ذكر متمم واخباره وخبر مالك ومقتله واستطراد بقصه جذيمة والزباء


تفسير

رقم الحديث : 288

حَدَّثَنِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَى السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ الصَّقْعَبِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ بِلالٍ ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ ، عَنْ مِنْجَابِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ : بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ ، عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِالْبَحْرَيْنِ ، فَتَلاحَقَ بِهِ مَنْ لَمْ يَرْتَدَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَسَلَكَ بِنَا الدَّهْنَاءَ حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بُحْبُوحَتِهَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرِينَا آيَةً ، فَنَزَلَ الْعَلاءُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالنُّزُولِ ، فَنَفَرَتِ الإِبِلُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَمَا بَقِيَ بَعِيرٌ وَلا زَادٌ وَلا مَزَادٌ وَلا بِنَاءٌ ، يَعْنِي الْخِيَمَ قَبْلَ أَنْ يَحُطُّوا ، فَمَا عَلِمْتُ جَمْعًا هَجَمَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَمِّ مَا هَجَمَ عَلَيْنَا ، وَأَوْصَى بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ ، وَنَادَى مُنَادِي الْعَلاءِ : اجْتَمَعُوا ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِي ظَهَرَ فِيكُمْ وَغَلَبَ عَلَيْكُمْ ؟ فَقَالَ النَّاسُ : وَكَيْفَ نُلامُ وَنَحْنُ إِنْ بَلَغْنَا غَدًا لَمْ تَحْمُ شَمْسُهُ حَتَّى نَصِيرَ حَدِيثًا . فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، لا تُرَاعُوا ، أَلَسْتُمْ مُسْلِمِينَ ؟ أَلَسْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ أَلَسْتُمْ أَنْصَارَ اللَّهِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : فَأَبْشِرُوا ، فَوَاللَّهِ لا يَخْذُلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِكُمْ . وَنَادَى الْمُنَادِي بِصَلاةِ الصُّبْحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَصَلَّى بِنَا ، وَمِنَّا الْمُتَيَمِّمُ وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَزَلْ عَلَى طُهُورِهِ ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ ، وَجَثَا النَّاسُ مَعَهُ ، فَنَصَبَ فِي الدُّعَاءِ وَنَصَبُوا فَلَمَعَ لَهُمْ سَرَابٌ فَأَقْبَلَ عَلَى الدُّعَاءِ ، ثُمَّ لَمَعَ لَهُمْ آخَرُ كَذَلِكَ فَقَالَ الرَّائِدُ : مَاءٌ ، فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ فَمَشَيْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَيْهِ فَشَرِبْنَا وَاغْتَسَلْنَا ، فَمَا تَعَالَى النَّهَارُ حَتَّى أَقْبَلَتِ الإِبِلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَأَنَاخَتْ إِلَيْنَا ، فَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ إِلَى ظَهْرِهِ فَأَخَذَهُ ، فَمَا فَقَدْنَا سِلْكًا ، فَأَرْوَيْنَاهَا الْعَلَلَ بَعْدَ النَّهْلِ وَتَرَوَّيْنَا ثُمَّ تَرَوَّحْنَا . وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَفِيقِي ، فَلَمَّا غِبْنَا عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ قَالَ لِي : كَيْفَ عِلْمُكَ بِمَوْضِعِ ذَلِكَ الْمَاءِ ؟ فَقُلْتُ : أَنَا أَهْدَى النَّاسِ بِهَذِهِ الْبِلادِ . قَالَ : فَكِرَّ مَعِي حَتَّى تُقِيمَنِي عَلَيْهِ . فَكَرَرْتُ بِهِ فَأَنَخْتُ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ بِعَيْنِهِ ، فَإِذَا هُوَ لا غَدِيرَ بِهِ ، وَلا أَثَرَ لِلْمَاءِ . فَقُلْتُ لَهُ : وَاللَّهِ لَوْلا أَنِّي لا أَرَى الْغَدِيرَ لأَخْبَرْتُكَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَكَانُ ، وَمَا رَأَيْتُ بِهَذَا الْمَكَانِ مَاءً قَبْلَ ذَلِكَ . فَنَظَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَإِذَا إِدَاوَةٌ مَمْلُوءَةٌ فَقَالَ : يَا سَهْمُ ، هَذَا وَاللَّهِ الْمَكَانُ ، وَلِهَذَا رَجَعْتُ وَرَجَعْتُ بِكَ . وَمَلأْتُ إِدَاوَتِي هَذِهِ ، ثُمَّ وَضَعْتُهَا عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ مِنَّا مِنَ الْمَنِّ وَكَانَتْ آيَةً عَرَفْتُهَا ، وَإِنْ كَانَ غِيَاثًا عَرَفْتُهُ . فَإِذَا مَنٌّ مِنَ الْمَنِّ ، وَحَمِدْتُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا هَجَرَ فَأَرْسَلَ الْعَلاءُ إِلَى الْجَارُودِ وَرَجُلٍ أَنِ انْضَمَّا فِي عَبْدِ الْقَيْسِ حَتَّى تَنْزِلا عَلَى الْحُطَمِ مِمَّا يَلِيكُمَا . وَخَرَجَ هُوَ فِيمَنْ مَعَهُ وَفِيمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْزِلَ مِمَّا يَلِي هَجَرَ . وَتَجَمَّعَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ إِلَى الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ، ثُمَّ خَنْدَق الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَكَانُوا يَتَرَاوَحُونَ الْقِتَالَ ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى خَنْدَقِهِمْ ، فَكَانُوا كَذَلِكَ شَهْرًا . فَبَيْنَا النَّاسُ لَيْلَةَ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ ، فِي عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ ضَوْضَاءَ شَدِيدَةً ، فَكَأَنَّهَا ضَوْضَاءَ هَزِيمَةٍ . فَقَالَ الْعَلاءُ : مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَذَفٍ : أَنَا آتِيكُمْ بِخَبَرِ الْقَوْمِ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ عُجَلْيَةَ ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ خَنْدَقِهِمْ أَخَذُوهُ فَقَالُوا لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَانْتَسَبَ لَهُمْ وَجَعَل يُنَادِي يَا أَبْجَرَاهُ ، فَجَاءَ أَبْجَرُ بْنُ بُجَيْرٍ فَعَرَفَهُ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَالَ : لا أَضِيعَنَّ اللَّيْلَةَ بَيْنَ اللَّهَازِمِ ، عَلامَ أُقْتَلُ وَحَوْلِي عَسَاكِرُ مِنْ عِجْلٍ ، وَتَيْمُ اللاتِ ، وَعَنْزَةُ ، وَقَيْسٌ ؟ أَيَتَلاعَبُ بِي الْحُطَمُ وَنُزَّاعُ الْقَبَائِلِ وَأَنْتُمْ شُهُودٌ ؟ فَتَخَلَّصَهُ وَقَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنَّكَ بِئْسَ ابْنُ الأُخْتِ لأَخْوَالِكَ اللَّيْلَةَ . قَالَ : دَعْنِي مِنْ هَذَا وَأَطْعِمْنِي ، فَقَدْ مِتُّ جُوعًا . فَقَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا فَأَكَلَ ، ثُمَّ قَالَ : زَوَّدْنِي وَاحْمِلْنِي وَجَوِّزْنِي أَنْطَلِقُ إِلَى طَيَّتِي . وَيَقُولُ ذَلِكَ : لِرَجُلٍ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ ، فَفَعَلَ وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ وَزَوَّدَهُ وَجَوَّزَهُ . وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى دَخَلَ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ ، أَنَّ الْقَوْمَ سُكَارَى ، فَخَرَجَ الْقَوْمُ عَلَيْهِمْ حَتَّى اقْتَحَمُوا عَسْكَرَهُمْ ، فَوَضَعُوا فِيهِمِ السُّيُوفَ حَيْثُ شَاءُوا ، وَاقْتَحَمُوا الْخَنْدَقَ هِرَابًا ، فَمُتَرَدٍّ وَنَاجٍ ، وَدَهِشٌ وَمَقْتُولٌ ، وَمَأْسُورٌ . وَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا فِي الْعَسْكَرِ ، وَلَمْ يَفْلِتْ رَجُلٌ إِلا بِمَا عَلَيْهِ . فَأَمَّا أَبْجَرُ فَأَفْلَتَ ، وَأَمَّا الْحُطَمُ فَإِنَّهُ بُعِلَ وَدُهِشَ وَطَارَ فُؤَادُهُ ، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ وَالْمُسْلِمُونَ خِلالَهُمْ يَجُوسُونَهُمْ لِيَرْكَبَهُ ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ انْقَطَعَ ، فَمَرَّ بِهِ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ ، وَالْحُطَمُ يَسْتَغِيثُ وَيَقُولُ أَلا رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ يَعْقِلُنِي ؟ فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَعَرَفَهُ عَفِيفٌ فَقَالَ : أَبُو ضُبَيْعَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَعْطِنِي رِجْلَكَ أَعْقِلُكَ . فَأَعْطَاهُ رِجْلَهُ يَعْقِلُهَا فَنَفَحَهَا فَأَطَنَّهَا مِنَ الْفَخِذِ وَتَرَكَهُ ، فَقَالَ : أَجْهِزْ عَلَيَّ ، فَقَالَ : إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ لا تَمُوتَ حَتَّى أُمْضِكَ ، وَكَانَ مَعَ عَفِيفٍ عِدَّةً مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ فَأُصِيبُوا لَيْلَتَئِذٍ ، وَجَعَلَ الْحُطَمُ يَطْلُبُ مَنْ يَقْتُلَهُ ، يَقُولُ ذَلِكَ لِمَنْ لا يَعْرِفُهُ ، حَتَّى مَرَّ بِهِ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَعَرَفَهُ ، فَمَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ . فَلَمَّا رَأَى فَخِذَهُ نَادِرَةً . قَالَ : وَاسَوْأَتَاهُ ، لَوْ عَرَفْتُ الَّذِي بِهِ لَمْ أُحَرِّكْهُ . وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ ، بَعْدَ مَا أَحْرَزُوا الْخَنْدَقَ ، عَلَى الْقَوْمِ يَطْلُبُونَهُمْ ، فَاتَّبَعُوهُمْ فَلَحِقَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ أَبْجَرَ ، وَكَانَ فَرَسُ أَبْجَرَ أَقْوَى مِنْ فَرَسِ قَيْسٍ ، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ طَعَنَهُ فِي الْعُرْقُوبِ فَقَطَعَ الْعَصَبَ وَسَلَمَ النَّسَا . فَقَالَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ فِي ذَلِكَ : فَإِنْ يَرْقَإِ الْعُرْقُوبُ لا يَرْقَإِ النَّسَا وَمَا كُلُّ مَنْ يَبْقَى بِذَلِكَ عَالِمُ أَلَمْ تَرَ أَنَّا قَدْ فَلَلْنَا حُمَاتَهُمْ بِأَسْرَةِ عَمْرٍو وَالرَّبَابِ الأَكَارِمُ وَأَسَرَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، الْغَرُورَ بْنَ أَخِي النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، فَكَلَّمَتْهُ الرَّبَابُ فِيهِ وَكَانَ ابْنَ أُخْتِهِمْ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُجِيرَهُ ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى الْعَلاءِ قَالَ : إِنِّي أَجَرْتُهُ ، قَالَ : وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ : الْغَرُورُ . قَالَ الْعَلاءُ : أَنْتَ غَرَرْتَ هَؤُلاءِ ؟ قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي لَسْتُ بِالْغَرُورِ ، وَلَكِنِّي الْمَغْرُورُ . قَالَ : أَسْلِمْ ، فَأَسْلَمَ وَبَقِيَ بِهَجَرَ . وَكَانَ الْغَرُورُ اسْمَهُ ، لَيْسَ بِلَقَبٍ . وَقَتَلَ الْعَفِيفُ أَيْضًا الْمُنْذِرَ بْنَ سُوَيْدٍ أَخَا الْغَرُورِ لأُمِّهِ ، وَكَانَ لَهُ يَوْمَئِذٍ بَلاءٌ عَظِيمٌ فَأَصْبَحَ الْعَلاءُ يَقْسِمُ الأَنْفَالَ ، وَنَفَلَ رِجَالا مِنْ أَهْلِ الْبَلاءِ ثِيَابًا فَكَانَ فِيمَنْ نَفَلَ عَفِيفَ بْنَ الْمُنْذِرِ ، وَقَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ ، وَثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ . فَأَمَّا ثُمَامَةُ فَنُفِلَ ثِيَابًا فِيهَا خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلامٍ ، وَكَانَ الْحُطَمُ يُبَاهِي فِيهَا . وَبَاعَ الْبَاقِيَ ، وَهَرَبَ الْفَلُّ إِلَى دَارِينَ فَرَكِبُوا إِلَيْهَا السُّفُنَ ، فَجَمَعَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . بِهَا وَنَدَبَ الْعَلاءُ النَّاسَ إِلَى دَارِينَ ، وَخَطَبَهُمْ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَمَعَ لَكُمْ أَحْزَابَ الشَّيْطَانِ ، وَشُذَّاذَ الْحَرْبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ ، وَقَدْ أَرَاكُمْ مِنْ آيَاتِهِ فِي الْبَرِّ لِتَعْتَبِرُوا بِهَا فِي الْبَحْرِ ، فَانْهَضُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ ، ثُمَّ اسْتَعْرَضُوا الْبَحْرَ إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَدْ جَمَعَهُمْ بِهِ . فَقَالُوا : نَفْعَلُ وَلا نَهَابُ ، وَاللَّهِ بَعْدَ الدَّهْنَاءِ هَوْلا مَا بَقِينَا . فَارْتَحَلَ وَارْتَحَلُوا حَتَّى أَتَى سَاحِلَ الْبَحْرِ ، فَاقْتَحَمُوا عَلَى الْخَيْلِ ، هُمْ وَالْحَمُولَةُ وَالإِبِلُ وَالْبِغَالُ ، الرَّاكِبُ وَالرَّاجِلُ ، وَدَعَا وَدَعَوْا . وَكَانَ دُعَاؤُهُ هُوَ دُعَاؤُهُمْ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، يَا كَرِيمُ يَا حَلِيمُ ، يَا صَمَدُ يَا حَيُّ يَا مُحْيِي الْمَوْتَى ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ يَا رَبَّنَا . فَأَجَازُوا ذَلِكَ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ اللَّهِ يَمْشُونَ عَلَى مِثْلِ رَمْلَةٍ مَيْثَاءَ فَوْقَهَا مَاءٌ يَغْمُرُ أَخْفَافَ الإِبِلِ ، وَبَيْنَ السَّاحِلِ وَدَارِينَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِسُفُنِ الْبَحْرِ . وَوَصَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا فَمَا تَرَكُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِهَا مُخْبِرًا ، وَسَبَوُا الذَّرَارِيَّ ، وَاسْتَاقُوا الأَمْوَالَ . فَبَلَغَ مِنْ ذَلِكَ نَفْلُ الْفَارِسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِتَّةَ آلافٍ ، وَالرَّاجِلُ أَلْفَيْنِ ، فَلَمَّا فَرَغُوا رَجَعُوا عَوْدِهِمْ عَلَى بَدْئِهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَفِيفٌ : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ ذَلَّلَ بَحْرَهُ وَأَنْزَلَ بِالْكُفَّارِ إِحْدَى الْجَلائِلِ دَعَوْنَا الَّذِي شَقَّ الْبِحَارَ فَجَاءَنَا بِأَعْجَبَ مِنْ شَقِّ الْبِحَارِ الأَوَائِلِ وَأَقْفَلَ الْعَلاءُ النَّاسَ إِلا مَنْ أَحَبَّ الْمُقَامَ . فَاخْتَارَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الَّذِي نَفَلَهُ الْعَلاءُ خَمِيصَةَ الْحُطَمِ حِينَ نَزَلَ عَلَى مَاءٍ لِبَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَرَفُوا الْخَمِيصَةَ ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلا فَسَأَلُوهُ : أَهُوَ الَّذِي قَتَلَ الْحُطَمَ ؟ قَالَ : لا ، وَلَوَدَدْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ . قَالُوا : فَأَنَّى لَكَ حُلَّتَهُ ؟ قَالَ : نُفِلْتُهَا . قَالُوا : وَهَلْ يُنْفَلُ إِلا الْقَاتِلَ . قَالَ : إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَتْ فِي رَحْلِهِ . قَالُوا : كَذَبْتَ ، فَقَتَلُوهُ . وَكَانَ بِهَجَرَ رَاهِبٌ فَأَسْلَمَ فَقِيلَ لَهُ : مَا دَعَاكَ إِلَى الإِسْلامِ فَقَالَ : ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ ، خَشِيتُ أَنْ يَمْسَخَنِي اللَّهُ بَعْدَهَا إِنْ أَنَا لَمْ أَفْعَلْ : فَيْضٌ فِي الرِّمَالِ ، وَتَمْهِيدُ أَثْبَاجِ الْبُحُورِ ، وَدُعَاءٌ سَمِعْتُهُ فِي عَسْكَرِهِمْ فِي الْهَوَاءِ مِنَ السِّحْرِ . قَالُوا : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، لا إِلَهَ غَيْرَكَ ، وَالْبَدِيعُ لَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَالدَّائِمُ غَيْرُ الْغَافِلِ ، وَالْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، وَخَالِقُ مَا يُرَى ، وَمَا لا يُرَى وَكُلُّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ ، وَعَلِمْتَ اللَّهُمَّ كُلَّ شَيْءٍ بِغَيْرِ تَعْلِيمٍ . فَعَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يُعَاوَنُوا بِالْمَلائِكَةِ إِلا وَهُمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ . فَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُونَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْهَجَرِيِّ بَعْدُ . صَوْتٌ يَا خَلِيلَيَّ مِنْ مَلامٍ دَعَانِي وَأَلِمَّا الْغَدَاةَ بِالأَظْعَانِ لا تَلُومَا فِي آلِ زَيْنَبَ إِنَّ الْقَلْبَ رَهْنٌ بِآلِ زَيْنَبَ عَانِ لَمْ تَدَعْ لِلنِّسَاءِ عِنْدِي نَصِيبًا غَيْرَ مَا قُلْتُ مَازِحًا بِلِسَانِي الشِّعْرُ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَالْغِنَاءُ لِلْغَرِيضِ ، خَفِيفٌ رَمَلٌ بِالْبِنْصِرِ . وَهَذَا الشِّعْرُ يَقُولُهُ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ مُوسَى ، أُخْتِ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى الْجُمَحِيِّ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.