قَالَ الْفَقِيهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنُ رَجَاءٍ ، رَفَعَهُ إِلَى أَحْنَفَ بْنِ قَيْسٍ , قَالَ : وَأَنَا أُرِيدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَإِذَا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَنَا بِحَلْقَةٍ عَظِيمَةٍ ، فَإِذَا بِكَعْبِ الْأَحْبَارِ يُحَدِّثُ النَّاسَ ، وَيَقُولُ : " لَمَّا حَضَرَ آدَمَ قَالَ : يَا رَبُّ سَيَشْمَتُ بِي عَدُوِّي إِذَا رَآنِي مَيِّتًا ، وَهُوَ مُنْظَرٌ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا آدَمُ إِنَّكَ تَرِدُ الْجَنَّةَ ، وَيُؤَخَّرُ الْمَلْعُونُ إِلَى النَّظْرَةِ ، لِيَذُوقَ بِعَدَدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ أَلَمَ الْمَوْتِ ، ثُمَّ قَالَ آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ : صِفْ لِي كَيْفَ تُذِيقُهُ الْمَوْتَ ، فَلَمَّا وَصَفَهُ قَالَ آدَمُ : رَبِّ حَسْبِي حَسْبِي ، فَضَجَّ النَّاسُ ، وَقَالُوا : يَا أَبَا إِسْحَاقَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ حَدِّثْنَا كَيْفَ يَذُوقُ الْمَوْتَ ، فَأَبَى أَنْ يَقُولَ : فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ إِذَا كَانَ آخِرُ الدُّنْيَا وَقَرُبَتِ النَّفْخَةُ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَهُمْ يَتَخَاصَمُونَ وَيَتَّجِرُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ إِذَا هُمْ بِهَدَّةٍ عَظِيمَةٍ يُصْعَقُ فِيهَا نِصْفُ الْخَلَائِقِ ، فَلَا يُفِيقُونَ مِنْهَا مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي مِنَ النَّاسِ تُذْهَلُ عُقُولُهُمْ فَيَبْقَوْنَ مُدْهَشِينَ ، قِيَامًا عَلَى أَرْجُلِهِمْ كَالْغَنَمِ الْفَزِعَةِ حِينَ تَرَى سَبْعًا ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ فِي هَذَا الْهَوْلِ إِذَا هُمْ بِهَدَّةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ غَلِيظَةٍ كَصَوْتِ الرَّعْدِ الْقَاصِفِ ، فَلَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدٌ إِلَّا مَاتَ فَتَفْنَى الدُّنْيَا وَلَا يَبْقَى آدَمِيٌّ ، وَلَا جِنِّيٌّ ، وَلَا شَيْطَانٌ ، وَلَا وَحْشٌ ، وَلَا دَابَّةٌ ، فَهَذِهِ النَّظْرَةُ الْمَعْلُومَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبَيْنَ إِبْلِيسَ ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَكِ الْمَوْتِ : إِنِّي خَلَقْتُ لَكَ بِعَدَدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ أَعْوَانًا وَجَعَلْتُ فِيكَ قُوَّةَ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ ، وَإِنِّي أُلْبِسُكَ الْيَوْمَ أَثْوَابَ الْغَضَبِ وَالسَّخَطِ كُلَّهَا الْمَوْتُ مَرَارَةُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ، وَلْيَكُنْ مَعَكَ مِنَ الزَّبَانِيَةِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ قَدِ امْتَلَأُوا غَيْظًا وَغَضَبًا ، وَلْيَكُنْ مَعَ كُلِّ زَبَانِيَةٍ سِلْسِلَةٌ مِنْ سَلَاسِلِ لَظَى ، وَانْزَعْ رُوحَهُ الْمُنْتِنَ بِسَبْعِينَ أَلْفِ كَلَّابَةٍ مِنْ كَلَالِيبِ لَظَى وَنَادِ مَالِكًا لِيَفْتَحَ أَبْوَابَ النِّيرَانِ فَيَنْزِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ بِصُورَةٍ لَوْ نَظَرَ إِلَيْهِ أَهْلُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ لَذَابُوا كُلُّهُمْ مِنْ هَوْلِ رُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى إِبْلِيسَ وَزَجَرَهُ زَجْرَةً إِذْ هُوَ صُعِقَ مِنْهَا ، وَنُخِرَ نَخْرَةً لَوْ سَمِعَهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَصُعِقُوا مِنْ تِلْكَ النَّخْرَةِ وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَقُولُ : قِفْ يَا خَبِيثُ لَأُذِيقَنَّكَ الْيَوْمَ الْمَوْتَ بِعَدَدِ مَنْ أَغْوَيْتَ ، كَمْ مِنْ عُمْرٍ أَدْرَكْتَهُ وَكَمْ مِنْ قُرُونٍ أَضْلَلْتَ ، وَكَمْ مِنْ قُرَنَاءَ لَكَ بِسَوَاءِ الْجَحِيمِ يُقَارِنُوكَ ، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ ، وَإِلَى أَيْنَ تَهْرَبُ فَيَهْرَبُ الشَّيْطَانُ إِلَى الْمَشْرِقِ ، فَإِذَا هُوَ بِمَلَكِ الْمَوْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَيَغَوصُ فِي الْبِحَارِ ، فَإِذَا هُوَ بِمَلَكِ الْمَوْتِ فَتَرْمِيهِ الْبِحَارُ فَلَا تَقْبَلُهُ فَلَا يَزَالُ يَهْرُبُ فِي الْأَرْضِ وَلَا مَحِيصَ وَلَا مَلْجَأَ لَهُ وَلَا مَنْجَا ، ثُمَّ يَقُومُ فِي وَسَطِ الدُّنْيَا عِنْدَ قَبْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيَقُولُ : مِنْ أَجْلِكَ يَا آدَمُ حُوِّلْتُ مَلْعُونًا رَجِيمًا فَيَا لَيْتَكَ لَمْ تُخْلَقْ ، فَيَقُولُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ : بِأَيِّ كَأْسٍ تَسْقِينِي ؟ يَعْنِي بِأَيِّ عَذَابٍ تَقْبِضُ رُوحِي ، فَيَقُولُ مَلَكُ الْمَوْتِ : بِكَأْسِ أَهْلِ لَظَى يَعْنِي مِثْلَ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ ، وَبِكَأْسِ أَهْلِ سَقَرَ ، وَبِكَأْسِ أَهْلِ الْجَحِيمِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ، قَالَ : وَإِبْلِيسُ يَتَمَرَّغُ فِي التُّرَابِ مَرَّةً ، وَيَصِيحُ أُخْرَى ، وَيَهْرَبُ مَرَّةً مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَمِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُهْبِطَ فِيهِ يَوْمَ لُعِنَ ، وَقَدْ نَصَبَتْ لَهُ الزَّبَانِيَةُ الْكَلَالِيبَ ، وَصَارَتِ الْأَرْضُ كَالْجَمْرَةِ وَتَحْتَوِشُهُ الزَّبَانِيَةُ ، فَيَطْعَنُونَهُ بِالْكَلَالِيبِ ، فَيَكُونُ فِي النِّزَاعِ وَالْعَذَابِ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَيُقَالُ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ : اطَّلِعَا الْيَوْمَ عَلى عَدُوِّكُمَا ، وَانْظُرَا مَا نَزَلَ بِهِ كَيْفَ يَذُوقُ الْمَوْتَ ، فَيَطَّلِعَانِ ، فَإِذَا نَظَرَا إِلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ وَالْمَوْتِ قَالَا : رَبَّنَا قَدْ أَتْمَمْتَ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ .