الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ما كان منها لله


تفسير

رقم الحديث : 110

قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، ، قَالَ . ح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ ، قَالَ . ح يَعْقُوبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ ؟ أَوْ أُقَيِّدُ وَأَتَوَكَّلُ ؟ قَالَ : " بَلْ قَيِّدْ ، وَتَوَكَّلْ " ، قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الزَّاهِدُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَصْلُ التَّوَكُّلِ السُّكُونُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ سَكَنَ مِنْهُ الاضْطِرَابُ ، وَسَقَطَ عَنْهُ السُّكُونُ إِلَى الأَبْوَابِ . وَمَنْ صَحَّ تَوَكُّلُهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى فَوَاتِ حَظِّهِ ، وَلا إِلَى إِصَابَتِهِ ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الأَمْرَانِ جَمِيعًا ، لأَنَّهُ إِنَّمَا تَوَكَّلَ عَلَى مَا سَبَقَ ، وَسَكَنَ إِلَيْهِ ، وَهُوَ لا يَدْرِي مَاذَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ : فَوَاتُ حَظِّهِ ، أَوْ إِصَابَتُهُ فَأَمَّا مَنْ تَوَكَّلَ لِتَحَرُّزٍ مِنْ فَوْتِ مَا عِنْدَهُ أَوْ نَيْلِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَلَيْسَ بِمُتَوَكِّلٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، أَوَقَدْ يَجُوزُ فِي قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَوْتُ مَا عِنْدَهُ ، وَحِرْمَانُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ، وَلا مَرَدَّ لِقَضَاءِ اللَّهِ ، وَلا رَادَّ لِحُكْمِهِ ، فَسَوَاءٌ تَوَكَّلَ أَوْ تَمَسَّكَ بِالسَّبَبِ ، وَاخْتَلَطَ فِي الطَّلَبِ ، أَلا يَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا رَزَقَ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا " ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّيْرَ لا تَوَكُّلَ لَهَا ، وَلَكِنَّهَا لا تَلْتَفِتُ إِلَى فَوَاتٍ أَوْ نَيْلٍ ، فَقَالَ : لَوْ كُنْتُمْ كَذَلِكَ غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ إِلَى الأَسْبَابِ وَلا مُتَعَلِّقِينَ بِهَا ، وَلا مُضْطَرِّينَ فِيمَا تُكِفِّلَ لَكُمْ مِنْ أَرْزَاقِكُمْ لأَدْرَكْتُمْ مَا قُسِمَ لَكُمْ مِنْ غَيْرِ حَرْثٍ ، وَلا زَرْعٍ ، وَلا تَكَلُّفٍ ، فَأَمَّا التَّحَرُّزُ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ وَالْمَكَارِهِ وَحِفْظِ الْحُظُوظِ وَنَيْلِهَا ، فَإِنَّهَا مَأْذُونٌ فِيهَا غَيْرُ مَدْعُوٍّ إِلَيْهَا ، إِلا مَا كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلأَغْيَارِ ، وَصَوْنًا لِلدِّينِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ السَّابِقِينَ قَالَ : " هُمُ الَّذِينَ لا يَرْقُونَ ، وَلا يَسْتَرْقُونَ ، وَلا يَكْوُونَ ، وَلا يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " وَقَدْ رَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَّمَ الْمَعَاوِذَ ، وَكَوَى سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : " لا تَلُومُنَّ فِي أَبِي أُمَامَةَ " يَعْنِي سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ فَكَوَاهُ ، يَعْنِي : لأُعْزَرَنَّ فِيهِ ، فَأَخْبَرَ أَنَّ التَّوَكُّلَ رَفْضُ هَذِهِ الأَسْبَابِ ، لأَنَّ الرُّقَى وَالْكَيَّ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلانِ رَجَاءَ الْعَافِيَةِ ، وَالْمُتَوَكِّلُ لا يُبَالِي بِالْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ ، وَإِنَّمَا يَخْتَارُ مَا يَكُونُ مَا لا يُرِيدُ ، وَيَكُونُ سُكُونُهُ إِلَى مَا سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صِحَّةٍ ، أَوْ مَرَضٍ ، أَوْ نَيْلٍ ، أَوْ فَوَاتٍ ، فَإِنَّهَا الأَسْبَابُ الَّتِي جَاءَ التَّرْغِيبُ فِيهَا مِنَ الْمَكَاسِبِ وَالْحِرَفِ وَالتِّجَارَاتِ ، فَعَلَى شَرْطِ التَّعَاوُنِ نَصَحَ ، وَالْمُتَوَكِّلُ يَفْعَلُ هَذِهِ كُلَّهَا لا يَجْتَرُّ بِهَا نَفْعًا إِلَى نَفْسِهِ ، لَكِنْ لِيَنْفَعَ الأَغْيَارَ ، وَيَصُونَ بِهِ عِرْضَهُ وَدِينَهُ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلالا اسْتِعْفَافًا عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَسَعْيًا عَلَى عِيَالِهِ ، وَتَعَطُّفًا عَلَى جَارِهِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَمَنْ طَلَبَهَا حَلالا مُكَاثِرًا مُفَاخِرًا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ " فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ تَنَاوُلَ الأَسْبَابِ لِصَوْنِ الدِّينِ وَالْعِرْضِ ، وَنَفْعِ الْغَيْرِ ، فَأَمَّا مَا يُتَحَرَّزُ بِهِ مِنَ الآفَاتِ فَهُوَ غَيْرُ مُعَوَّلٍ إِلَيْهَا إِلا أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهَا إِلا مَا يُتَحَرَّزُ بِهِ مِنْ آفَاتِ الأَغْيَارِ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَيِّدْ وَتَوَكَّلْ " ، إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ التَّوَكُّلَ ، لِئَلا تَفُوتَهُ فَائِتَةٌ ، وَكَانَ تَوَكُّلُهُ لِتَحَرُّزٍ مِنَ الآفَةِ لا سُكُونٍ إِلَى الْمُقَدَّرِ ، فَاحْتَاطَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّحَرُّزِ ، فَقَالَ : قَيِّدْ لِتَبْلُغَ الْعُذْرَ فِي التَّحَرُّزِ ، وَتَوَكَّلْ لِئَلا تُؤْتَى إِنْ أُتِيتَ مِنْ جِهَةِ الْخِلافِ ، وَهُوَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى فِعْلِكَ وَتَحَرُّزِكَ ، فَيَكُونَ قَدْ أَحْكَمْتَ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، وَكَذَا الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْتَشَارٍ أَنْ يَحْتَاطَ إِلَى الْمُسْتَشِيرِ ، وَيَدُلَّ عَلَى أَحْكَمِ الأُمُورِ ، وَأَوْثَقِ الأَسْبَابِ ، وَأَبْعَدِهَا عَنْ مَوَاضِعِ التَّلَفِ ، لأَنَّ الْمُسْتَشِيرَ طَالِبٌ لِلأَرْفَقِ بِهِ مُؤْثِرٌ لَهُ ، خَائِفٌ مِنْ ضِدِّهِ ، لَمْ يَسْتَكْمِلْ قُوَّةَ التَّوَكُّلِ وَالسُّكُونِ إِلَى مَا قُدِّرَ لَهُ ، فَهُوَ كَالْمُضْطَرِبِ فِيهِ . أَلا يَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : " أَبْقِ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ " ، وَقَالَ لِبِلالٍ : " أَنْفِقْ بِلالُ ، وَلا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلالا " ، وَقَالَ لَهُ لَمَّا خَبَّأَ لَهُ شَيْئًا : " أَمَا تَخْشَى أَنْ يُخْسَفَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " ، وَكَانَ خَبَّأَ لَهُ شَيْئًا مِنْ تَمْرٍ ، لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُسْتَكْمِلَ التَّوَكُّلِ سَاكِنًا إِلَى مَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ مُضْطَرِبٍ فِيهِ ، وَلا مُلْتَفِتٍ إِلَى نَفْسِهِ ، بَلْ كَانَ نَظَرُهُ إِلَى مَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ رِفْقُهُ أَوْ غَيْرُهُ , وَعَلِمَ مِنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَيْلا إِلَى رِفْقِهِ وَإِيثَارًا لِحَظِّهِ ، فَقَالَ لَهُ : " أَبْقِ بَعْضَ مَالِكَ " لِئَلا يَضْطَرِبَ سِرُّهُ ، وَكَذَلِكَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ حِينَ قَالَ : أُقَيِّدُ وَأَتَوَكَّلُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : بِأَيِّهِمَا أَحْتَاطُ لِنَفْسِي بِالْقَيْدِ أَوْ بِالتَّوَكُّلِ ؟ فَقَالَ : بِكِلا الأَمْرَيْنِ لِيَتِمَّ سُكُونُكَ ، وَلا يَضْطَرِبَ سِرُّكَ .

الرواه :

الأسم الرتبة
عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ

صحابي

جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو

ثقة

يَعْقُوبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ

مقبول

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ

مقبول

إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ،

صدوق حسن الحديث

Whoops, looks like something went wrong.