أَخْبَرَنِي أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْيَزِيدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمِّي يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ ، قَالَ : قَالَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : كَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَغْدُو عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الأَيْهَمِ سَنَةً وَيُقِيمُ سَنَةً فِي أَهْلِهِ ، فَقَالَ : لَوْ وَفَدْتُ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ ، فَإِنَّ لَهُ قَرَابَةً وَرَحِمًا بِصَاحِبِي ، وَهُوَ أَبْذَلُ النَّاسُ لِلْمَعْرُوفِ ، وَقَدْ يَئِسَ مِنِّي أَنْ أَفِدَ عَلَيْهِ لِمَا يَعْرِفُ مِنِ انْقِطَاعِي إِلَى جَبَلَةَ ، قَالَ : فَخَرَجْتُ فِي السَّنَةِ الَّتِي كُنْتُ أُقِيمُ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ ، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى الْحَارِثِ ، وَقَدْ هَيَّأْتُ لَهُ مَدِيحًا ، فَقَالَ لِي حَاجِبُهُ وَكَانَ لِي نَاصِحًا إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ سُرَّ بِقُدُومِكَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لا يَدَعُكَ حَتَّى تَذْكُرَ جَبَلَةَ ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَخْتَبِرُكَ ، وَإِنْ رَآكَ قَدْ وَقَعْتَ فِيهِ زَهِدَ فِيكَ ، وَإِنْ رَآكَ تَذْكُرُ مَحَاسِنَهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ ، فَلا تَبْتَدِئْ بِذِكْرِهِ ، وَإِنْ سَأَلَكَ عَنْهُ فَلا تُطْنِبْ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَلا تُعِبْهُ ، امْسَحْ ذِكْرَهُ مَسْحًا ، وَجَاوِزْهُ إِلَى غَيْرِهِ ، فَإِنَّ صَاحِبَكَ يَعْنِي جَبَلَةَ أَشَدُّ إِغْضَاءً عَنْ هَذَا مِنْ هَذَا ، أَيْ أَشَدُّ تَغَافُلا ، وَأَقَلُّ حَفَلا بِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَكَ أَعْقَلُ مِنْ هَذَا وَأَبْيَنُ ، وَلَيْسَ لِهَذَا بَيَانٌ ، فَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَسَوْفَ يَدْعُوكَ إِلَى الطَّعَامِ ، وَهُوَ رَجُلٌ يَثْقُلُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْكَلَ طَعَامُهُ ، وَلا يُبَالِي الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ ، وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْرَبَ شَرَابُهُ أَيْضًا ، فَإِذَا وُضِعَ طَعَامُهُ ، فَلا تَضَعْ يَدَكَ حَتَّى يَدْعُوكَ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِهِ بَعْضَ الإِصَابَةِ . قَالَ : فَشَكَرْتُ لِحَاجِبِهِ مَا أَمَرَنِي بِهِ . قَالَ : ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، فَسَأَلَنِي عَنِ الْبِلادِ وَعَنِ النَّاسِ ، وَعَنْ عَيْشِنَا بِالْحِجَازِ ، وَعَنْ رِجَالِ يَهُودَ وَكَيْفَ مَا بَيْنَنَا مِنْ تِلْكَ الْحُرُوبِ . فَكُلُّ ذَلِكَ أُخْبِرُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ جَبَلَةَ ، فَقَالَ كَيْفَ تَجِدُ جَبَلَةَ فَقَدِ انْقَطَعْتَ إِلَيْهِ وَتَرَكْتَنَا ؟ فَقُلْتُ : إِنَّمَا جَبَلَةُ مِنْكَ وَأَنْتَ مِنْهُ فَلَمْ أَجْرِ إِلَى مَدْحٍ وَلا عَيْبٍ ، وَجَازَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ : الْغَدَاءُ فَأُتِيَ بِالْغَدَاءِ ، وَوُضِعَ الطَّعَامُ ، فَوَضَعَ يَدَهُ فَأَكَلَ أَكْلا شَدِيدًا ، وَإِذَا رَجُلٌ جَبَّارٌ ، فَقَالَ بَعْدَ سَاعَةٍ : ادْنُ فَأَصِبْ مِنْ هَذَا . فَدَنَوْتُ فَخَطَطْتُ تَخْطِيطًا ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ كَثِيرٍ ، ثُمَّ رُفِعَ الطَّعَامُ وَجَاءَ وُصَفَاءُ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ ، مَعَهُمُ الأَبَارِيقُ فِيهَا أَلْوَانُ الأَشْرِبَةِ . وَمَعَهُمْ مَنَادِيلُ اللِّينِ فَقَامُوا عَلَى رُءُوسِنَا ، وَدَعَا أَصْحَابٌ بِرِابَطٍ مِنَ الرُّومِ فَأَجْلَسَهُمْ وَشَرِبَ فَأَلْهَوْهُ ، وَقَامَ السَّاقِي عَلَى رَأْسِي فَقَالَ : اشْرَبْ فَأَبَيْتُ حَتَّى قَالَ هُوَ : اشْرَبْ . فَشَرِبْتُ فَلَمَّا أَخَذَ فِينَا الشَّرَابُ أَنْشَدْتُهُ شِعْرًا فَأَعْجَبَهُ وَلَذَّ بِهِ ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ أَيَّامًا فَقَالَ لِي حَاجِبُهُ . إِنَّ لَهُ صَدِيقًا هُوَ أَخَفُّ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ جَاءَ ، فَإِذَا هُوَ جَاءَ جَفَاكَ وَخَلَصَ بِهِ ، وَقَدْ ذُكِرَ قُدُومُهُ ، فَاسْتَأْذِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ قَبِيحٌ أَنْ يَجْفُوكَ بَعْدَ الإِكْرَامِ ، وَالإِذْنِ الْيَوْمَ أَحْسَنُ . قُلْتُ : وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ : نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ . فَقُلْتُ لِلْحَارِثِ : إِنْ رَأَى الْمَلِكُ أَنْ يَأْذَنَ لِي فِي الانْصِرَافِ إِلَى أَهْلِي فَعَلَ . قَالَ : قَدْ أَذِنْتُ لَكَ ، وَأَمَرْتُ لَكَ بِخَمْسِ مِائَةِ دِينَارٍ وَكِسًى وَحِمْلانَ . فَقَبَضْتُهَا وَقَدِمَ النَّابِغَةُ وَخَرَجْتُ إِلَى أَهْلِي .