وَفِيمَا ذَكَرَ أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ رَوْحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، حَدَّثَنَا سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ رُومِيَّةَ ، قَالَ : أَتَانَا رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرُ خُمُوشٍ قَدْ بَقِيَتْ ، فَسَأَلْنَا : مَا هَذَا الَّذِي بِوَجْهِكَ ؟ ، فَقَالَ : " خَرَجْنَا فِي مَرْكَبٍ فَأَذْرَتْنَا الرِّيحُ إِلَى جَزِيرَةٍ ، فَلَمْ نَسْتَطِعْ نَبْرَحُ ، فَأَتَانَا قَوْمٌ وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ الْكِلابِ ، وَسَائِرُ خَلْقِهِمْ يُشْبِهُ خَلْقَ النَّاسِ ، فَسَبَقَ إِلَيْنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ ، وَوَقَفَ الآخَرُونَ عَنَّا ، فَسَاقَنَا الرَّجُلُ إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَإِذَا دَارٌ وَاسِعَةٌ وَفِيهَا قِدْرٌ نُحَاسٌ ، عَلَى أَثَافِيهَا ، وَحَوْلَهَا جَمَاجِمُ ، وَأَذْرُعٌ ، وَأَسْوُقُ النَّاسِ ، فَأُدْخِلْنَا بَيْتًا ، فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَنَا ، فَجَعَلَ يَأْتِينَا بِالطَّعَامِ وَالْفَوَاكِهِ ، فَقَالَ لِي ذَلِكَ الإِنْسَانُ : إِنَّمَا يُطْعِمُكُمْ هَذَا الطَّعَامَ ، فَمَنْ سَمِنَ مِنْكُمْ أَكَلَهُ ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِأَصْحَابِي ، قَالَ : فَكُنْتُ أُقْصِرُ عَنِ الأَكْلِ ، فَكَانَ كُلُّ مَنْ سَمِنَ مِنْ أَصْحَابِي ذَهَبَ بِهِ فَأَكَلَهُ ، حَتَّى بَقِيتُ أَنَا وَذَلِكَ الرَّجُلُ ، وَحَضَرَ لَهُمْ عِيدٌ ، فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ : حَضَرَ لَهُمْ عِيدٌ ، يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ بِأَجْمَعِهِمْ ، وَيُقِيمُونَ ثَلاثًا ، فَإِنْ يَكُ بِكَ نَجَاءٌ ، فَانْجُ ، فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ ذَهَبَتْ رِجْلايَ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَسْرَعُ شَيْءٍ طَلَبًا ، وَأَشَدُّهُ اسْتِنْشَاقًا لِرَائِحَةٍ ، وَأَعْرَفَهُ أَثَرَ الرَّجُلِ ، إِلا مَنْ دَخَلَ تَحْتَ شَجَرَةِ كَذَا ، وَالشَّجَرَةُ تَكْثُرُ فِي بِلادِهِمْ ، فَخَرَجْتُ أَسِيرُ اللَّيْلَ وَأَكْمُنُ النَّهَارَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ ، إِذَا هُمْ قَدْ جَاءُوا كَالْكِلابِ يَقُصُّونَ أَثَرِي ، فَمَرُّوا بِتِلْكَ الشَّجَرَةِ ، وَأَنَا فِيهَا ، فَانْقَطَعَ عَنْهُمُ الأَثَرُ فَرَجَعُوا ، فَلَمَّا جَاوَزُوا أَمِنْتُ وَخَرَجْتُ ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ ، إِذْ رُفِعَ لِي شَجَرَةٌ كَبِيرَةٌ ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا ، فَإِذَا بِهَا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْفَوَاكِهِ ، وَإِذَا تَحْتَ ظِلالِهَا رِجَالٌ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُ مِنْ صُورَةِ رِجَالٍ ، أَنْدِيَةً ، أَنْدِيَةً ، فَقَعَدْتُ إِلَى نَادٍ مِنْهُمْ ، فَجَعَلْتُ أُكَلِّمُهُمْ فَلا يَفْهَمُونَ كَلامِي ، وَلا أَفْهَمُ كَلامَهُمْ ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمْ ، إِذْ وَضَعَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى عَاتِقِي ، فَإِذَا هُوَ عَلَى رَقَبَتِي ، ثُمَّ لَوَى رِجْلَيْهِ عَلَيَّ ، ثُمَّ أَنْهَضَنِي ، فَجَعَلْتُ أُعَالِجُ لأَطْرَحَهُ ، فَخَمَشَ فِي وَجْهِي ، وَجَعَلَ يَدُورُ بِي عَلَى تِلْكَ الثِّمَارِ فَيَجْتَنِيهَا ، وَيُلْقِيهَا إِلَى أَصْحَابِهِ ، وَيَضْحَكُونَ ، فَلَمَّا غُمِيَ عَمَدْتُ إِلَى عِنَبٍ فَقَطَعْتُهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ إِلَى نَقْرَةٍ فِي صَخْرَةٍ فَعَصَرْتُهُ ، ثُمَّ تَرَكْتُهُ حَتَّى إِذَا غَلا كَرَعْتُ فِيهِ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ؟ ، فَقُلْتُ : اكْرَعْ ، فَكَرَعَ فِيهِ ، فَسَكِرَ ، فَتَحَلَّلَتَ رِجْلاهُ ، فَقَذَفْتُ بِهِ ، وَخَرَجْتُ ذَاهِبًا حَتَّى دَفَعْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهَا إِذَا نَاسٌ كَالأَشْبَارِ ، أَكْثَرُهُمْ عُورٌ ، فَاجْتَمَعَ عَلِيَّ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ يَسُوقُونِي إِلَى أَمِيرِهِمْ ، فَأَمَرَ بِي إِلَى الْحَبْسِ ، فَانْتَهُوا بِي إِلَى حَبْسٍ كَقَفَصِ الدَّجَاجِ ، فَلَمَّا أَدْخَلُونِي قُمْتُ فَكَسَرْتُهُ ، فَأَهْمَلُونِي ، فَكُنْتُ أَعِيشُ فِيهِمْ ، ثُمَّ إِذَا هُمْ يَسْتَعِدُّونَ لِلْقِتَالِ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : مَا هَذَا ؟ ، قَالُوا عَدُوٌّ يَأْتِينَا ، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ طَلَعَتِ الْفَرَاشُ ، فَإِذَا أَكْثَرُهُمْ عُورٌ ، فَأَخَذْتُ عَصًا ، فَشَدَدْتُ عَلَيْهَا فَطَارَتْ وَذَهَبَتْ عَنْهُمْ ، فَأَكْرَمُونِي ، وَعَظَّمُونِي ، فَاشْتَقْتُ إِلَى النِّسَاءِ ، فَقَالُوا : نُزَوِّجُكَ ، فَكُلَّمَا زَوَّجُونِي امْرَأَةً ، فَأَفْضَيْتُ إِلَيْهَا قَتَلْتُهَا ، فَقَالُوا : أَقِمْ عِنْدَنَا ، وَلا تُبَالِ بِقَتْلِهِنَّ ، فَعَمَدْتُ إِلَى جِذْعَيْنِ فَهَيَّأْتُهُمَا ، وَأَخَذْتُ حِبَالا مِنْ لِحَاءِ الشَّجَرِ ، ثُمَّ رَبَطْتُ الْجِذْعَيْنِ ، وَجَعَلْتُ فِيهِمَا طَعَامًا ، وَمَاءً ، وَرَكِبْتُ ، وَاقْتَنَعْتُ بِبَقِيَّةِ ثَوْبٍ مَعِي ، فَأَلْقَتْنِي الرِّيحُ إِلَيْكُمْ ، فَهَذِهِ الْخُمُوشُ مِمَّا حَدَّثْتُكُمْ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |