وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، ح نَصْرٌ . ح عَمَّارٌ . ح سَلَمَةُ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ سَيِّدِ الأَنْصَارِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ ، وَيَظْهَرُ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا " ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ ، فَإِذَا كَانَتِ الشُّهَدَاءُ أَحْيَاءً ، فَالأَنْبِيَاءُ أَوْلَى وَأَحَقُّ . وَتَأْوِيلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ هَذَا فِي الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ سورة المائدة آية 116 ، مَعْنَاهُ يَقُولُ اللَّهُ ، فَلَيْسَ يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ ، لأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَا تُحِبُّ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ ؟ قَالَ : أُحِبُّ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا ، فَأُقَاتِلَ فِيكَ " ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا دُنْيَا ، وَقَدْ بَادَتِ الدُّنْيَا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَزَالَ الإِخْبَارُ ، وَالابْتِلاءُ ، وَالأَمْرُ ، وَالنَّهْيُ ، وَالْقِتَالُ ، وَالْجِهَادُ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : رُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا ، فَأُقَاتِلَ فِيكَ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبْتَ ، وَأَنَّ الْقِتَالَ قَدْ رُفِعَ ، فَصَحَّ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا كَانَ وَالدُّنْيَا بَاقِيَةٌ ، وَالْقِتَالُ وَاجِبٌ ، وَالْجِهَادُ قَائِمٌ ، فَإِذَا جَاءَ حَيَاةُ الشُّهَدَاءِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، جَازَ حَيَاةُ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ، وَالْحَيُّ يَذْكُرُ اللَّهَ ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : " يُصَلِّي " عَلَى حَقِيقَةِ الصَّلاةِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ، لأَنَّهُ بَعْدُ فِي الدُّنْيَا ، وَالدُّنْيَا دَارُ تَعَبُّدٍ ، لأَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا تَرْتَفِعُ الْعِبَادَاتُ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ دَارُ الثَّوَابِ ، وَفِي الآخِرَةِ الَّتِي لا زَوَالَ لَهَا ، وَلا انْتِقَالَ لأَهْلِهَا . أَلا تَرَى أَنَّ السَّمَاوَاتِ مَكَانُ الْعِبَادَاتِ لِلْمَلائِكَةِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى مَرَّ بِهِ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، وَهُوَ حَيٌّ قَائِمٌ يُصَلِّي عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي قَبْرِهِ ، وَقَدْ فُسِحَ لَهُ قَبْرُهُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا هِيَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ " ، فَكَانَ قَبْرُ مُوسَى رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي الأَرْضِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ ، كَمَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرِهِ ، رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ رَأَى مُوسَى فِي بَعْضِ السَّمَاوَاتِ ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ ؟ قِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ حِينَ مَرَّ بِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ، ثُمَّ رُفِعَ قَبْلَهُ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَرَآهُ فِيهَا ، وَرَاجَعَهُ فِي أَمْرِ الصَّلاةِ حِينَ فُرِضَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ صَلاةً ، فَمَا زَالَ مُوسَى يُرَاجِعُهُ فَهَا حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ عِنْدَ أَهْلِهِ فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ ، أَوْ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَرُدَّ قَبْلَ الصُّبْحِ إِلَى بَيْتِهِ ، فَكَذَلِكَ مُوسَى كَانَ فِي الأَرْضِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ حِينَ مَرَّ بِهِ ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ ، فَرَاجَعَهُ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَمُتْ ، عَلَى الْحَقِيقَةِ ، بَلْ يَكُونُ صَعَقَةً كَصَعْقَتِهِ فِي الطُّورِ ، فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ ، فَلا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي ، أَوْ جُوزِيَ بِصَعْقَتِهِ فِي الطُّورِ ، أَوْ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ " . هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِلَفْظِهِ . فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَمُتْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَأَخْبَرَ بِجَوَازِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ جُوزِنيَ بِصَعْقَتِهِ فِي الطُّورِ ، فَيَكُونُ قَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ، وَقَدْ ذَاقَهَا . وَالآخَرُ : مِنْ جِهَةِ اسْتِثْنَاءِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ سورة الزمر آية 68 ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، مِمَّنْ شَاءَ أَنْ لا يُصْعَقَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَيَكُونُ مَعْنَى صَلاتِهِ فِي قَبْرِهِ إِذَا حُمِلَ عَلَى الصَّلاةِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي قَبْرِهِ وَهُوَ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ ، وَجُوزِيَ بِالصَّعْقَةِ ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْمَوْتِ وَيَفِيقُ فِي الآخِرَةِ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهُوَ إِذًا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا حُكْمًا ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُكُوسًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي قَبْرِهِ ، وَقَبْرُهُ فِي الدُّنْيَا ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ فِي الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِمْ بِأَجْسَادِهِمْ فِيمَا بَيْنَنَا ، وَهُمْ فِي الآخِرَةِ حُكْمًا ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَدِ ارْتَفَعَتْ عَنْهُمْ أَحْكَامُ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَظَهَرَتْ لَهُمُ الآخِرَةُ وَأَحْكَامُهَا ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . فَيَكُونُ صَلاتُهُ ثَنَاءً وَدُعَاءً وَذِكْرًا دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الَّتِي هِيَ الْعِبَادَةُ ، لأَنَّهُ إِنْ مَاتَ فَقَدْ صَارَ فِي حُكْمِ الآخِرَةِ ، وَلَيْسَتِ الآخِرَةُ بِدَارِ عِبَادَةٍ ، وَلَكِنَّهَا دَارُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَهِيَ دَارُ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ سورة يونس آية 10 الآيَةَ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ سورة فاطر آية 34 الآيَةَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
ابْنِ عَبَّاسٍ | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
مَحْمُودِ بْنِ سَيِّدِ الأَنْصَارِ | محمود بن لبيد الأشهلي / توفي في :96 | له رؤية |
الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ الأَنْصَارِيِّ | الحارث بن فضيل الخطمي | ثقة |
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ | ابن إسحاق القرشي / توفي في :150 | صدوق مدلس |
سَلَمَةُ | سلمة بن الفضل الأنصاري | صدوق كثير الخطأ |
عَمَّارٌ | عمار بن الحسن الهمداني / ولد في :169 / توفي في :242 | ثقة |
نَصْرٌ | نصر بن زكريا البخاري | متهم بالوضع |
مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ | محمد بن محمد بن محمود | مجهول الحال |