قال الشيخ الإمام المصنف رحمه الله قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمُطَّوِعِيُّ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ فِي دَارِ بَكَّارٍ ، وَهُوَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ ، حَدَّثَكُمْ مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ ، قَالَ . ح سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَجِبْتُ مِنْ يُوسُفَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَمِنْ صَبْرِهِ وَكَرَمِهِ ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ لَوْ كُنْتُ أَنَا مَكَانَهُ حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ لَبَدَرْتُهُ الْبَابَ ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقَدْرُ ، وَلَوْلا كَلِمَةٌ قَالَهَا مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ " ، قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَنْ صَبْرِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكِرَامِ يُوسُفَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَسُكُونِهِ فِي حَالِهِ ، وَرِضَاهُ وَتَمَكُّنِهِ وَسُكُونِهِ تَحْتَ مَجَارِي أَقْضِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقِلَّةِ اضْطِرَابِهِ ، وَانْتِظَارِيَةِ حُكْمِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْفَرَحِ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ غَمِّ السِّجْنِ وَكَرْبِهِ ، وَعَجِبَ مِنْ شَأْنِهِ فِي صَبْرِهِ وَكَرَمِهِ ، وَرَفَعَ مِنْ قَدْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَهُ لَبَادَرَ الْبَابَ ، وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَرْفَعُ حَالا ، وَأَشَدُّ تَمَكُّنًا ، وَأَجَلُّ قَدْرًا ، فَهُوَ أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ ، وَخَيْرُ الْبَشَرِ ، فَهُوَ أَحْرَى بِالصَّبِرِ وَالْكَرَمِ ، وَأَحَقُّ بِتَمْكِينِ الْحَالِ ، فَلَيْسَ إِخْبَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمُبَادَرَةِ الْخُرُوجِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَضَجُّرًا مِنَ الْحَالِ وَالاسْتِبْطَاءِ لِلْفَرَجِ ، وَلا لِعِلَّةِ التَّمَكُّنِ وَلا الاضْطِرَابِ مِنْهُ فِي الْحَالِ الَّتِي رُفِعَ إِلَيْهَا ، وَلَكِنَّهُ إِخْبَارٌ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ إِيَثارَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ رَسُولا ، فَقَدْ بَعَثَهُ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ هُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ دَعَا أَهْلَ السِّجْنِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ سورة يوسف آية 39 الآيَةَ ، دَلَّهُمْ عَلَى صِدْقِهِ بِالْمُعْجِزَةِ عَنِ الآيَةِ وَهُوَ عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ ، وَمَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ، فَقَالَ : لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا سورة يوسف آية 37 الآيَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى دَعْوَةِ الْمَلِكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهِ فِي السِّجْنِ ، فَلَمَّا وَجَدَ السَّبِيلَ إِلَى ذَلِكَ بِإِرْسَالِ الْمَلِكِ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتُوهُ بِهِ تَرَبَّصَ ، وَقَدَّمَ عُذْرَ نَفْسِهِ وَبَرَاءَتَهَا مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ إِرَادَةِ السُّوءِ الَّذِي رَمَتْهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ بِهِ إِذْ تَقُولُ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ، فَرَدَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّسُولَ , فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ سورة يوسف آية 50 الآيَةَ : فَلَمَّا بَرَّأْنَهُ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ، وَقَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ سورة يوسف آية 51 ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَجَابَ الْمَلِكَ ، وَخَرَجَ مِنَ السِّجْنِ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ لَبَادَرْتُ الْبَابَ " ، يَعْنِي الأَصْلَ إِلَى دَعْوَةِ الْمَلِكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَأَدُّبًا بِأَدَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ سورة الحجر آية 94 ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ سورة المائدة آية 67 ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَهُ لآثَرَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي دَعْوَةِ الْمَلِكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى بَرَاءَةِ نَفْسِهِ إِعْرَاضًا عَنْهَا ، وَإِقْبَالا عَلَى اللَّهِ فِي أَدَاءِ حَقِّهِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ يُوسُفَ شِبْهَ التَّقْصِيرِ ، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
ابْنِ عَبَّاسٍ | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
عِكْرِمَةَ | عكرمة مولى ابن عباس / ولد في :20 / توفي في :104 | ثقة |
عَمْرِو بْنِ زِيَادٍ | عمرو بن دينار الجمحي / ولد في :46 / توفي في :126 | ثقة ثبت |
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ | سفيان بن عيينة الهلالي | ثقة حافظ حجة |
مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ | محمود بن آدم المروزي / توفي في :258 | ثقة |
أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمُطَّوِعِيُّ | أحمد بن سهل البخاري | ثقة نبيل حافظ |