حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ مِهْرَانَ النَّاقِدُ ، ثنا أَبُو السُّكَيْنِ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الطَّائِيُّ ، حَدَّثَنِي عَمُّ أَبِي زَحْرِ بْنِ حِصْنٍ ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ الطَّائِيِّ ، قَالَ : " كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، عِنْدَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ ، وَكَانَ الْفَاكِهُ مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ لَهُ بَيْتٌ لِلضِّيَافَةِ يَغْشَاهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ فَخَلا ذَلِكَ الْبَيْتُ يَوْمًا وَاضْطَجَعَ الْفَاكِهُ وَهِنْدٌ فِيهِ وَقْتَ الْقَائِلَةِ ، ثُمَّ خَرَجَ الْفَاكِهُ فِي بَعْضِ حَاجَاتِهِ ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَغْشَاهُ فَوَلَجَ الْبَيْتَ ، فَلَمَّا رَأَى الْمَرْأَةَ وَلَّى هَارِبًا ، فَأَبْصَرَهُ الْفَاكِهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْبَيْتِ ، فَأَقْبَلَ إِلَى هِنْدَ فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ ، وَقَالَ لَهَا : مَنْ هَذَا الَّذِي كَانَ عِنْدَكِ ؟ قَالَتْ : مَا كَانَ عِنْدِي أَحَدٌ ، وَمَا انْتَبَهْتُ حَتَّى أَنْبَهْتَنِي . قَالَ : الْحَقِي بِأَهْلِكِ . وَتَكَلَّمَ فِيهَا النَّاسُ ، فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا : يَا بُنَيَّةُ ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِيكِ ؛ فَنَبِّئِينِي نَبَأَكِ ، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ عَلَيْكِ صَادِقًا دَسَسْتُ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ ، فَتَنْقَطِعَ عَنْكِ الْقَالَةُ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا حَاكَمْتَهُ إِلَى بَعْضِ كُهَّانِ الْيَمَنِ ، فَحَلَفْتُ لَهُ بِمَا كَانُوا يَحْلِفُونَ بِهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ عَلَيْهَا . فَقَالَ لِلْفَاكِهِ : يَا هَذَا ، إِنَّكَ قَدْ رَمَيْتَ ابْنَتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَحَاكَمَنِي إِلَى بَعْضِ كُهَّانِ الْيَمَنِ . فَخَرَجَ عُتْبَةُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَخَرَجَ الْفَاكِهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ، وَخَرَجَتْ مَعَهُمْ هِنْدٌ وَنِسْوَةٌ مَعَهَا ، فَلَمَّا شَارَفُوا الْبِلادَ وَقَالُوا : نَرُدُّ عَلَى الْكَاهِنِ تَنَكَّرَ حَالُ هِنْدَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهَا ، فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا : إِنِّي قَدْ أَرَى مَا بِكِ مِنْ تَنَكُّرِ الْحَالِ وَمَا ذَاكَ إِلا لِمَكْرُوهٍ عِنْدَكِ أَفَلا كَانَ هَذَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَشْهَدَ النَّاسُ مَسِيرَنَا ؟ فَقَالَتْ : لا وَاللَّهِ يَا أَبَتَاهُ ، مَا ذَاكَ لِمَكْرُوهٍ وَلَكِنِّي أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَأْتُونَ بَشَرًا يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَلا آمَنُ أَنْ يُسْمِيَنِي بِسِمَةٍ تَكُونُ عَلَيَّ سُبَّةً فِي الْعَرَبِ . فَقَالَ : إِنِّي أَخْتَبِرُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرَكِ فَصَفَّرَ بِفَرَسِهِ حَتَّى أَدْلَى ، ثُمَّ أَخَذَ حَبَّةً مِنْ بُرٍّ ، فَأَدْخَلَهَا فِي إِحْلِيلِهِ وَأَوْكَأَ عَلَيْهَا بِسَيْرٍ ، فَلَمَّا صَبَحُوا أَكْرَمُهُمْ وَنَحَرَ لَهُمْ ، فَلَمَّا قَعَدُوا ، قَالَ لَهُ عُتْبَةُ : إِنَّا قَدْ جِئْنَاكَ فِي أَمْرٍ ، وَإِنِّي قَدِ اخْتَبَأْتُ لَكَ خَبْأً أخْتَبِرُكَ ، بِهِ فَانْظُرْ مَا هُوَ ؟ قَالَ : نَمِرَةٌ فِي كمرةٍ . قَالَ : أُرِيدُ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا . قَالَ : حَبَّةٌ مِنْ بُرٍّ فِي إِحْلِيلِ مَهْرٍ . قَالَ : صَدَقْتَ ، انْظُرْ فِي أَمْرِ هَؤُلاءِ النِّسْوَةِ ، فَجَعَلَ يَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ ، فَيَضْرِبُ كَتِفَهَا ، وَيَقُولُ : انْهَضِي ، حَتَّى دَنَا مِنْ هِنْدَ فَضَرَبَ كَتِفَهَا ، وَقَالَ : قَوْمِي غَيْرَ وَحْشَاءَ ، وَلا زَانِيَةً ، وَلْتَلِدْنَ غُلامًا يُقَالُ لَهُ مُعَاوِيَةُ فَنَهَضَ لَهَا الْفَاكِهُ ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَنَتَرَتْ يَدَهَا مِنْ يَدِهِ ، وَقَالَتْ : إِلَيْكَ فَوَاللَّهِ لأَحْرُصَنَّ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِكَ ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَانَ ، فَجَاءَتْ بِمُعَاوِيَةَ " .