كيف اصبحت يا حارثة فقال اصبحت مؤمنا بالله تعالى حقا قال انظر الى ما تقول فان لكل قول...


تفسير

رقم الحديث : 84

حَدَّثَنَاهُ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ . ح صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ . ح إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ ، قَالَ . ح يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ ، قَالَ . ح ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذِ اسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ ؟ " فَقَالَ أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ تَعَالَى حَقًّا ، قَالَ : " انْظُرْ إِلَى مَا تَقُولُ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً " ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي ، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي ، فَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوُونَ فِيهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ وَفِي رِوَايَةٍ أَصَبْتَ فَالْزَمْ ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ " ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ تَعَالَى لِي بِالشَّهَادَةِ ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنُودِيَ يَوْمًا فِي الْخَيْلِ : يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي ، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ رَكِبَ ، وَأَوَّلَ فَارِسٍ اسْتُشْهِدَ ، فَبَلَغَ أُمَّهُ ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : أَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِي ، فَإِنْ يَكُ فِي الْجَنَّةِ فَلَنْ أَبْكِيَ ، وَلَنْ أَجْزَعَ ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ بَكَيْتُ مَا عِشْتُ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ : " أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ ، وَلَكِنَّهَا جَنَّةٌ فِي جِنَانٍ ، وَالْحَارِثَةُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى " ، فَرَجَعَتْ ، وَهِيَ تَضْحَكُ ، وَتَقُولُ : بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا حَارِثَةُ " فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ نَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى قَلْبَهُ ، وَمَنْ نَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى قَلْبَهُ كُوشِفَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِ الْغَيْبِ ، وَعَلِمَ مَا لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ فِيمَا تَعَلَّمَ ، لا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَشْيَاءَ مِنَ الأَحْكَامِ ، وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي تَعَلُّمِهِ ، حَتَّى يَعْلَمَ الْقُرْآنَ ، وَأَخْبَارَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَحْكَامَ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ ، لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَكِنْ يُكَاشِفُ وَيَنْتَهِكُ الْحُجُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِ الْغَيْبِ ، فَلا يَتَعَرَّضُهُ الشُّكُوكُ ، وَلا يُنَازِعُهُ الْخَوَاطِرُ فِي الْحَقِّ ، وَبَيَانُهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْحَقَّ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ " ، فَهَذِهِ أَوْصَافُ الْكُبَرَاءِ ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ تَجَلَّى عَلَى قَدْرِ زَمَانِهِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : " تَجَلَّى قَدْرُهُ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ ، فَإِنَّهُ يُجَالِسُ فِي التَّوْقِيرِ ، وَالإِجْلالِ ، وَالتَّعْظِيمِ ، وَذَمِّ الْجَوَارِحِ ، وَمُرَاقَبَةِ الْخَوَاطِرِ ، فَإِنَّ أَهْلَ الصِّدْقِ لَهُمْ نُورٌ ، يَقِفُونَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْطَاكِيُّ : إِذَا جَالَسْتُمْ أَهْلَ الصِّدْقِ ، فَجَالِسُوهُمْ بِالصِّدْقِ ، فَإِنَّهُمْ جَوَاسِيسُ الْقُلُوبِ يَدْخُلُونَ فِي أَسْرَارِكُمْ ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ هِمَمِكُمْ ، وَمَنْ جَالَسَهُمْ فَلا يَجِبْ أَنْ يَتَعَرَّضَ عَلَيْهِمْ فِي أَحْوَالِهِمْ ، وَلا يُبَادَرُونَ بشَيْءٍ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : " وَلا يُبَادُونَ " ، وَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ حَالٌ ، وَلَكِنْ يُبْصِرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يَكْشِفُونَ لَهُمْ مَا الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحْوَالِهِمْ ، أَلا يَرَى إِلَى مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ لِمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا سورة الكهف آية 70 ، وَإِنَّمَا يُجَالَسُ الْكُبَرَاءُ فِي أَوْقَاتٍ يَكُونُ مِنْهُمُ الْبِدَايَةُ وَالإِذْنُ ، وَلا يُدَاخَلُونَ كُلَّ وَقْتٍ ، فَإِنَّ أَوْقَاتَهُمْ لَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لا يَحْمِلُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِي مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقْتٌ لا يَسَعُنِي فِيهِ غَيْرُهُ " ، هَذَا حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَالُهُ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يُعْلَمَ ، أَوْ يُعَبَّرَ عَنْهُ ، وَأَحْوَالُ سَائِرِ الْكُبَرَاءِ عَلَى قَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهِمْ ، إِذًا فَهَؤُلاءِ يُجَالَسُونَ تَبَرُّكًا بِهِمْ ، وَتَيَمُّنًا بِرَوَائِحِ أَحْوَالِهِمْ ، فَهُمْ مَلْحَاءُ الْمُرِيدِينَ وَلَهْفَتُهُمْ بِهِمْ , يَتَحَرَّرُونَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَخَافُونَهُ مِنْ فِتَنِ الزَّمَانِ ، وَشَرِّ أَهْلِهِ ، وَمَكَائِدِ الْعَدُوِّ ، وَبَلاءِ النُّفُوسِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْ ظِلِّ عُمَرَ " ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ جَلالُهُ : " هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ " وَقَوْلُهُ : " وَخَالِطِ الْحُكَمَاءَ " أَيْ : دَاخِلْهُمْ ، وَاخْتَلِطْ بِهِمْ ، وَكُنْ مَعَهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، فَإِنَّ الْحَكِيمَ هُوَ الْمُصِيبُ فِي أَقْوَالِهِ ، وَالْمُتْقِنُ لأَفْعَالِهِ ، وَالْمَحْفُوظُ فِي أَحْوَالِهِ ، فَمَنْ خَالَطَهُمْ وَدَاخَلَهُمْ أَخَذَ مَحَاسِنَ أَخْلاقِهِمْ ، وَانْتَفَعَ بِإِصَابَتِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ ، وَتَهَذَّبَ بِهِمْ فِي مُخْتَلَفِ أَحْوَالِهِمْ . وَقَوْلُهُ : " سَائِلِ الْعُلَمَاءَ " تَنْبِيهٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى إِحْكَامِ الأُمُورِ وَإِصْلاحِهَا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : قَدِّمِ الْعِلْمَ عَلَى الْعَمَلِ لِتَكُونَ أَعْمَالُكَ عَلَى تَقْدِمَةِ الْعِلْمِ بِهَا فَتَصِحَّ . وَقَوْلُهُ : " سَائِلِ الْعُلَمَاءَ " ، لَمْ يَجْعَلْ لَهُ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : كُنْ أَبَدًا عَالِمًا سَائِلا وَمُتَعَلِّمًا ، وَالْعُلَمَاءُ إِذَا أُطْلِقُوا فَهُمُ الْفُقَهَاءُ ، لأَنَّ الْعِلْمَ إِذَا أُطْلِقَ أُرِيدَ بِهِ عِلْمُ الْفِقْهِ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الأَحْكَامِ ، وَمَعْرِفَةُ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ ، وَأَمَّا سَائِرُ الْعُلُومِ فَإِنَّهَا مَقَيَّدَةٌ ، يُقَالُ : عِلْمُ الْكَلامِ ، وَعِلْمُ الْقُرْآنِ ، وَعِلْمُ الْحَدِيثِ ، وَعِلْمُ اللُّغَةِ ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْعُلُومِ ، فَإِنَّهَا تُقَيَّدُ بِذِكْرٍ يَخُصُّهُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ إِذَا أُطْلِقَ كَانَ الْمَفْهُومُ بِهِ الْفُقَهَاءَ ، فَأَمَّا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ كَسَائِرِ الْعُلُومِ ، فَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَقَالَ فِيهِ الْمُفَسِّرُونَ , وَكَذَا يَقُولُ اللُّغَوِيُّونَ ، وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ , وَبِهِ قَرَأَ فِي الْقُرْآنِ ، يُنْسَبُ أَهْلُ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْعِلْمِ إِلَى مَا يَنْتَحِلُهُ ، فَالْعُلَمَاءُ اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عِنْدَ الإِطْلاقِ . فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : سَائِلِ الْعُلَمَاءَ " أَرَادَ بِهِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ عِلْمِ الأَحْكَامِ ، فَإِنَّ الْبَلْوَى بِهِ أَكْثَرُ ، وَالْحَاجَةَ إِلَيْهِ آمَنُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

صحابي

ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ

ثقة

يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ

متروك الحديث

إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ

صدوق حسن الحديث

صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ

حافظ ثبت حجة

خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ

مقبول