ذكر ارم ذات العماد


تفسير

رقم الحديث : 866

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، قَالَ : " إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، ابْنَ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِهِمْ ، لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهُ ، يُقَالُ لَهُ : الإِسْكَنْدَرُ ، وَكَانَ خَارِجِيًّا فِي قَوْمِهِ ، لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَلا مَوْضِعًا ، وَلَكِنَّهُ نَشَأَ فِي أَدَبٍ حَسَنٍ ، وَحِلْمٍ وَمُرُوَءةٍ وَعِفَّةٍ ، مِنْ لَدُنِ كَانَ غُلامًا إِلَى أَنْ بَلَغَ رَجُلا ، وَلَمْ يَزَلْ مُنْذُ نَشَأَ يَتَخَلَّقُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَيَسْمُو إِلَيْهَا فِي الأُمُورِ ، وَكَانَ قَدْ حَلَمَ حُلْمًا رَأَى بِهِ أَنَّهُ دَنَا مِنَ الشَّمْسِ ، حَتَّى أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا فِي شَرْقِهَا وَغَرْبِهَا ، فَلَمَّا قَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى قَوْمِهِ سَمَّوْهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ ، فَلَمَّا رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا بَعُدَتْ هِمَّتُهُ ، وَاشْتَدَّ أَمْرُهُ وَعَلا صَوْتُهُ ، وَعَزَّ فِي قَوْمِهِ ، وَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْهَيْبَةَ بِسَبَبِ مَا أَرَادَ بِهِ ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَأْيَهُ الإِسْلامُ ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ ، ثُمَّ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا ، فَأَسْلَمُوا عَنْوَةً مِنْ عِنْدِ آخِرِهُمْ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ ، فَبَنَوْا لَهُ مَسْجِدًا قَهْرًا ، فَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا أَنْ أَجَابُوهُ ، فَاسْتَعْمَلَهُمْ فِي بُنْيَانِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ جَمِيعًا ، لِمَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهَيْبَةِ وَالسُّلْطَانِ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَجَعَلُوا طُولَ الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ مِائَةِ ذِرَاعٍ ، وَعَرْضَهُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ ، وَعَرْضَ حَائِطِهِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا ، وَطُولٌ فِي السَّمَاءِ مِائَةُ ذِرَاعٍ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لا يَنْصِبُوا فِيهِ سَوَارِيَ ، قَالُوا لَهُ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، فَكَيْفَ لَهُ بِخَشَبٍ يَبْلُغُ مَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ ؟ فَقَالَ لَهُمْ : إِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ بُنْيَانِ الْحَائِطَيْنِ كَبَسْتُمُوهُ بِالتُّرَابِ ، حَتَّى يَسْتَوِيَ الْكَبْسُ مَعَ حِيطَانِ الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ ذَلِكَ ، فَرَضْتُمْ عَلَى الْمُوسِعِ قَدْرَهُ ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ قَدْرَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَقَطَعْتُمُوهُ مِثْلَ قِلامَةِ الظُّفُرِ ، ثُمَّ خَلَطْتُمُوهُ بِذَلِكَ الْكَبْسِ ، وَعَمِلْتُمْ لَهُ خَشَبًا مِنْ نُحَاسٍ تُذِيبُونَ ذَلِكَ ، وَأَنْتُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنَ الْعَمَلِ كَيْفَ شِئْتُمْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ ، فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ عَمِلْتُمْ طُولَ كُلِّ خَشَبَةٍ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا لِلْحَائِطَيْنِ مِنْهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَمِائَتَا ذِرَاعٍ لِمَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ ، لِكُلِّ حَائِطٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ ذِرَاعًا ، ثُمَّ تَدْعُونَ الْمَسَاكِينَ لِنَهْبِ ذَلِكَ التُّرَابِ ، فَيُسَارِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ مَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا ، فَهُوَ لَهُ ، فَأَخْرَجَ الْمَسَاكِينُ ذَلِكَ التُّرَابَ ، وَقَدِ اسْتَقَلَّ السَّقْفُ بِمَا فِيهِ ، وَاسْتَغْنَى الْمَسَاكِينُ ، فَجَنَّدَهُمْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، وَهُمْ أَوَّلُ جُنْدٍ اتَّبَعَهُ ، وَجَعَلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْنَادٍ ، فِي كُلِّ جُنْدٍ عَشَرَةُ آلافٍ ، ثُمَّ سَيَّرَهُمْ فِي الْبِلادِ ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْمَسِيرِ ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ وَأَهْلُ مَدِينَتِهِ ، فَقَالُوا : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، إِذًا نَنْشُدُكَ بِاللَّهِ لا تُؤْثِرُ عَلَيْنَا بِنَفْسِكَ غَيْرَنَا وَنَحْنُ ثَرْوَتُكَ ، وَفِينَا كَانَ مَسْقَطُ رَأْسِكَ ، وَنَشَأْتَ وُرُبِّيتَ ، وَهَذِهِ أَمْوَالُنَا وَأَنْفُسُنَا ، فَأَنْتَ الْحَكَمُ فِينَا ، وَهَذِهِ أُمُّكَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَهِيَ أَعْظَمُ الرَّأْيِ لِرَأْيِكُمْ ، وَلَكِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمَأْخُوذِ بِقَلْبِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ، وَيَرْفَعُ مِنْ خَلْقِهِ قَدَمًا لا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ ، وَلا مَا يُرَادُ بِهِ ، وَلَكِنْ هَلُمَّ مَعْشَرَ قَوْمِي ، فَادْخُلُوا هَذَا الْمَسْجِدَ ، فَأَسْلِمُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِكُمْ ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَخَافُوا عَلِيَّ فَتَهْلِكُوا ، ثُمَّ دَعَا دِهْقَانَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُ : عَمِّرْ مَسْجِدِي هَذَا ، وَعَزِّ عَنِّي أُمِّي ، فَكَانَ مِمَّا تَخَلَّفَهُ الدِّهْقَانُ بِهِ ، أَنَّهُ لَمَّا رَأَى شِدَّةَ وَجْدِ أُمِّهِ ، وَطُولَ بُكَائِهَا ، احْتَالَ لَهَا لِيُعَزِّيَهَا مَا أَصَابَ النَّاسَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلايَا ، فَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهَا ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ، لَمْ يُبْرِئْ أَحَدًا مِنَ الْبَلايَا وَالْمَصَائِبِ ، وَالْفَجْعَاتِ قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا ، ثُمَّ إِنَّهُ صَنَعَ عِيدًا عَظِيمًا ، وَكَانَ مِنْهُ حِيلَةً لَهَا ، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ فُلانًا الدِّهْقَانَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَحْضُرُوا عِيدَهُ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ فِيهِ النَّاسُ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ فُلانًا الدِّهْقَانُ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ لِتَحْضُرُوا عِيدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَأَسْرِعُوا إِلَيْهِ ، وَاحْذَرُوا أَنْ يَحْضُرَهُ إِلا رَجُلٌ عَرِيَ عَنِ الْمَصَائِبِ وَالْبَلايَا وَالْفَجْعَاتِ ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا لَمْ يَدْرِ النَّاسُ عَلَى مَا يَضَعُونَ أَمْرَهُ ، فَقَالُوا : هَذَا رَجُلٌ أَنْفَقَ ، فَعَظُمَتْ نَفَقَتُهُ ، ثُمَّ نَدِمَ وَأَدْرَكَهُ الْبُخْلُ فَتَدَارَكَ أَمْرَهُ ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أَنْ يُخْلُوهُ وَقَالُوا : مَنْ هَذَا الَّذِي عَرِيَ مِنَ الْبَلايَا ؟ أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي لَمْ يُفْجَعْ ، وَتُصِبْهُ الْمَصَائِبُ ؟ فَإِنَّ أَهْوَنَ النَّاسِ مُصِيبَةً لأَهْلِ الْمَوْتِ ، لأَنَّهُ أَمْرٌ شَامِلٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ، فَلا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَمُوتَ ، سِوَى مَصَائِبَ أُخْرَى ، وَرَزَايَا عِظَامٍ تَكُونُ مِمَّا كَتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا ، فَكُلُّ هَذَا تَسْمَعُ أُمُّ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَقَدْ مُلِئَتْ مِنْهُ عَجَبًا ، وَلَيْسَتْ تَدْرِي مَا يُرِيدُ الدِّهْقَانُ ، ثُمَّ إِنَّ الدِّهْقَانَ بَعَثَ مُنَادِيًا بَعْدَمَا تَكَلَّمَ النَّاسُ ، وَخَاضُوا فِيهِ فَأَذَّنَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ فُلانًا الدِّهْقَانَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ لِتَحْضُرُوا عِنْدَهُ يَوْمَ كَذَا ، فَلا يَحْضُرَنَّهُ إِلا رَجُلٌ قَدِ ابْتُلِيَ وَأُصِيبَ ، أَوْ فُجِعَ ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَحْضُرَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَرِي مِنَ الْبَلايَا ، لأَنَّهُ لا خَيْرَ فِيمَنْ لا يُصِيبُهُ الْبَلاءُ ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فَقَالُوا : هَذَا رَجُلٌ قَدْ بَخِلَ ، ثُمَّ نَدِمَ وَاسْتَحْيَى فَتَدَارَكَ رَأْيَهُ وَحَجَا عَيْبَهُ ، لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ خَطَبَهُمْ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي مَا جَمَعْتُكُمْ لِمَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأُكَلِّمَكُمْ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ فِيمَا لَحِقَنَا بِهِ مِنْ فَقْدِ صَاحِبِنَا وَفِرَاقِهِ ، إِنَّهُ عَمَدَ إِلَى أَعْظَمِ أَهْلِ الأَرْضِ حِلْمًا وَعِلْمًا ، وَحُكْمًا وَخَطَرًا ، وَأَبْعَدِهِمْ صَوْنًا ، وَأَشَدِّهُمْ حِيلَةً وَبَأْسًا ، وَقَلْبًا وَجَنَاحًا ، فَاجْتَلَحَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فِي مِثْلِ قِلَّتِنَا وَضَعْفِنَا ، وَحَاجَتِنَا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا عَظُمَتْ مُصِيبَةٌ عَلَيْنَا نَظَرْتُ فِي مَوَاقِعِ الْبَلاءِ ، فَوَجَدْتُ الْبَلاءَ لَنَا الأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ ، عَلَيْهِ السَّلامُ ، إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ، فَتَعَزَّيْتُ بِذَلِكَ ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَقُصَّ عَلَيْكُمْ هَذَا الْعَزاءَ لِتَصْبِرُوا وَتُسَلِّمُوا ، وَتَرْضَوْا بِقَضَاءِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَلَوْ نَظَرْتُمْ فِيمَا قَصَصْتُ عَلَيْكُمْ مَعَ مَوَاقِعِ الْبَلاءِ لَوَجَدْتُمْ أُعْظَمَهُ ، وَأَشَدَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ ، ثُمَّ خِيَارِ النَّاسِ بَعْدَهُمُ ، ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، أَوَّلَ خَلْقِهِ وَهُوَ خِيرَتُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلائِكَةً ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ ، وَأَكْرَمَهُ بِكَرَامَةٍ لَمْ يُكْرِمْهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ ، ثُمَّ ابْتَلاهُ بِأَعْظَمِ بَلِيَّةٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ حِينِ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَذَلِكَ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الَّتِي لا جُبْرَانَ لَهَا ، فَمَنْ مِثْلُ آدَمَ ، وَمَنْ هَذَا لَيْسَ لَهُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، وَعَزَاءٌ عَظِيمٌ بِآدَمَ ، ثُمَّ ابْتَلَى اللَّهُ مَنْ بَعْدَهُ بِالْحَرِيقِ وَالْجَلاءِ ، وَابْتَلَى إِسْحَاقَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالذَّبْحِ ، وَيَعْقُوبَ بِالْحُزْنِ ، وَالْبَلاءِ وَعَمَى الْبَصَرِ ، وَيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالرِّقِّ ، وَأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالسُّقْمِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ ، وَيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالذَّبْحِ ، وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْقَتْلِ ، وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالأَسْرِ ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرٌ لا يُحْصِيهِمْ إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلامِ عَارَضُوا كَلامَهُ وَأَجَابُوهُ ، فَأَحْسَنُوا إِجَابَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمُ : انْطَلِقُوا بِنَا نُعَزِّ أُمَّ الإِسْكَنْدَرِوس ، وَنَنْظُرُ كَيْفَ صَبْرُهَا ، فَإِنَّهَا أَعْظَمَتْ مُصِيبَةً فِي ابْنِهَا ، لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهَا ، قَالُوا لَهَا : هَلْ حَضَرْتِ الْجَمْعَ ، أَوْ سَمِعْتِ الْكَلامَ ؟ قَالَتْ لَهُمْ : مَا غَابَ عَنِّي مِنْ أَمْرِكُمْ شَيْءٌ ، وَلا سَقَطَ عَلَيَّ مِنْ كَلامِكُمْ شَيْءٌ ، وَمَا كَانَ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَعْظَمَ مُصِيبَةً فِي الإِسْكَنْدَرِوس مِنِّي ، وَلَقَدْ صَبَّرَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَضَّانِي ، وَرَبَطَ عَلَى قَلْبِي ، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَبْرَى ، وَعَزَائِي فِي الْقُوَّةِ وَالتَّسْلِيمِ بِقَدْرِ عِظَمِ مُصِيبَتِي ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَجْرِي ، وَثَوَابِي عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَكُمْ مِنَ الأَجْرِ بِقَدْرِ مَا رُزِيتُمْ مِنْ فَقْدِ أَخِيكُمْ ، بِأَنْ تُؤْجَرُوا عَلَى قَدْرِ مَا نَوَيْتُمْ فِي أُمِّهِ وَأَمَّلْتُمْ ، وَاللَّهُ يَأْجُرُنِي وَإِيَّاكُمْ ، وَيَغْفِرُ لِي وَلَكُمْ ، وَيَرْحَمُنِي وَإِيَّاكُمْ ، فَلَمَّا رَأَوْا حُسْنَ عَزَائِهَا ، وَصَبْرِهَا انْصَرَفُوا وَتَرَكُوهَا ، وَانْطَلَقَ ذُو الْقَرْنَيْنِ يَسِيرُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أَمْعَنَ فِي الْبِلادِ يَؤُمُّ الْغَرْبَ ، وَجُنُودُهُ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاكِينُ ، فَلَمَّا أَمْعَنَ فِي الْبِلادِ ، أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ : إِنَّكَ رَسُولِي يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِلَى جَمِيعِ الْخَلائِقِ ، مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ مِنْ مَطْلِعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا ، فَأَنْتَ رَسُولِي إِلَيْهِمْ ، وَحُجَّتِي عَلَيْهِمْ ، هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاكَ الَّتِي رَأَيْتَ ، وَقَدْ بَعَثْتُكَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ ، وَهُمْ سَبْعُ أُمَمٍ ، وَهُمْ جَمِيعُ خَلْقِي ، مِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الأَرْضِ كُلُّهُ " . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ، نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ ، وَزَادَ فِيهِ ، قَالَ : فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ حَتَّى قُبِضَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ عُمُرٌ ، وَقَدْ كَانَ بَلَغَ السِّنَّ ، وَأَدْرَكَهُ الْكِبَرُ ، وَكَانَ عَدَدَ مَا سَارَ فِي الْبِلادِ مِنْ يَوْمِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى قَبْضِهِ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.