حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُتَّلِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شَحْمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا دَهْثَمُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو سَعِيدٍ الرَّمْلِيُّ ، قَالَ : ثنا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، وَهِشَامٍ ، عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : " لَقَدْ كَانَ فِي الدَّارِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَأَبْنَاؤُهُمْ ، مِنْهُمْ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ، الرَّجُلُ مِنْهُمْ خَيْرٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا يَقُولُونَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، خَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ ، فَقَالَ : أَعْزِمُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ وَإِنَّ لِي عَلَيْهِ حَقًّا أَنْ لا يُهْرِيقَ فِيَّ دَمًا ، وَأُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمَا كَفَانِي الْيَوْمَ نَفْسَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ مَظْلُومٌ ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَنَعَهُمْ ، قِيلَ لَهُ : مَا أَحْسَنْتَ الْقَوْلَ ؛ لأَنَّكَ تَكَلَّمَتْ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ ، فَإِنْ قَالَ : وَلِمَ ؟ قِيلَ : لأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَصْحَابَ طَاعَةٍ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِلصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، فَقَدْ فَعَلُوا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الإِنْكَارِ بِقُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ ، وَعَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ لِنُصْرَتِهِ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِمْ ، فَلَمَّا مَنَعَهُمْ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ نُصْرَتِهِ ، عَلِمُوا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ ، وَأَنَّهُمْ إِنْ خَالَفُوهُ لَمْ يَسَعْهُمْ ذَلِكَ ، وَكَانَ الْحَقُّ عِنْدَهُمْ فِيمَا رَآهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَلِمَ مَنَعَهُمْ عُثْمَانُ مِنْ نُصْرَتِهِ وَهُوَ مَظْلُومٌ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ قِتَالَهُمْ عَنْهُ نَهْيٌّ عَنْ مُنْكَرٍ ، وَإِقَامَةُ حَقٍّ يُقِيمُونَهُ ؟ قِيلَ لَهُ : وَهَذَا أَيْضًا غَفْلَةٌ مِنْكَ ، فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ ؟ قِيلَ لَهُ : مَنْعُهُ إِيَّاهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ، كُلُّهَا مَحْمُودَةٌ : أَحَدُهَا عِلْمُهُ بِأَنَّهُ مَقْتُولٌ مَظْلُومٌ لا شَكَّ فِيهِ ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّكَ تُقْتَلُ مَظْلُومًا ، فَاصْبِرْ ، فَقَالَ : أَصْبِرُ ، فَلَمَّا أَحَاطُوا بِهِ عَلِمَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ ، وَأَنَّ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ حَقٌّ كَمَا قَالَ لابُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ وَعَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ ، فَصَبَرَ كَمَا وَعَدَ ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَنْ مَنْ طَلَبَ الانْتِصَارَ لِنَفْسِهِ وَالذَّبِّ عَنْهَا فَلَيْسَ هَذَا بِصَابِرٍ ، إِذْ وَعَدَ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ فَهَذَا وَجْهٌ ، وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قِلَّةُ عَدَدٍ ، وَأَنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَتْلَفَ مِنْ صَحَابَةِ نَبِيِّهِ بِسَبَبِهِ ، فَوَقَاهُمْ بِنَفْسِهِ إِشْفَاقًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ ؛ لأَنَّهُ رَاعٍ وَالرَّاعِي وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحُوطَ رَعِيَّتَهُ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ فَصَانَهُمْ بِنَفْسِهِ ، وَهَذَا وَجْهٌ ، وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهَا فِتْنَةٌ ، وَأَنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا سُلَّ فِيهَا السَّيْفُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُقْتَلَ فِيهَا مَنْ لا يَسْتَحِقُّ ؛ فَلَمْ يَخْتَرْ لأَصْحَابِهِ أَنْ يَسُلُّوا فِي الْفِتْنَةِ السَّيْفَ ، وَهَذَا أَيْضًا إِشْفَاقٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ ، فِتْنَةٌ تَعُمُّ ، وَتَذْهَبُ فِيهَا الأَمْوَالُ ، وَتُهْتَكُ فِيهَا الْحَرِيمُ ، فَصَانَهُمْ عَنْ جَمِيعِ هَذَا ، وَوَجْهٌ آخَرُ ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَصْبِرَ عَنِ الانْتِصَارِ لِتَكُونَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ شُهُودًا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ ، وَخَالَفَ أَمَرَهُ ، وَسَفَكَ دَمَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، لأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَرْضِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يُهْرَاقَ بِسَبَبِهِ دَمُ مُسْلِمٍ ، وَلا يَخْلُف النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِإِهْرَاقِهِ دَمِ مُسْلِمٍ ، وَكَذَا قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَكَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَذَا الْفِعْلِ مُوَفَّقًا مَعْذُورًا رَشِيدًا ، وَكَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي عُذْرٍ ، وَشَقِيٌّ قَاتِلُهُ " .