خلق ادم وحواء عليهما الصلاة والسلام


تفسير

رقم الحديث : 954

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَّاقُ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبُو هِشَامٍ الصَّنْعَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ ، رحمه الله تعالى ، يَقُولُ : " خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَمَا شَاءَ وَبِمَا شَاءَ فَكَانَ كَذَلِكَ ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ ، فَمِنْهُ لَحْمُهُ وَدَمُهُ وَشَعْرُهُ ، وَعَظْمُهُ وَجَسَدُهُ كُلُّهُ ، فَهَذَا بَدْءُ الْخَلْقِ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ آدَمَ ، ثُمَّ جُعِلَتْ فِيهِ النَّفْسُ ، فَبِهَا يَقُومُ ، وَيَقْعُدُ ، وَيَسْمَعُ ، وَيُبْصِرُ ، وَيَعْلَمُ مَا تَعْلَمُ الدَّوَابُّ ، وَيَتَّقِي مَا يَتَّقِي ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ الرُّوحَ ، فَبِهِ عَرَفَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَالرُّشْدَ مِنَ الْغَيِّ ، وَبِهِ حَذَرَ ، وَتَقَدَّمَ ، وَاسْتَتَرَ ، وَتَعَلَّمَ ، وَدَبَّرَ الأُمُورَ كُلَّهَا ، فَمِنَ التُّرَابِ يُبُوسَتُهُ ، وَمِنَ الْمَاءِ رُطُوبَتُهُ ، فَهَذَا بَدْءُ الْخَلْقِ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ آدَمَ بِمَا أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْفِطَرِ الأَرْبَعِ أَنْوَاعًا مِنَ الْخَلْقِ ، أَرْبَعَةً فِي جَسَدِ ابْنِ آدَمَ فَهِيَ قِوَامُ جَسَدِهِ وِمِلاكُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهِيَ الْمِرَّةُ السَّوْدَاءُ ، وَالْمِرَّةُ الصَّفْرَاءُ ، وَالدَّمُ ، وَالْبَلْغَمُ فَيُبُوسَتُهُ وَحَرَارَتُهُ مِنَ النَّفْسِ ، وَمَسْكَنُهَا فِي الدَّمِ ، وَبُرُوَدَتُهُ مِنْ قِبَلِ الرُّوحِ وَمَسْكَنُهُ فِي الْبَلْغَمِ ، فَإِذَا اعْتَدَلَتْ هَذِهِ الْفِطْرُ فِي الْجَسَدِ ، فَكَانَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُبَّمَا كَانَ جَسَدًا كَامِلا ، وَجِسْمًا صَحِيحًا وَإِنْ كَثُرَ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى صَاحَبْتِهِ عَلاهَا وَقَهَرَهَا ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا السَّقَمَ مِنْ نَاحِيَتِهِ ، وَإِنْ قَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ وَقَهَرَتْهُ وَمَالَتْ بِهِ فَضَعُفَ عَنْ قُوَّتِهَا ، وَعَجَزَ عَنْ طَاقَتِهَا ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا السَّقَمَ مِنْ نَاحِيَتِهِ ، وَالطَّبِيبُ الْعَالِمُ بِالدَّاءِ وَالدَّوَاءِ ، يَعْلَمُ الْجَسَدَ مِنْ حَيْثُ أَتَى سَقَمُهُ أَمِنْ نُقْصَانٍ أَمْ مِنْ زِيَادَةٍ ، وَيَعْلَمُ الدَّاءَ الَّذِي بِهِ يُعَالِجُهُ أَيَنْقُصُ مِنْهُ إِنْ كَانَ زَائِدًا ، أَوْ يَزِيدُ فِيهِ إِنْ كَانَ نَاقِصًا ، يُقِيمُهُ عَلَى فِطَرِهِ وَيُعَدِّلُهُ مَعَ أَقْرَانِهِ ، ثُمَّ تَصِيرُ كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ ، فِطَرًا بُنِيَ عَلَيْهَا أَخْلاقُ ابْنِ آدَمَ ، وَبِهَا يَعْرِفُ أَوْ يُعْرَفُ فَمِنَ الْيُبُوسَةِ الْعَزْمُ ، وَمِنَ الرُّطُوبَةِ اللِّينُ ، وَمِنَ الْحَرَارَةِ الْحِدَّةُ ، وَمِنَ الْبُرُودَةِ الأَنَاةُ ، فَإِنْ مَالَتْ بِهِ الْيُبُوسَةِ كَانَ عَزْمُهُ قَسَاوَةً ، فَإِنْ مَالَتْ بِهِ الرُّطُوبَةُ كَانَ لِينُهُ مَهَانَةً ، وَإِنْ مَالَتْ بِهِ الْحَرَارَةُ كَانَ حِدَّتُهُ طَيْشًا ، وَإِنْ مَالَتْ بِهِ الْبُرُودَةُ كَانَتْ أَنَاتُهُ رَيْنًا ، أَيَّ هَذِهِ الأَخْلاقُ زَادَ عَلَيْهَا عَلاهَا ، وَقَهَرَهَا وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْعَيْبَ مِنْ نَاحِيَتِهِ ، وَأَيُّهَا قَلَّ عَنْهَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ الأَخْلاقُ وَمَالَتْ بِهِ ، وَأَدْخَلَتْ عَلَيْهِ الْعَيْبَ مِنْ نَاحِيَتِهِ ، وَإِنِ اعْتَدَلَتْ أَخْلاقُهُ وَاسْتَقَامَتْ كَانَ عَازِمًا فِي أَمْرِهِ لَيِّنًا فِي عَزْمِهِ حَادًّا فِي لِينِهِ ، مُتَوَانِيًا فِي جَدِّهِ ، لا يَغْلِبُهُ خُلُقٌ مِنْ أَخْلاقِهِ ، وَلا يَمِيلُ بِهِ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ اسْتَكْثَرَ ، وَمِنْ أَيِّهَا شَاءَ أَقَلَّ ، وَمِنْ أَيِّهَا شَاءَ عَدَلَ يَعْلَمُ كُلَّ خَلْقٍ مِنْهَا إِذَا عَلا بِأَيِّ شَيْءٍ يَمْزِجُهُ ، فَأَخْلاقُهُ مُعْتَدِلَةٌ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ ، فَمِنَ التُّرَابِ قَسَاوَتُهُ ، وَحَصَرُهُ ، وَبُخْلُهُ وَفَظَاظَتُهُ ، وَنَدَمُهُ ، وَشُحُّهُ ، وَيَأْسُهُ ، وَقَنْطُهُ ، وَعَزْمُهُ ، وَإِصْدَادُهُ ، وَمِنَ الْمَاءِ لِينُهُ ، وَتَوَسُّعُهُ ، وَعَطَاؤُهُ ، وَكَرَمُهُ ، وَتَرَسُّلُهُ ، وَسَمَاحَتُهُ ، وَرَجَاؤُهُ ، وَاسْتِبْشَارُهُ وَقَبُولُهُ ، وَقُرْبُهُ ، فَإِذَا خَافَ ذُو الْعَقْلِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ يُبُوسَةُ التُّرَابِ وَتَمِيلَ بِهِ قَرَنَ بِكُلِّ خُلُقٍ مِنْهَا خُلُقًا مِنْ أَخْلاقِ الْمَاءِ يُقَوِّمُهُ ، فَقَرَنَ بِالْقَسَاوَةِ اللِّينَ ، وَبِالْحَصَرِ التَّوَسُّعَ ، وَبِالْبُخْلِ الْعَطَاءَ ، وَبِالْفَظَاظَةِ الْكَرَمَ ، وِبِالْبَرَمِ التَّرَسُّلَ ، وَبِالشُّحِّ السَّمَاحَ ، وَبِالْيَأَسِ الرَّجَاءَ ، وَبِالْقَنَطِ الاسْتِبْشَارَ ، وَبِالْعَزْمِ الْقَبُولَ ، وَبِالإِصْدَادِ الْقُرْبَ ، فَمِنَ النَّفْسِ حِدَّتُهُ ، وَخِفَّتُهُ ، وَشَهْوَتُهُ ، وَلَعِبُهُ وَلَهْوُهُ ، وَضَحِكُهُ ، وَسَفَهُهُ ، وَجِدُّهُ ، وَعُنْفُهُ ، وَخَوْفُهُ ، وَمِنَ الرُّوحِ حِلْمُهُ ، وَوَقَارُهُ ، وَعَفَافُهُ ، وَحَيَاؤُهُ ، وَبَهَاؤُهُ ، وَتَكَرُّمُهُ وَصِدْقُهُ ، وَرِفْقُهُ ، وَصَبْرُهُ فَإِذَا خَافَ ذُو الْعَقْلِ أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ نَفْسُهُ ، وَتَمِيلَ بِهِ أَلْزَمَ كُلَّ خُلُقٍ مِنْهَا خُلُقًا مِنْ أَخْلاقِ الرُّوحِ يُقَوِّمُهُ ، فَقَرَنَ بِالْحِدَّةِ الْحِلْمَ وَبِالْخِفَّةِ الْوَقَارَ ، وَبِالشَّهْوَةِ الْعَفَافَ ، وَبِاللَّعِبِ الْحَيَاءَ ، وَبِاللَّهْوِ النُّهَى ، وَبِالضَّحِكِ الْهَمَّ ، وَبِالسَّفَهِ التَّكَرُّمَ ، وَبِالْجَزَعِ الصِّدْقَ وَبِالْعُنْفِ الرِّفْقَ ، ثُمَّ يَجْمَعُ فِيهِ أَرْبَعَةً تُقْرَنُ إِلَى أَخْلاقِهِ ، الْغَضَبَ وَالرَّهْبَةَ وَالشَّهْوَةَ وَالرَّغْبَةَ ، ثُمَّ يَقْرِنُ إِلَيْهَا أَرْبَعَةً هِيَ قِوَامُهَا الإِيمَانَ ، وَالْهَوَى ، وَالرَّأْيَ ، وَالْعَقْلَ فَالْهَوَى يَدْعُو إِلَى الرَّدَى ، وَالإِيمَانُ يَنْهَاهُ ، وَبِالرَّأْيِ يُدَبِّرُ ابْنُ آدَمَ ، فَإِذَا دَعَاهُ إِلَيْهِ هَوَاهُ نَهَاهُ عَنْهُ إِيمَانَهُ ، ثُمَّ الْعَقْلُ رَأْسُ ذَلِكَ وَقِوَامُهُ ، فَإِنْ أَبَى الْعَقْلُ عَلَى الْهَوَى ، وَصَلُبَ لَهُ عَرَفَ مِنْ فَضْلِ مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ الإِيمَانُ عَلَى مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ الْهَوَى ، وَكَانَ الإِيمَانُ مُتَتَابِعًا ، وَكَانَ أَمْرُهُمَا جَامِعًا اسْتَكَانَ الْهَوَى عِنْدَ ذَلِكَ ، وَهُنَالِكَ يَقْوَى إِيمَانُ ابْنِ آدَمَ وَيَعْزِمُ أَمْرُهُ ، وَإِنْ ضَعُفَ الْعَقْلُ ، وَتَابَعَ الْهَوَى وَهَنَ الإِيمَانُ ، وَفَزِعَ الرَّأْيُ فَكَانَ مَتْرُوكًا لا عَمَلَ لَهُ وَهُنَالِكَ يَقْوَى الْهَوَى ، وَيَبْلُغُ حَاجَتَهُ وَبِالرَّأْيِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ابْنُ آدَمَ ، وَبِالْعَقْلِ يَعْتَبِرُ ، وَالْهَوَى يَدْعُوهُ وَالإِيمَانُ يَرْدَعُهُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْعَقْلُ وَنَهْيُ الإِيمَانِ ، كَانَ كَلامًا صَلِيبًا ، وَكَانَ أَمْرُهُمَا جَمِيعًا ، وَدَبَّرَ الرَّأْيُ لَهُمَا أُمُوُرَهُمَا ، وَكَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ وَزِيرًا ، ثُمَّ كَانَ الْهَوَى تَابِعًا إِذَا دُعِيَ إِلَى خَيْرٍ أَجَابَ مُذْعِنًا ، يَعْلَمُ أَنْ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الأَخْلاقِ مَا لا طَاقَةَ لَهُ بِهِ ، فَهُوَ تَارِكٌ لِشَهْوَتِهِ مَفَارِقٌ لأَخْلاقِهِ ، يَتَزَيَّنُ بِهَذِهِ الأَخْلاقِ لِصِحَّتِهَا ، وَهُوَ كَاذِبٌ لَوْ تَرَكَ هَوَاهُ فَارَقَ مَا هُوَ فِيهِ أَشَدَّ الْمُفَارَقَةِ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.