لكل شيء اقبالا وادبارا وان لهذا الدين اقبالا وادبارا وساق حديثا في وصف اخر الزمان الى...


تفسير

رقم الحديث : 320

ثُمَّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ . ح الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُقْرِئُ ، قَالَ . ح مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، قَالَ . ح الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ بَعْضِ الأَخْبَارِ الْمُتَشَابَهَةِ ؟ فَقَالَ : " مِنَ اللَّهِ الْعِلْمُ ، وَعَلَى رَسُولِهِ الْبَلاغُ ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ ، أَمِرُّوا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا جَاءَتْ " ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ : سُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ قَوْلِهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى سورة طه آية 5 ، كَيْفَ اسْتَوَى ؟ فَقَالَ : الاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَالإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ ، وَمَا أَرَاكَ إِلا ضَالا . وَهَذَا مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ . قَالَ : وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّ الإِيمَانَ بِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرْضٌ ، وَالْبَحْثُ عَنْ مُتَشَابِهِ التَّنْزِيلِ ، وَأَخْبَارِ الرَّسُولِ وَاجِبٌ فِي الأُصُولِ وَالْعُقُولِ فِرَارًا مِنْ تَعْطِيلِ الصِّفَاتِ وَآفَةِ التَّشْبِيهَاتِ . قَالَ : وَالْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ عَلِيٌّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الأَثَرِ . قَالَ : وَبِمَعْرِفَةِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ تَمَيَّزَ الْفَاضِلُ مِنَ الْمَفْضُولِ ، وَالْعَالِمُ مِنَ الْمُتَعَلِّمِ ، وَالْحَكِيمُ مِنَ الْمُتَعَجْرِفِ ، وَمَنْ أَمَرَّ الأَحَادِيثَ عَلَى مَا جَاءَتْ حِينَ الْتَبَسَ عَلَيْهِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهَا لَمْ يَرُدَّهَا رَاوٍ مُنْكِرٌ جَاحِدٌ ، بَلْ آمَنَ وَاسْتَسْلَمَ ، وَانْقَادَ وَوَكَلَ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِلَى مَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ . وَرَدُّ الأَخْبَارِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقُرْآنِ طَرِيقٌ سَهْلٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ ، وَالسَّفِيهُ وَالْعَاقِلُ ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ فَضْلُ عِلْمِ الْعُلَمَاءِ ، وَعَقْلِ الْعُقَلاءِ بِالْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ وَاسْتِخْرَاجِ الْحِكْمَةِ مِنَ الآيَةِ وَالسُّنَّةِ ، وَحَمْلِ الأَخْبَارِ عَلَى مَا يُوَافِقُ الأُصُولَ ، وَتُصَحِّحُهُ الْعُقُولُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصًّا نَظِيرُهُ قَالَ تَعَالَى فِي خَبَرِ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ : وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا سورة الأعراف آية 150 إِلَى قَوْلِهِ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ سورة الأعراف آية 150 وَقَالَ يَابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي سورة طه آية 94 . وَلَيْسَ الْجَرُّ إِلَيْكَ بِالْخُشُونَةِ وَالْغِلْظَةِ بِأَقَلَّ مِنَ الدَّفْعِ عَنْكَ بِالْخُشُونَةِ وَالْغِلْظَةِ ، وَهُوَ الصَّكُّ وَاللَّطْمُ ، دَفَعَ عَنْكَ بِغِلْظَةٍ وَخُشُونَةٍ فَمَا سِوَاهُ ، وَلَيْسَ هَارُونُ بِأَدْوَنَ مَنْزِلَةً مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ، بَلْ هُوَ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْهُ ، وَأَعْلَى مَرْتَبَةً ، وَأَبَيْنَ فَضْلا عِنْدَ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالأَثَرِ ، لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ { 45 } إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ سورة المؤمنون آية 45-46 ، وَهُوَ مَعَ جَلِيلِ قَدْرِهِ فِي نُبُوَّتِهِ ، وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ فِي رِسَالَتِهِ أَخُو مُوسَى لأَبِيهِ وَأُمِّهِ ، وَأَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حَقُّ كَبِيرِ الإِخْوَةِ عَلَى صَغِيرِهِمْ كَحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ " . فَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، أَنَّهُ أَخَذَ بِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَجَرَّهُ بِعُنْفٍ وَغِلْظَةٍ حَتَّى اسْتَعْطَفَهُ عَلَيْهِ ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي سورة طه آية 94 ، وَقَوْلُهُ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ سورة الأعراف آية 150 ، وَلَوْلا ذَلِكَ عَسَى كَانَ يَكُونُ مِنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا صَنَعَ بِهِ ، ثُمَّ لَمْ نَجِدْ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى عِتَابِ اللَّهِ إِيَّاهُ ، وَلا عَلَى تَوْبَتِهِ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ صَغِيرَةً أَوْ زَلَّةً لَظَهَرَ ذَلِكَ نَصًّا فِي الْكِتَابِ أَوْ دَلالَةً ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى زَلاتِ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَمُعَاتَبَتَهُ إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا ، وَتَوْبَتَهُمْ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ ، وَرُجُوعَهُمْ إِلَيْهِ ، وَاسْتِغَفَارَهُمْ إِيَّاهُ وَاعْتِرَافَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ لَهَا كَمَا قَالَ جَلَّ جَلالُهُ فِي قِصَّةِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ سورة الأعراف آية 22 ، هَذَا عِتَابُهُ لَهُمَا مِنْ إِمْلالِهَا فِي الآيَاتِ ، وَقَالَ تَعَالَى فِي اعْتِرَافِهِمَا وَتَوْبَتِهِمَا : رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ سورة الأعراف آية 23 ، وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ : فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ سورة هود آية 46 ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي اعْتِرَافِهِ وَتَوْبَتِهِ : رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ سورة هود آية 47 ، وَفِي قِصَّةِ دَاوُدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ سورة ص آية 24 ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَتْلِهِ الْقِبْطِيَّ : هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ سورة القصص آية 15 ، وَقَالَ تَعَالَى : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ سورة القصص آية 16 . فَلَوْ كَانَ جَرُّهُ أَخَاهُ إِلَيْهِ وَأَخْذُهُ بِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ زَلَّةً مِنْهُ لَظَهَرَ اعْتِرَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَتَوْبَتُهُ إِلَى رَبِّهِ ، أَوْ مُعَاتَبَةُ اللَّهِ إِيَّاهُ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَعْصِيَةً وَلا زَلَّةً ، كَذَلِكَ صَكُّهُ مَلَكَ الْمَوْتِ وَلَطْمُهُ إِيَّاهُ لأَنَّهُمَا عُنْفَانِ ، أَحَدُهُمَا بِالدَّفْعِ عَنْكَ ، وَالآخَرُ بِالْجَرِّ إِلَيْكَ كَرِيمَيْنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَحَدُهُمَا رَسُولٌ نَبِيٌّ ، وَالآخَرُ مَلَكٌ زَكِيٌّ ، وَكَمَا لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ عِتَابٌ وَلا تَوْبَةٌ ، وَاعْتِرَافٌ فِي قِصَّةِ الْمَلَكِ فَمَا جَازَ فِي الْكِتَابِ مِنَ التَّأْوِيلِ سَاغَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِهَارُونَ مَعَ عَظِيمِ حُرْمَتِهِ لِنُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ وَأُخُوَّتِهِ وَقَرَابَتِهِ وَحَقِّ سِنِّهِ زَلَّةً ، لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، غَضِبَ لِلَّهِ لا لِنَفْسِهِ ، وَكَانَتْ فِيهِ حَمِيَّةٌ وَغَضَبٌ وَعَجَلَةٌ وَحِدَّةٌ كُلُّهَا فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ . أَلا يَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { 83 } قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى سورة طه آية 83-84 ، وَخَبَّرَ أَنَّ عَجَلَتَهُ كَانَ طَلَبًا لِرِضَاهُ ، كَذَلِكَ حِدَّتُهُ وَغَضَبُهُ عَلَى أَخِيهِ وَصَنِيعُهُ بِهِ ، أَلا تَرَاهُ يَقُولُ : مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا { 92 } أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي سورة طه آية 92-93 ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْحِدَّةُ مِنْهُ وَالْغَضَبُ فِيهِ صِفَةَ مَدْحٍ لَهُ لأَنَّهَا كَانَتْ لِلَّهِ ، وَفِي اللَّهِ كَمَا كَانَتْ رَأْفَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَحْمَتُهُ فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ ، ثُمَّ كَانَ يَغْضَبُ حَتَّى يَحْمَرَّ وَجْهُهُ وَتَذَرَّ عُرُوقُهُ لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ ، وَبِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ سورة المائدة آية 54 ، وَقَالَ جَلَّ جَلالُهُ : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ سورة النور آية 2 ، فَلَوْ كَانَتِ الْغِلْظَةُ وَالشِّدَّةُ فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ كَذَلِكَ الْغَضَبُ وَالْحِدَّةُ مِنْ مُوسَى لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ ، وَالْجَمِيعُ صِفَةُ مَدْحٍ وَنَعْتُ ثَنَاءٍ . أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي مَدْحِهِ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي رِقَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَتَشْبِيهِهِ إِيَّاهُ بِإِبْرَاهِيمَ إِذْ يَقُولُ : يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ سورة هود آية 74 وَقَوْلِهِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ سورة إبراهيم آية 36 وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قَالَ : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة المائدة آية 118 وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَدْحِهِ لَهُ فِي غِلْظَتِهِ وَشِدَّتِهِ فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ ، وَتَشْبِيهِهِ إِيَّاهُ بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قَالَ : لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا سورة نوح آية 26 فَأَوْصَافُ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، أَوْصَافُ مَدْحٍ ، وَنُعُوتُهُمْ نُعُوتُ ثَنَاءٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَكُّهُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ ، وَلَطْمُهُ إِيَّاهُ لَمْ يَكُنْ زَلَّةً ، لأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِغَضَبِ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ غَضَبًا لِلَّهِ ، وَشِدَّةً فِي أَمْرِ اللَّهِ ، وَحَمِيَّةً لِدِينِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَكَ أَتَاهُ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ . فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ مَلَكٌ رَسُولُ اللَّهِ ، كَمَا لَمْ يَعْرِفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، حِينَ جَاءَهُ يَسْأَلُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ حَتَّى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ لَيُعَلِّمَكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ ، وَاللَّهِ مَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ قَطُّ إِلا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِيهَا إِلا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ " ، فَكَذَلِكَ مُوسَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَتَاهُ فِي صُورَةٍ لَمْ يَأْتِهِ فِيهَا قَبْلَهَا ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ ثُمَّ أَرَادَ قَبْضَ رُوحِهِ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ إِنْسَانٌ يُرِيدُ قَبْضَ رُوحِ كَلِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَصَكَّهُ وَلَطَمَهُ إِنْكَارًا لَهُ وَرَدًّا عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكٌ ، وَأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ أَنْكَرَ عَلَيْهِ ادِّعَاءَهُ مَا لَيْسَ لِلْبَشَرِ مِنْ قَبْضِ أَرْوَاحِ الأَنْبِيَاءِ ، وَمَنِ ادَّعَى ذَلِكَ مِنَ الْبَشَرِ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ فَغَضِبَ لِلَّهِ فَصَكَّهُ وَلَطَمَهُ ، أَلا تَرَى مِنْهُ لَمَّا عَادَ إِلَيْهِ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى خَبَبِ ثَوْرٍ وَأَنْ يَمُوتَ ، اخْتَارَ الْمَوْتَ اسْتِسْلامًا لِلَّهِ وَرِضَاءً لِحُكْمِهِ ، وَتَصْدِيقًا لِرَسُولِهِ . وَأَمَّا فَقْؤُ عَيْنِهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلا لِمُوسَى صلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَثَرِ لَطْمِهِ إِيَّاهُ وَصَكِّهِ لَهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى أَحْدَثَهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَتَى الْمَلَكُ فِيهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الإِنْسَانَ عِنْدَنَا لا يَفْعَلُ فِي غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ فِي نَفْسِهِ وَمَحَلِّ قُدْرَتِهِ ، وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَلَمٍ عِنْدَ الضَّرْبِ ، وَمَوْتٍ عِنْدَ قَطْعِ الأَوْدَاجِ ، وَذَهَابِ السَّهْمِ بَعْدَ الرَّمْيِ ، وَالإِحْرَاقِ عِنْدَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي الْحَطَبِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَالْبَرَدِ فِي الثَّلْجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بَعْدَ حَرَكَاتِ الْمُحْدَثِ فِي نَفْسِهِ ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا أَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى أَحْدَثَهَا وَاخْتَرَعَهَا ، وَكَذَلِكَ الإِحْرَاقُ عِنْدَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي الْحَطَبِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، وَالْبَرَدُ فِي الثَّلْجِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّهَا أَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى يُحْدِثُهَا وَيَخْتَرِعُهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ وَحِينَ يُرِيدُ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَثَرَ حَرَكَاتِ الْمُحْدَثِ فِي نَفْسِهِ ، وَالْفَقَاءُ إِنَّمَا حَلَّ فِي الصُّورَةِ لا فِي الْمَلَكِ ، لأَنَّ بِنْيَةَ الْمَلائِكَةِ وَخَلْقَهُ لَيْسَتْ مِنَ الأَمْشَاجِ وَالطَّبَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْكَوْنَ وَالْفَسَادَ وَتَحُلُّهَا الآفَاتُ ، وَيُؤَثِّرُ فِيهَا أَفْعَالُ الْمُحْدَثِ ، لأَنَّهُمْ لا يُمْنُونَ ، وَلا يَتَوَالَدُونَ ، وَلا يَنَامُونَ ، وَلا يَأْكُلُونَ ، وَلا يَسْأَمُونَ ، وَلا يَسْتَجِرُّونَ ، وَلا يَفْقَرُونَ ، وَكُلُّ هَذِهِ آفَاتٌ ، وَالْفَقْؤُ آفَةٌ ، وَهُمْ لا يُحِلُّهُمُ الآفَاتُ . فَالآفَةُ الَّتِي هِيَ الْفَقْؤُ إِنَّمَا حَلَّ فِي الصُّورَةِ الَّتِي جَاءَ الْمَلَكُ فِيهَا لا فِي عَيْنِ الْمَلَكِ ، وَلَيْسَ الْمَلائِكَةُ كَالنَّاسِ ، فَإِنَّ النَّاسَ إِنْسَانٌ بِصُورَتِهِ وَخَوَاصِّهِ ، وَلا يَكُونُ الإِنْسَانُ إِنْسَانًا بِخَوَاصِّهِ دُونَ صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ النَّاسِ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ وُجِدَتْ خَوَاصُّهُ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ ، وَلَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ ذَلِكَ النَّوْعُ إِنْسَانًا حَتَّى يُوجَدَ ثَلاثَةُ الإِنْسَانِ وَصُورَتُهُ وَخَوَاصُّهُ ، وَالْمَلَكُ مَلَكٌ بِخَوَاصِّهِ دُونَ صُورَتِهِ ، لأَنَّ صُوَرَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ وَخَوَاصَّهُمْ وَاحِدَةٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِيهِمْ عَلَى صُورَةِ الإِنْسَانِ ، وَمِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ الطَّيْرِ ، وَمِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ السِّبَاعِ ، وَمِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ الأَنْعَامِ ، وَكُلُّهُمْ مَلائِكَةٌ وَلَهُمْ أَجْنِحَةٌ عَلَى أَعْدَادٍ مُتَفَاوِتَةٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ سورة فاطر آية 1 ثُمَّ قَالَ : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ سورة فاطر آية 1 ، وَقِيلَ فِي حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّهُمْ أَمْلاكٌ أَحَدُهُمْ عَلَى صُورَةِ الإِنْسَانِ ، يَشْفَعُ إِلَى اللَّهِ فِي أَرْزَاقِهِمْ ، وَالثَّانِي عَلَى صُورَةِ النَّسْرِ يَشْفَعُ إِلَى اللَّهِ فِي أَرْزَاقِ الطَّيْرِ ، وَالثَّالِثُ عَلَى صُورَةِ الأَسَدِ يَشْفَعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْزَاقِ الْبَهَائِمِ وَدَفْعِ الأَذَى عَنْهُمْ ، وَالرَّابِعُ عَلَى صُورَةِ الثَّوْرِ يَشْفَعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْزَاقِ الْبَهَائِمِ ، وَدَفْعِ الأَذَى عَنْهُمْ يُصَدِّقُ ذَلِكَ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.