باب صفة البحر والحوت وعجائب ما فيهما


تفسير

رقم الحديث : 859

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الآمُلِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سَامٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ : " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، قَالَ : كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَالِحًا ، وَكَانَ مِنَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ ضَخْمٍ ، وَكَانَ قَدْ مَلَكَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَكَانَ لَهُ خَلِيلٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُ زِيَافِيلُ ، وَكَانَ يَأْتِي ذَا الْقَرْنَيْنِ يَزُورُهُ ، فَبَيْنَا هُمَا ذَاتَ يَوْمٍ يَتَحَدَّثَانِ ، إِذْ قَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ : حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَتْ عِبَادَتُكُمْ فِي السَّمَاءِ ؟ قَالَ : فَبَكَى ، ثُمَّ قَالَ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، وَمَا عِبَادَتُكُمْ عِنْدَ عِبَادَتِنَا فِي السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ قِيَامٌ لا يَجْلِسُونَ أَبَدًا ، وَمِنْهُمْ سَاجِدٌ لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ أَبَدًا ، وَرَاكِعٌ لا يَسْتَوِي قَائِمًا أَبَدًا ، وَرَافِعٌ وَجْهَهُ لا يَطْرُقُ شَاخِصٌ أَبَدًا ، يَقُولُ : سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ، رَبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ ، رَبِّ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ . قَالَ : فَبَكَى ذُو الْقَرْنَيْنِ بُكَاءً شَدِيدًا ، ثُمَّ قَالَ : يَا زِيَافِيلُ ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَعِيشَ حَتَّى أَبْلُغَ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّي حَقَّ طَاعَتِهِ ، قَالَ : وَتُحِبُّ ذَلِكَ يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ زِيَافِيلُ : فَإِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَيْنًا تُسَمَّى عَيْنُ الْحَيَاةِ ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا شَرْبَةً لَمْ يَمُتْ أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ الْمَوْتَ . قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ مَوْضِعَ تِلْكَ الْعَيْنِ ؟ قَالَ زِيَافِيلُ : لا غَيْرَ أَنَّا نَتَحَدَّثُ فِيُ السَّمَاءِ أَنَّ لِلَّهِ ظُلْمَةٌ فِي الأَرْضِ لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلا جِنٌّ ، وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ فِي تِلْكَ الظُّلْمَةِ . قَالَ : فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عُلَمَاءَ أَهْلِ الأَرْضِ ، وَأَهْلَ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ ، وَآثَارَ النُّبُوَّةِ فَقَالَ : أَخْبِرُونِي ، هَلْ وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَفِيمَا عِنْدَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ ، وَالْعُلَمَاءِ قَبْلَكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَضَعَ عَلَى الأَرْضِ عَيْنًا سَمَّاهَا عَيْنَ الْحَيَاةِ ؟ قَالُوا : لا . قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : فَهَلْ وَجَدْتُمْ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ فِي الأَرْضِ ظُلْمَةً لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلا جِنٌّ ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ عَالِمٌ مِنْهُمْ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، لِمَ تَسْأَلُ عَنْ هَذَا ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَهُ زِيَافِيلُ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنِّي قَرَأْتُ وَصِيَّةَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَضَعَ فِي الأَرْضِ ظُلْمَةً لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : فَأَيْنَ وَجَدْتَهَا فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ : وَجَدْتُهَا عَلَى قَرْنِ الشَّمْسِ ، فَبَعَثَ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، فَحَشَرَ النَّاسَ ، وَالْفُقَهَاءَ وَالأَشْرَافَ وَالْمُلُوكَ ، ثُمَّ سَارَ يَطْلُبُ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ، فَسَارَ إِلَى أَنْ بَلَغَ طَرْفَ الظُّلْمَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَإِذَا الظُّلْمَةُ لَيْسَتْ بِلَيْلٍ ، وَهِيَ ظُلْمَةٌ تَفُورُ مِثْلَ الدُّخَانِ ، فَعَسْكَرَ ، ثُمَّ جَمَعَ عُلَمَاءَ أَهْلِ عَسْكَرِهِ ، فَقَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْلُكَ هَذِهِ الظُّلْمَةَ . فَقَالُوا : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُلُوكِ لَمْ يَطْلُبُوا هَذِهِ الظُّلْمَةَ فَلا تَطْلُبْهَا ، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَتَشَعَّبَ عَلَيْنَا مِنْهَا أَمْرٌ نَكْرَهُهُ ، وَيَكُونُ فِيهِ فَسَادُ أَهْلِ الأَرْضِ ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : لا بُدَّ أَنْ أَسْلُكَهَا ، فَخَرَّتِ الْعُلَمَاءُ سُجُودًا ، ثُمَّ قَالُوا : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُفَّ عَنْ هَذِهِ ، وَلا تَطْلُبْهَا ، فَإِنَّا لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا طَلَبْتَهَا ظَفِرْتَ بِمَا تُرِيدُ ، وَلَمْ يَسْخَطِ اللَّهُ عَلَيْنَا لَكَانَ ، وَلَكِنَّا نَخَافُ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنْ يَتَشَعَّبَ عَلَيْنَا مِنْهَا أَمْرٌ يَكُونُ فِيهِ فَسَادُ أَهْلِ الأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا . فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَهَا ، قَالُوا : فَشَأْنَكَ ، قَالَ : أَخْبِرُونِي أَيُّ الدَّوَابِّ بِاللَّيْلِ أَبْصَرُ ؟ قَالُوا : الْبِكَارَةُ ، فَأَرْسَلَ فَجُمِعَ لَهُ سِتَّةُ آلافِ فَرَسٍ أُنْثَى بِكَارَةٌ ، فَانْتَخَبَ مِنْ عَسْكَرِهِ سِتَّةَ آلافِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ ، فَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ فَرَسًا ، وَعَقَدَ لِلْخَضِرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُقَدِّمَتَهُ فِي أَلْفَيْ رَجُلٍ ، وَبَقِيَ هُوَ فِي أَرْبَعَةِ آلافِ رَجُلٍ ، وَقَالَ لِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ فِي الْعَسْكَرِ : لا تَبْرَحُوا عَسْكَرِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَإِنْ نَحْنُ رَجَعْنَا إِلَيْكُمْ وَإِلا ، فَارْجِعُوا إِلَى بِلادِكُمْ ، فَقَالَ الْخَضِرُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّكَ تَسْلُكُ ظُلْمَةً لا تَدْرِي كَمْ مَسِيرَتُهَا ، وَلا يُبْصِرُ بَعْضُنَا بَعْضًا ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالظُّلَلِ إِذَا أَصَابَتْنَا ؟ فَدَفَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى الْخَضِرِ خَرْزَةً حَمْرَاءَ ، فَقَالَ : إِذَا أَصَابَكُمُ الظُّلَلُ ، فَاطْرَحْ هَذِهِ الْخَرْزَةَ إِلَى الأَرْضِ ، فَإِذَا صَاحَتْ ، فَلْيَرْجِعْ أَهْلُ الظِّلالِ ، فَسَارَ الْخَضِرُ بَيْنَ يَدَيْ ذِي الْقَرْنَيْنِ يَرْتَحِلُ الْخَضِرُ ، وَيَنْزِلُ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، وَقَدْ عَرَفَ الْخَضِرُ مَا يَطْلُبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ يَكْتُمُ ذَلِكَ ، فَبَيْنَا الْخَضِرُ يَسِيرُ إِذْ عَارَضَهُ وَادٍ ، فَظَنَّ أَنَّ الْعَيْنَ فِي ذَلِكَ الْوَادِي ، فَلَمَّا أَتَى شَفِيرَ الْوَادِي ، قَالَ لأَصْحَابِهِ : قِفُوا ، وَلا يَبْرَحَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ مِنْ مَوْقِفِهِ ، وَرَمَى الْخَضِرُ بِالْخَرْزَةِ فَإِذَا هِيَ عَلَى حَافَةِ الْعَيْنِ ، فَنَزَعَ الْخَضِرُ ثِيَابَهُ ، ثُمَّ دَخَلَ الْعَيْنَ ، فَإِذَا مَاءٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَتَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ ، ثُمَّ رَمَى بِالْخَرْزَةِ نَحْوَ أَصْحَابِهِ فَوَقَعَتِ الْخَرْزَةُ ، فَصَاحَتْ فَرَجَعَ الْخَضِرُ إِلَى صَوْتِ الْخَرْزَةِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ فَرَكِبَ ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ : سِيرُوا بِسْمِ اللَّهِ . قَالَ : وَمَرَّ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، فَأَخْطَأَ الْوَادِيَ ، فَسَلَكُوا تِلْكَ الظُّلْمَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى ضَوْءٍ لَيْسَ بِضَوْءِ شَمْسٍ وَلا قَمَرٍ ، أَرْضٍ خَضْرَاءَ حَشَّاشَةٍ ، وَإِذَا فِي تِلْكَ الأَرْضِ قَصْرٌ : مَبْنِيٌّ طُولُهُ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ ، مُبَوَّبٌ ، لَيْسَ عَلَيْهِ أَبْوَابٌ ، فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِعَسْكَرِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ وَحْدَهُ حَتَّى نَزَلَ ذَلِكَ الْقَصْرَ ، فَإِذَا حَدِيدَةٌ قَدْ وُضِعَ طَرَفَاهَا عَلَى حَافَتَيِ الْقَصْرِ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا ، فَإِذَا طَائِرٌ أَسْوَدُ كَأَنَّهُ الْخُطَّافُ مَزْمُومٌ بِأَنْفِهِ إِلَى الْحَدِيدِ ، مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، قَالَ : فَلَمَّا سَمِعَ الطَّائِرُ خَشْخَشَةَ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ ، قَالَ الطَّائِرُ : مَا كَفَاكَ مَا وَرَاءَكَ حَتَّى وَصَلْتَ إِلَيَّ ؟ ، ثُمَّ قَالَ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ حَدِّثْنِي ، قَالَ : سَلْ مَا شِئْتَ ، قَالَ : هَلْ كَثُرَ بِنَاءُ الْجِصِّ وَالآجُرِّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ انْتِفَاضَةً انْتَفَخَ ، ثُمَّ انْتَفَضَ حَتَّى بَلَغَ ثُلُثَ الْحَدِيدَةِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ أَخْبِرْنِي ، قَالَ : سَلْ ، قَالَ : كَثُرَ شَهَادَاتُ الزُّورِ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ ، ثُمَّ انْتَفَخَ حَتَّى بَلَغَ ثُلُثَيِ الْحَدِيدَةِ . قَالَ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ حَدِّثْنِي ، هَلْ كَثُرَ الْمَعَازِفُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ حَتَّى مَلأَ الْحَدِيدَةَ سَدَّ مَا بَيْنَ جِدَارِيِ الْقَصْرِ ، قَالَ : فَفَرَقَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَرَقًا شَدِيدًا قَالَ الطَّائِرُ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، لا تَخَفْ حَدِّثْنِي ، قَالَ : سَلْ ، قَالَ : هَلْ تَرَكَ النَّاسُ شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ بَعْدُ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ ثَلاثًا ، ثُمَّ قَالَ : حَدِّثْنِي يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، قَالَ : سَلْ ، قَالَ : هَلْ تَرَكَ النَّاسُ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ بَعْدُ ، قَالَ : لا ، فَانْتَفَضَ ثَلاثًا ، ثُمَّ قَالَ : حَدِّثْنِي يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، قَالَ : سَلْ ، قَالَ : هَلْ تَرَكَ النَّاسُ الْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَعْدُ ؟ قَالَ : لا ، فَعَادَ الطَّائِرُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، اسْلُكْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ الَّتِي فِي أَعْلَى الْقَصْرِ ، قَالَ : فَسَلَكَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ ، وَهُوَ خَائِفٌ حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى صَدْرِ الدَّرَجَةِ ، إِذَا سَطْحٌ مَمْدُودٌ فِي وَادٍ عَلَيْهِ رَجُلٌ قَائِمٌ ، أَوْ مُتَشَبِّهٌ بِالرَّجُلِ ، شَابٌّ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ رَافِعٌ وَجْهَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى فِيهِ ، فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ ، فَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا صَاحِبُ الصُّورِ ، قَالَ : فَمَا بَالِي أَرَاكَ وَاضِعَ يَدِكَ عَلَى فِيكَ ، رَافِعَ وَجْهِكَ إِلَى السَّمَاءِ ؟ قَالَ : إِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ ، فَأَنَا انْتَظِرُ مِنْ رَبِّي أَنْ يَأْمُرَنِي أَنْ أَنْفُخَ ، ثُمَّ أَخَذَ صَاحِبُ الصُّورِ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، كَأَنَّهُ حَجَرٌ ، فَقَالَ : خُذْ هَذَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، فَإِنْ شَبِعَ هَذَا الْحَجَرُ شَبِعْتَ ، وَإِنْ جَاعَ جُعْتَ ، فَأَخَذَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الْحَجَرَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَحَدَّثَهُمْ بِالطَّيْرِ وَمَا قَالَ لَهُ ، وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ ، فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَهْلَ عَسْكَرِهِ ، فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الْحَجَرِ ، مَا أَمْرُهُ ؟ فَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ ، فَوَضَعُوا الْحَجَرَ فِي إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ ، ثُمَّ أَخَذُوا حَجَرًا مِثْلَهُ ، فَوَضَعُوهُ فِي الْكِفَّةِ الأُخْرَى ، فَإِذَا الْحَجَرُ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِثْلُ جَمِيعِ مَا وُضِعَ مَعَهُ حَتَّى وَضَعُوا مَعَهُ أَلْفَ حَجَرٍ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، انْقَطَعَ عِلْمُنَا دُونَ ذَلِكَ ، أَسِحْرٌ هَذَا أَمْ عِلْمٌ ؟ مَا نَدْرِي هَذَا ، قَالَ : وَالْخَضِرُ يَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ ، وَهُوَ سَاكِتٌ ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ لِلْخَضِرِ : هَلْ عِنْدَكَ مِنْ هَذَا عِلْمٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَخَذَ الْمِيزَانَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ أَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، فَوَضَعَهُ فِي إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ ، ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا مِنْ تِلْكَ الأَحْجَارِ مِثْلَهُ ، فَوَضَعَهُ فِي الْكِفَّةِ الأُخْرَى ، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ ، فَوَضَعَهُ مَعَ الْحَجَرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، ثُمَّ رَفَعَ الْمِيزَانَ ، فَاسْتَوَى ، قَالَ : فَخَرَّ الْعُلَمَاءُ سُجَّدًا ، وَقَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَا نَبْلُغُهُ . قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ لِلْخَضِرِ : فَأَخْبِرْنِي مَا هَذَا ؟ قَالَ الْخَضِرُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّ سُلْطَانَ اللَّهِ قَاهِرٌ لِخَلْقِهِ ، وَأَمْرُهُ نَافِذٌ فِيهِمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَلَى خَلْقَهُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، فَابْتَلَى الْعَالِمَ بِالْعَالِمِ ، وَابْتَلَى الْجَاهِلَ بِالْجَاهِلِ ، وَابْتَلَى الْجَاهِلَ بِالْعَالِمِ ، وَالْعَالِمَ بِالْجَاهِلِ ، وَإِنَّهُ ابْتَلانِي بِكَ ، وَابْتَلاكَ بِي ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : حَسْبُكَ ، قَدْ قُلْتَ فَأَخْبِرْنِي ، قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَكَ صَاحِبُ الصُّورِ ، أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَّبَ لَكَ الْبِلادَ ، وَأَعْطَاكَ مِنْهَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا ، وَأَوْطَأَكَ مِنْهَا مَا لَمْ يُوطِئْ أَحَدًا ، فَلَمْ تَشْبَعْ ، فَأَبَتْ نَفْسُكَ إِلا شَرَّهَا ، حَتَّى بَلَغْتَ مِنْ سُلْطَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ ، وَمَا لَمْ يَطْلُبْهُ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَكَ صَاحِبُ الصُّورِ ، فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ لا يَشْبَعُ أَبَدًا دُونَ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ ، قَالَ : فَهَوْنًا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : صَدَقْتَ يَا خَضِرُ فِي ضَرْبِ هَذَا الْمَثَلِ ، لا جَرَمَ لا أَطْلُبُ أَثَرًا فِي الْبِلادِ ، وَبَعْدَ مَسِيرِي هَذَا حَتَّى أَمُوتَ ، ثُمَّ ارْتَحَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ رَاجِعًا ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطِ الظُّلُمَاتِ وَطِئَ الْوَادِيَ الَّذِي كَانَ فِيهِ زَبَرْجَدٌ فَقَالَ الَّذِينَ مَعَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، مَا هَذَا الَّذِي تَحْتَكَ ، وَسَمِعُوا خَشْخَشَةً تَحْتَهُمْ ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ : خُذُوا فَإِنَّهُ مِنْ أَخَذَ نَدِمَ ، وَمَنْ تَرَكَ نَدِمَ ، فَأَخَذَ مِنْهُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ ، وَتَرَكَ عَامَّتُهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا ، فَلَمَّا خَرَجُوا فَإِذَا هُوَ زَبَرْجَدٌ ، فَنَدِمَ الآخِذُ وَالتَّارِكُ ، ثُمَّ رَجَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِهَا ، فَأَقَامَ بِهَا ، حَتَّى مَاتَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَحِمَ اللَّهُ أَخِي ذَا الْقَرْنَيْنِ ، لَوْ ظَفِرَ بِالزَّبَرْجَدِ فِي مَبْدَئِهِ مَا تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُخْرِجَهُ إِلَى النَّاسِ ، لأَنَّهُ كَانَ رَاغِبًا فِي الدُّنْيَا ، وَلَكِنَّهُ ظَفِرَ بِهِ ، وَهُوَ زَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا لا حَاجَةَ لَهُ فِيهَا " . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَبُو جَعْفَرٍ

ثقة

مَعْمَرِ بْنِ سَامٍ

صدوق حسن الحديث

أَبِي

ثقة حافظ إمام

سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ

مقبول

مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ

ثقة

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الآمُلِيُّ

مجهول الحال

Whoops, looks like something went wrong.