أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا تُزْهِي ؟ قَالَ : " حَتَّى تَحْمَرَّ " . وَرَوَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عُمَرَ : " حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا " ، وَرَوَى غَيْرُهُ : " حَتَّى تَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ " . قَالَ : فَبِهَذَا نَأْخُذُ ، وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا مَنَعَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الثَّمَرَةَ ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ ؟ " دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي تُتْرَكُ حَتَّى تَبْلُغَ غَايَةَ إِبَانِهَا ، لَا أَنَّهُ نَهَى عَمَّا يُقْطَعُ مِنْهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُقْطَعُ مِنْهَا لَا آفَةَ تَأْتِي عَلَيْهِ تَمْنَعُهُ ، إِنَّمَا يُمْنَعُ مَا يُتْرَكُ مُدَّةً يَكُونُ فِي مِثْلِهَا الْآفَةُ كَالْبَلَحِ ، وَكُلِّ مَا دُونَ الْبُسْرِ يَحِلُّ بَيْعُهُ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ مَكَانَهُ , وَإِذَا أَذِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِهِ إِذَا صَارَ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَقَدْ أَذِنَ فِيهِ ، إِذَا بَدَا فِيهِ النُّضْجُ ، وَاسْتُطِيعَ أَكْلُهُ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ بَلَحًا ، وَصَارَ عَامَّتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ يَمْتَنِعُ فِي الظَّاهِرِ مِنَ الْعَاهَةِ لِغِلَظِ نَوَاتِهِ فِي عَامَّتِهِ وَبُسْرِهِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَمَرَةٍ مِنْ أَصْلٍ يُرَى فِيهِ أَوَّلُ النُّضْجِ لَا كِمَامَ عَلَيْهَا ، وَلِلْخِرْبِزِ نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ ، فَإِذَا رُئِيَ ذَلِكَ فِيهِ حَلَّ بَيْعُ خِرْبِزِهِ ، وَالْقِثَّاءُ يُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا ، فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتَلَاحَقَ صِغَارُهُ بِكِبَارِهِ ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَالَ : يَجُوزُ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُمَا ، وَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِمَا مَا ثَبَتَ أَصْلُهُمَا أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ مَا خَرَجَ مِنْهُمَا وَهَذَا مُحَرَّمٌ ، وَكَيْفَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُمَا ، كَمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ ، وَيَحِلُّ مَا لَمْ يُرَ وَلَمْ يُخْلَقْ مِنْهُمَا ، وَلَوْ جَازَ لِبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا شِرَاءُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُمَا لَجَازَ ، لِبُدُوِّ صَلَاحِ ثَمَرِ النَّخْلِ شِرَاءُ مَا لَمْ يَحْمِلِ النَّخْلُ سِنِينَ , وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ . قَالَ : وَكُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ دُونَهَا حَائِلٌ مِنْ قِشْرٍ أَوْ كِمَامٍ ، وَكَانَتْ إِذَا صَارَتْ إِلَى مَا يُكِنُّهَا أَخْرَجُوهَا مِنْ قِشْرِهَا وَكِمَامِهَا بِلَا فَسَادٍ عَلَيْهَا إِذَا ادَّخَرُوهَا ، فَالَّذِي أَخْتَارُ فِيهَا أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا فِي شَجَرِهَا وَلَا مَوْضُوعَةً بِالْأَرْضِ لِلْحَائِلِ ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى شِرَاءِ لَحْمِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ عَلَيْهَا جِلْدُهَا لِلْحَائِلِ دُونَ لَحْمِهَا . قَالَ : وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْخُذُ عُشْرَ الْحُبُوبِ فِي أَكْمَامِهَا ، وَلَا يُجِيزُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَنَا أُجِيزَ بَيْعَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا ، لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ فِي تِبْنِهَا ، أَوْ فِضَّةً فِي تُرَابٍ بِالتُّرَابِ ، وَعَلَى الْجَوْزِ قِشْرَتَانِ وَاحِدَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ الَّتِي يَرْفَعُهَا النَّاسُ عَنْهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ , وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُرْفَعَ بِدُونِ الْعُلْيَا ، وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ قِشْرَتَانِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ التَّمْرِ مُدًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمُ الْمُدُّ مِنَ الْحَائِطِ أَسَهْمٌ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ أَوْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا مَجْهُولٌ ، وَلَوِ اسْتَثْنَى رُبُعَهُ أَوْ نَخَلَاتٍ بِعَيْنِهَا فَجَائِزٌ ، وَإِنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ وَفِيهِ الزَّكَاةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ مَا جَاوَزَ الصَّدَقَةَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الرَّدُّ . وَالثَّانِي : إِنْ شَاءَ أَخَذَ الْفَضْلَ عَنِ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوِ الرَّدَّ ، وَلِلسُّلْطَانِ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنَ الثَّمَرَةِ . .