تفسير

رقم الحديث : 97

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الغزَّاءُ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ رَحْمَةَ الأَصْبَحِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْخَوْلانِيُّ ، قَالَ : قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ : " اكْشِفِ السِّتْرَ ، وَادْخُلْ ، وَلَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي " , قَالَ الْقَاضِي : تَخْتَلِفُ مَذَاهِبُ طُلابِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ لا يَقْتَصِرُ عَلَى أَنْ يَسْمَعَ الْحَدِيثَ مِنَ الْمُحَدِّثِ ، وَهُوَ عَلَى أَنْ يَسْمَعَهُ مِنَ الْمُحَدِّثِ قَادِرٌ ، فَتَنْزِعُ نَفْسُهُ إِلَى لِقَاءِ الأَعْلَى ، وَالسَّمَاعِ مِنْهُ بِالْمُشَاهَدَةِ ، إِنْ كَانَ دَانِي الدَّارِ ، وَبِالرِّحْلَةِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ مِنْهُمْ مَنْ لا يَشْتَغِلُ بِالرِّحْلَةِ إِذَا حَصَلَ لَهُ الْحَدِيثُ عَمَّنْ يَرْتَضِيهِ ، تَنْزِلُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ تَعَالَى فِيهِ وَأَهْلُ النَّظَرِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : التَّنْزِلُ فِي الإِسْنَادِ أَفْضَلُ لأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّاوِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ وَتَأْوِيلِهِ ، وَفِي النَّاقِلِ وَتَعْدِيلِهِ ، وَكُلَّمَا زَادَ الاجْتِهَادُ زَادَ صَاحِبُهُ ثَوَابًا ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْخَبَرَ أَقْوَى مِنَ الْقِيَاسِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : التَّعَالِي فِي الإِسْنَادِ مُسْقِطٌ لِبَعْضِ الاجْتِهَادِ ، وَسُقُوطُ الاجْتِهَادِ فِيمَا أَمْكَنَ أَسْلَمُ . قَالَ الْقَاضِي : وَفِي الاقْتِصَارِ عَلَى التَّنْزِلِ فِي الإِسْنَادِ إِبْطَالُ الرِّحْلَةِ وَفَضْلِهَا وَقَالَ : وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ يَذُمُّ أَهْلَ الرِّحْلَةِ فِي فَصْلٍ مِنْ كَلامٍ لَهُ : نَبَغُوا فَعَابُوا النَّاظِرِينَ الْمُمَيِّزِينَ وَبَدَّعُوهُمْ ، إِلَى الرَّأْيِ وَالْكَلامِ فَنَسَبُوهُمْ ، وَجَعَلُوا الْعِلْمَ الْوَاجِبَ طَلَبَهُ ، الدَّوَرَانَ وَالْجَوَلانَ فِي الْبُلْدَانِ ، لالْتِمَاسِ خَبَرٍ لا يُفِيدُ طَائِلا ، وَأَثَرٍ لا يُورَثُ نَفْعًا فَأَسْهَرُوا لَيْلَهُمْ ، وَأَظْمَأُوا نَهَارَهُمْ ، وَأَتْعَبُوا مَطِيَّهُمْ ، وَاغْتَرَبُوا عَنْ بِلادِهِمْ ، وَضَيَّعُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ خُلَفَائِهِمْ ، وَعَقُّوا الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ ، فَتَعَجَّلُوا الْمَأْثَمَ بِتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ وَالْحُقُوقِ ، وَحَرَمُوا أَنْفُسَهُمُ التَّلَذُّذَ بِمُعَاشَرَةِ الأَهْلِ وَالْوَلَدِ ، وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ لَهَا فَحُرِمُوا لَذَّةَ الدُّنْيَا ، وَاسْتَوْجَبُوا الْعِقَابَ فِي الآخِرَةِ ، فَهُمْ حَيَارَى كَالأَنْعَامِ ، إِنْ سُئِلُوا عَنْ مَسْأَلَةٍ ، قَالُوا : هَلْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى تَقُولَ فِيهَا ؟ فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ : هِيَ نَازِلَةٌ قَالُوا : مَا نَحْفَظُ فِيهَا شَيْئًا ، فَإِنْ سُئِلُوا عَنِ السُّنَنِ ، يَقُولُ خَطِيبُهُمْ : مَا تَحْفَظُونَ فِيمَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، وَفِي أَسْلَمَ سَالَمَهَا اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ ، وَقَالَ الْمُعَارِضُ لِصَاحِبِ هَذَا الْكَلامِ : تَهَيَّبُوا كَدَّ الطَّلَبِ ، وَمُعَالَجَةِ السَّفَرِ ، وَبُعِلُوا بِحِفْظِ الآثَارِ ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِمْ طَرَائِقُ الأَسَانِيدِ ، وَوُجُوهُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، فَآثَرُوا الدِّعَةَ ، وَاسْتَلَذُّوا الرَّاحَةَ ، وَعَادُوا مَا جَهِلُوا ، وَعَلَى الْمَطَامِعِ تَأَلَّفُوا ، وَفِي الْمَآثِمِ وَالْحُطَامِ تَنَافَسُوا ، وَتَبَاهُوا فِي الطَّيَالِسِ وَالْقَلانِسِ ، وَلازَمُوا أَفْنِيَةَ الْمُلُوكِ ، وَأَبْوَابَ السَّلاطِينِ ، وَنَصَبُوا الْمَصَايِدَ لأَمْوَالِ الأَيْتَامِ ، وَالإِغَارَةِ عَلَى الْوُقُوفِ وَالأَوْسَاخِ وَاقْتَصَرُوا عَلَى ابْتِيَاعِ صُحُفٍ دَرَسُوهَا ، وَاسْتَعَدُّوا الشَّغَبَ عَلَيْهَا ، فَإِنْ حَفِظَ أَحَدُهُمْ فِي السُّنَنِ شَيْئًا ، فَمِنْ صَحِيفَةٍ مُبْتَاعَةٍ ، كَفَاهُ غَيْرُهُ مُؤْنَةَ جَمْعِهِ وَشَرْحِهِ وَتَبْوِيبِهِ ، مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ لَهَا وَلا دِرَايَةٍ بِوَزْنٍ مِنْ نَقْلِهَا فَإِنْ تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَسِيرُ ، خَلَطَ الْغَثَّ بِالسَّمِينِ ، وَالسَّلِيمِ بِالْجَرِيحِ ، ثُمَّ فَخَّمَ مَا لَفَّقَ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا شَاءَ ، وَإِنَّهَا وَالسُّنَنَ الْمَأْثُورَةِ ضِدَّانِ ، فَإِنْ قُلِبَ عَلَيْهِ إِسْنَادُ حَدِيثٍ تَحَيَّرَ فِيهِ تَحَيُّرَ الْمَفْتُونِ ، وَصَارَ كَالْحِمَارِ فِي الطَّاحُونِ ، وَإِنْ شَاهِدَ الْمُذَاكَرَةَ سَمِعَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْجَرَيَانِ فِيهِ ، فَلَجَأَ إِلَى الإِزْرَاءِ بِفُرْسَانِهِ ، وَاعْتَصَمَ بِالطَّعْنِ عَلَى الرَّاكِضِينَ فِي مَيْدَانِهِ ، وَلَوْ عَرَفَ الطَّاعِنُ عَلَى أَهْلِ الرِّحْلَةِ مِقْدَارَ لَذَّةِ الرَّاحِلِ فِي رِحْلَتِهِ ، وَنَشَاطَهُ عِنْدَ فُصُولِهِ مِنْ وَطَنِهِ ، وَاسْتِلْذَاذَ جَمِيعِ جَوَارِحِهِ عِنْدَ تَصَرُّفِ لَحَظَاتِهِ فِي الْمَنَاهِلِ وَالْمَنَازِلِ ، وَالْبُطْنَانِ وَالظَّوَاهِرُ ، وَالنَّظَرُ إِلَى دَسَاكِرِ الأَقْطَارِ وَغِيَاضِهَا ، وَحَدَائِقِهَا وَرِيَاضِهَا ، وَتَصَفُّحُ الْوُجُوهِ ، وَاسْتِمَاعُ النَّغَمْ ، وَمُشَاهَدةُ مَا لَمْ يُرَ مِنْ عَجَائِبِ الْبُلْدَانِ ، وَاخْتِلافِ الأَلْسِنَةِ وَالأَلْوَانِ ، وَالاسْتِرَاحَةِ فِي أَفْيَاءِ الْحِيطَانِ ، وَظِلالِ الْغِيطَانِ ، وَالأَكْلُ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَالشُّرْبُ مِنَ الأَدْوِيَةِ ، وَالنَّوْمُ حَيْثُ يُدْرِكُهُ اللَّيْلُ ، وَاسْتِصْحَابُ مَنْ يُحِبُّ فِي ذَاتِ اللَّهِ بِسُقُوطِ الْحِشْمَةِ ، وَتَرْكِ التَّصَنُّعِ ، وَكُنْهَ مَا يَصِلُ إِلَى قَلْبِهِ مِنَ السُّرُورِ عَنْ ظَفَرِهِ بِبُغْيَتِهِ ، وَوُصُولِهِ إِلَى مَقْصِدِهِ ، وَهُجُومِهِ عَلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي شَمَّرَ لَهُ ، وَقَطَعَ الشُّقَّةَ إِلَيْهِ لَعَلِمَ أَنَّ لَذَّاتِ الدُّنْيَا مَجْمُوعَةٌ فِي مَحَاسِنِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ ، وَحَلاوَةِ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ ، وَاقْتِنَاءِ تِلْكَ الْفَوَائِدِ ، الَّتِي هِيَ أَهْلُهَا أَبْهَى مِنْ زَهْرِ الرَّبِيعِ ، وَأَحْلَى مِنْ صَوْتِ الْمَزَامِيرِ ، وَأَنْفَسُ مِنْ ذَخَائِرِ الْعِقْيَانِ ، مِنْ حَيْثُ حُرِمَهَا هُوَ وَأَشْبَاهُهُ بِمُنَازَلَةِ الْخُصُومِ ، وَقَصْدِ الأَبْوَابِ ، وَالتَّخَادُمِ لِلأَغْتَامِ ، مَقْصُورُ الْهِمَّةِ عَلَى حُضُورِ مَجْلِسٍ يَتَوَجَّهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ ، وَمَصْرُوفُ الْخَاطِرِ إِلَى خُطْبَةِ عَمَلٍ يَتَقَلَّبُ فِي أَوْسَاخِهِ ، مَحْجُوبًا مَرَّةً وَمُسْتَخِفًّا بِهِ أُخْرَى يَرُوحُ مُتَحَسِّرًا عَلَى الْفَائِتِ ، وَيَغْدُو مُغْتَاظًا لِحُظْوَةِ مَنْ يُنَاوِئُهُ عِنْدَ مَنْ يَرْتَجِيهِ ، وَلا يَزَالُ فِي كَدِّ التَّصَنُّعِ وَذُلِّ الْخِدْمَةِ ، وَحَسَرَاتِ الْفَائِتِ ، حَتَّى تَأْتِيهِ مَنِيَّتُهُ ، فَتَخْتَطِفُهُ وَتَحُولُ بَيْنَهُ بَيْنَ مَا يُؤَمِّلُهُ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . وَلَوْلا عِنَايَةُ الطَّالِبِ بِضَبْطِ الشَّرِيعَةِ وَجَمْعِهَا ، وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنْ مَعَادِنِهَا لَمْ يَتَصَدَّرْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى السَّوَارِي ، وَلا عَقَدَ أَهْلِ الْفُتْيَا مَجَالِسَهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي هِيَ مُبَيِّنَةٌ مِنَ السُّنَنِ الْمَنْقُولَةِ ، وَمُسْتَخْرَجَةٌ مِنَ الآثَارِ الْمَرْوِيَّةٍ ، وَقَدْ قُلْنَا فِي فَضْلِ الدِّرَايَةِ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِالرِّوَايَةِ ، مَا أَغْنَى وَكَفَى ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى تَشْقِيقِ الْخُطَبِ ، وَالْبَلاغَةِ فِي الْكَلامِ ، وَمَنْ عَدَّ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ ، وَلَوْ كَانَ التَّبَالُغُ فِي الْكَلامِ دَرَكًا ، يَبْلُغُ بِهِ مِنْ رَامٍ أَنْ يَضَعَ مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَرْفَعَ مِنْهُ ، كَانَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ صَاحِبَ الْمَوَاقِفِ وَالأَوْصَافِ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.