حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا أَبُو غُنَيْمٍ سَعِيدُ بْنُ حُدَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ ، قَالَ : " لَمَّا أَسْكَنَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ وَحَوَّاءَ الْجَنَّةَ ، خَرَجَ آدَمُ يَطُوفُ فِي الْجَنَّةِ فَاغْتَنَمَ إِبْلِيسُ غَيْبَتَهُ ، فَأَقْبَلَ حَتَّى بَلَغَ الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ حَوَّاءُ ، فَصَفَّرَ بِقَصَبَةٍ مَعَهُ صَفِيرًا أَسْمَعَ حَوَّاءَ ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سَبْعُونَ قُبَّةً بَعْضُهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ ، فَأَشْرَفَتْ حَوَّاءُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ يُصَفِّرُ صَفِيرًا لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ مِنَ اللَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ ، حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْ حَوَّاءَ عُضْوٌ مَعَ آخَرَ إِلا تَخَلَّجَ ، فَقَالَتْ لَهُ حَوَّاءُ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ لَمَا أَقَصَرْتَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ قَدْ أَهْلَكْتَنِي ، فَنَزَعَ الْقَصَبَةُ ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَصَفَّرَ صَفِيرًا آخَرَ ، فَجَاءَ مِنَ الْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْحُزْنِ بِشَيْءٍ لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ ، حَتَّى قَطَّعَ فُؤَادَهَا بِالْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ ، فَقَالَتْ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ لَمَا قَصَرْتَ عَنِّي ، فَفَعَلَ فَقَالَتْ لَهُ حَوَّاءُ : مَا هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ ؟ أَخَذْتَنِي بِأَمْرِ الْفَرَحِ ، وَأَخَذْتَنِي بِأَمْرِ الْحُزْنِ ، قَالَ : ذَكَرْتُ مَنْزِلَكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ وَكَرَامَةَ اللَّهِ إِيَّاكُمَا ، فَفَرِحْتُ لَكُمَا لِمَكَانِكُمَا ، وَذَكَرْتُ أَنَّكُمَا تَخْرُجَانِ مِنْهَا فَبَكَيْتُ لَكُمَا ، وَحَزِنْتُ عَلَيْكُمَا ، أَلَمْ يَقُلْ لَكُمَا رَبُّكُمَا : مَتَى تَأْكُلانِ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ تَمُوتَانِ وَتَخْرُجَانِ مِنْهَا ؟ انْظُرِي يَا حَوَّاءُ إِلَيَّ ، فَإِذَا أَكَلْتُهَا فَإِنْ أَنَا مِتُّ أَوْ تَغَيَّرَ مِنْ خَلْقِي شَيْءٌ فَلا تَأْكُلِي مِنْهَا ، أُقْسِمُ لَكُمَا بِاللَّهِ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ أَكْلِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا لِكَيْمَا تَخْلُقَانِ كَخَلْقِهِ ، وَلا تُخْلُدَانِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنِّي لَكُمَا لِمَنَ النَّاصِحِينَ ، فَانْطَلَقَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى تَنَاوَلَ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ ، وَأَكَلَ مِنْهَا فَجَعَلَ يَقُولُ : يَا حَوَّاءُ ، هَلْ تَغَيَّرَ مِنْ خَلْقِي شَيْءٌ أَوْ هَلْ مِتُّ ؟ قَدْ أَخْبَرْتُكِ مَا أَخْبَرْتُكِ ، ثُمَّ أَدْبَرَ مُنْطَلِقًا ، وَأَدْبَرَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي يَطُوفُ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَوَجَدَهَا مُنْكَبَّةً عَلَى وَجْهِهَا حَزِينَةً ، فَقَالَ لَهَا آدَمُ : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَتَانِي النَّاصِحُ الْمُشْفِقُ ، فَقَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ : وَيْحَكِ لَعَلَّهُ إِبْلِيسُ الَّذِي حَذَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ ، قَالَتْ : يَا آدَمُ وَاللَّهِ لَقَدْ مَضَى إِلَى الشَّجَرَةِ فَأَكَلَ مِنْهَا وَأَنَا أَنْظُرُ ، فَمَا مَاتَ وَلا تَغَيَّرَ مِنْ جَسَدِهِ شَيْءٌ ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ تُدَلِّيهِ الْغُرُورَ حَتَّى مَضَى آدَمُ وَحَوَّاءُ إِلَى الشَّجَرَةِ ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى الثَّمَرَةِ لِيَأْخُذَهَا مِنَ الثَّمَرَةِ ، فَنَادَاهُ جَمِيعُ شَجَرِ الْجَنَّةِ يَا آدَمُ ، لا تَأْكُلْ مِنْهَا فَإِنَّكَ إِذَا أَكَلْتَهَا تُخْرَجُ مِنْهَا ، فَعَزَمَ آدَمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَأَخَذَ يَتَنَاوَلُ مِنَ الشَّجَرَةِ فَجَعَلْتِ الشَّجَرَةُ تَتَطَاوَلُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَمُدُّ يَدَهُ لِيَأْخُذَهَا فَلَمَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الشَّجَرَةِ اشْتَدَّتْ ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَخَذَهَا ، فَأَكَلَ مِنْهَا وَنَاوَلَ حَوَّاءَ فَأَكَلَتْ ، فَسَقَطَ عَنْهُمَا لِبَاسُ الْجَمَالِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ ، وَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ، فَابْتَدَرَا يَسْتَكِنَّانِ بِوَرِقِ الْجَنَّةِ يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرِقِ الْجَنَّةِ ، وَيَعْلَمُ اللَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا ، فَأَقْبَلَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَقَالَ : " يَا آدَمُ ، أَيْنَ أَنْتَ ؟ اخْرُجْ " ، فَقَالَ : يَا رَبِّ أَنَا ذَا أَسْتَحْيِي أَخْرُجُ إِلَيْكَ ، قَالَ : " فَلَعَلَّكَ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيتَ عَنْهَا ؟ " قَالَ : يَا رَبِّ هَذِهِ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي أَغْوَتْنِي ، قَالَ : فَمِنِّي تَخْتَبِئُ يَا آدَمُ ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لِي بَادٍ ، وَأَنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ فِي ظُلْمَةِ لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمَا مَلائِكَةً ، يَدْفَعُونَ فِي رِقَابِهِمَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ، فَوَقَعَا عُرْيَانَيْنِ ، وَإِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهُمَا ، بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَى إِبْلِيسَ مَا قَضَى ، وَعِنْدَ ذَلِكَ أُهْبِطَ إِبْلِيسُ مَعَهُمَا ، فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ فَأُهْبِطُوا جَمِيعًا .