قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ ، قَالَ . ح أَبُو إِسْحَاقَ الْهِسِنْجَانِيُّ ، قَالَ . ح أَحْمَدُ هُوَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، قَالَ . ح زُهَيْرُ بْنُ عَبَّادٍ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَالَ : " دَخَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي السِّجْنِ ، قَالَ : فَعَرَفَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَخَا الْمُنْذِرِينَ مَا لِي أَرَاكَ بَيْنَ الْمُنْذَرِينَ ، أَمَا تَرَانِي كَأَسِيرٍ بَيْنَ الْخَاطِئِينَ ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ : يَا طَاهِرَ ابْنَ الطَّاهِرِينَ إِنَّ اللَّهَ كَرَّمَنِي بِكَ وَآبَائِكَ وَهُوَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ ، وَيَقُولُ لَكَ : مَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي أَنِ اسْتَشْفَعْتَ بِغَيْرِي ، وَفِي رِوَايَةٍ : اسْتَعَنْتَ بِغَيْرِي ، وَعِزَّتِي لأُلْبِثَنَّكَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ، قَالَ : فَقَالَ لِجِبْرِيلَ : وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : إِذًا لا أُبَالِي " ، فَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَهُوَ الْحَقُّ ، وَالْقَوْلُ بَعْدَهُ تَكَلُّفٌ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَهَا قَوْلُهُ : رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ سورة يوسف آية 33 ، فَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْبَلاءَ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ " ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ سورة يوسف آية 33 ، لَمْ يُسْجَنْ هَذَا ، أَوْ كَلامًا هَذَا مَعْنَاهُ ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَتَبَهُ عَلَى يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ ، لأَنْ لا يُسْبَقَ إِلَى الأَوْهَامِ أَنَّ لُبْثَهُ فِي السِّجْنِ كَانَ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى ذَنْبٍ ، أَوْ مُعَاتَبَةً عَلَى تَقْصِيرٍ ، وَلَكِنْ عَلَى اخْتِيَارٍ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ آثَرَ أَلَمَ نَفْسِهِ وَعَنَاهَا عَلَى ارْتِكَابِ مَا رُوِدَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَهُوَ تَشَكُّرٌ مِنْهُ وَإِظْهَارُ فَضْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَلُبْثُهُ فِي السِّجْنِ مُدَّةَ مَا لَبِثَ رِفْعَةٌ لَهُ ، وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ ، وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِ ، وَارْتِفَاعُ دَرَجَتِهِ ، فَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنِ ابْتُلِيَ بِالرِّقِّ وَالْعُبُودِيَّةِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : وَالْعُبُودِيَّةِ إِذَا قَصَّرَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ حُجَّةٌ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ ، وَسُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُلُوكِ , وَلَيْسَ مَا جَرَى عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ، وَلا وَمَا ابْتُلِيَ بِهِ الأَوْلِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ مِنَ الْمِحَنِ وَالْبَلايَا عُقُوبَاتٍ لَهُمْ ، وَلَكِنْ تُحَفٌ وَهَدَايَا وَخِلَعٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ " ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا صَبَّ عَلَيْهِ الْبَلاءَ صَبًّا ، وَسَجَّهُ سَجًّا " وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْلا كَلِمَةٌ قَالَهَا " ، يَصْرِفُ مَعْنَى الْكَلِمَةِ إِلَى الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ وَالتَّقْدِيرِ الأَوَّلِ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يَلْبَثَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ ، فَيَجُوزُ مَعْنَاهُ لَوْلا كَلِمَةٌ قَالَهَا الْحَقُّ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَبِثَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَا لَبِثَ , لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي سورة السجدة آية 13 ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ، وَقَوْلُهُ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا سورة الأنعام آية 115 وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي سورة السجدة آية 13 ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْقَوْلِ مَصْرُوفًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَهُ اسْمُهُ عَزَّ وَجَلَّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ سورة القدر آية 1 ، فَكَانَ الدُّعَاءُ إِشَارَةً إِلَى الْقُرْآنِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : " لَوْلا كَلِمَةٌ قَالَهَا " يَعْنِي : قَالَهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ ذِكْرُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى . وَيَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إِلَى قَوْلِهِ : " وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ " ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَصْرُوفًا إِلَى الاسْمِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ : وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ " ، وَيَكُونُ الْفَائِدَةُ فِيهِ أَنْ لُبْثَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ لَمْ يَكُنْ عُقُوبَةً لِذَنْبٍ كَانَ مِنْهُ وَذَلِكَ سَبَقَتْ وَلا عِتَابًا عَلَى تَقْصِيرٍ فِي حَقٍّ ، لَكِنْ لِقَضَاءٍ سَبَقَ ، وَقَدَرٍ مَضَى لِمَا فِيهِ مِنَ التَّدْبِيرِ وَالْحِكْمَةِ مِنْهَا مَا ظَهَرَ ، وَالَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ أَكْثَرُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |