ، حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقُلْتُ : بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَأَنَّ مَعَكَ أَصْحَابًا لَكَ أَهْلَ حَاجَةٍ وَغُرْبَةٍ ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ وَضَعْتُهُ لِلصَّدَقَةِ مِنْ طَعَامٍ يَسِيرٍ ، فَجِئْتُكُمْ بِهِ وَهُوَ ذَا ، فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ : " كُلُوا " . وَأَمْسَكَ يَدَهُ وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذِهِ وَاحِدَةٌ مِنْ صِفَةِ فُلانٍ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا ثُمَّ جِئْتُهُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ : هَذَا شَيْءٌ كَانَ لِي وَأَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكَ وَهُوَ هَدِيَّةٌ أُهْدِيهَا لَكَ كَرَامَةً لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ ، فَأَكَلُوا وَأَكَلَ مَعَهُمْ . فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَاتَانِ اثْنَتَانِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَمَكَثْتُ شَيْئًا ثُمَّ جِئْتُهُ ، وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ مَشَى مَعَ جِنَازَةٍ وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ ، وَعَلَيْهِ شَمْلَتَانِ مُرْتَدِيًا بِوَاحِدَةٍ وَمُتَّزِرًا بِالأُخْرَى ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ حَتَّى قُمْتُ وَرَاءَهُ لأَنْظُرَ فِي ظَهْرِهِ ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ ، وَأَثْبَتَهُ فَقَامَ بِرِدَائِهِ فَأَلْقَاهُ عن ظَهْرِهِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَمَا وَصَفَهُ لِي صَاحِبِي ، فَأَكْبَبْتُ على رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقَبِّلُ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ ، مِنْ ظَهْرِهِ وَأَبْكِي ، فَقَالَ : " تَحَوَّلْ عَنِّي " . فَتَحَوَّلْتُ عَنْهُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّتِي وَشَأْنِي وَحَدِيثِي ، فَأُعْجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ ، ثُمَّ أَسْلَمْتُ وَمَكَثْتُ مَمْلُوكًا حَتَّى مَضَى شَأْنُ بَدْرٍ ، وَشَأْنُ أُحُدٍ ، وَشَغَلَنِي الرِّقُّ فَلَمْ أَشْهَدْ مَجَامِعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قال لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَاتِبْ نَفْسَكَ " ، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي الْكِتَابَةَ ، فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى كَاتَبَنِي على أَنْ أَفِيَ لَهُ ثَلاثَ مِائَةِ نَخْلَةٍ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةَ وَرِقٍ وَتِلْكَ أَرْبَعَةُ آلافٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ : " أَعِينُوا أَخَاكُمْ بِالنَّخْلِ " . فَأَعَانَنِي الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ ، مِنْهُمْ مَنْ يُعْطِينِي الْعِشْرِينَ ، وَالثَّلاثِينَ ، وَالْعَشَرَةَ ، وَالْخَمْسَ ، وَالسِّتَّ ، وَالسَّبْعَ ، وَالثَّمَانِ ، وَالأَرْبَعَ ، وَالثَّلاثَ حَتَّى جَمَعْتُهَا ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اذْهَبْ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَأْتِنِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَضَعُهَا لَكَ بِيَدِي فَقُمْتُ فِي تَفْقِيرِهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابُهُ حَتَّى فَرَغْنَا مِنْ شُرْبِهَا ، وَجَاءَ أَصْحَابِي كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي مِنَ النَّخْلِ ، فَوَضَعْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَخَرَجَ ، فَجَعَلْنَا نَحْمِلُ إِلَيْهِ النَّخْلَ فَيَضَعُهَا بِيَدِهِ ، فَمَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ ، وَبَقِيَتِ الدَّرَاهِمُ ، ثُمَّ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا سَلْمَانُ ، إِذَا سمعت بِشَيْءٍ قَدْ جَاءَنِي فَأْتِنِي أُغْنِيكَ بِمِثْلِ مَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَتِكَ " . فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ ، أَصَابَهَا فِي بَعْضِ الْمَغَازِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خُذْ هَذِهِ فَأَدِّهَا مِمَّا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ " . قال : قُلْتُ : وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ مِنَ الْمَالِ ؟ قال : " إِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّيهَا عَنْكَ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ وَزَنْتُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً حَقَّهُمْ جَمِيعًا " . وَعُتِقَ سَلْمَانُ ، وَغَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ ، وَمَا كَانَ بَعْدَهُ مِنَ الْمَغَازِي . قال : في أول هذه السنة كان فك سلمان من الرق وأداؤه بما كوتب عليه .

الرواه :

الأسم الرتبة
سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ

صحابي

ابْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ

له رؤية

عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ

ثقة

مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ

صدوق مدلس

سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ

صدوق كثير الخطأ

عَمَّارُ بْنُ الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيُّ

ثقة

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَوْنٍ الدماتي

ثقة حافظ

Whoops, looks like something went wrong.