لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن


تفسير

رقم الحديث : 181

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَزَادَنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرِ بْنِ بَحِيرٍ الْقَاضِي مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِصْمَةَ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَهُ . ح سَوَّارُ بْنُ عُمَارَةَ ، حَدَّثَنِي هِقْلٌ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَهُوَ حِينَ يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرُ وَهُوَ حِينَ يَشْرَبُهَا مُؤْمِنٌ ، وَلا يَنْهَبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ ، قَالَ : فَقُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا فَمَهْ ؟ قَالَ : فَنَفَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ : أَمِرُّوا الأَحَادِيثَ كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَمَرُّوهَا " ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَوْلُ الزُّهْرِيِّ : أَمِرُّوا الأَحَادِيثَ كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلَكُمْ تَسْلِيمٌ لأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَانْقِيَادٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ، وَتَصْدِيقٌ لَهُ ، وَإِيمَانٌ بِهِ فِيمَا عُلِمَ وَجُهِلَ ، وَتَرْكُ الاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمَا بِالْعُقُولِ الضَّعِيفَةِ ، وَالأَفْهَامِ السَّخِيفَةِ ، إِيمَانًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَتَصْدِيقًا لَهُمَا ، وَتَوْكِيلا لِعِلْمِ تَأْوِيلِ مَا جَهِلْنَاهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالْقُدْوَةُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَسَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَالزُّهْرِيِّ ، وَالأَوْزَاعِيِّ ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الأَخْبَارِ الْمُتَشَابِهَةِ ، لا يَرُدُّونَهَا رَدَّ مُنْكَرٍ جَاحِدٍ ، وَلا يَتَأَوَّلُونَهَا تَأْوِيلَ مُتَحَكِّمٍ مُتَكَلِّفٍ ، بَلْ يُؤْمِنُونَ بِهَا إِيمَانَ مُصَدِّقٍ مُسْلِمٍ ، وَيَرْوُنَهَا رِوَايَةَ فَقِيهٍ مُسْلِمٍ ، وَقَدْ تَأَوَّلَهَا قَوْمٌ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعُلَمَاءِ الدِّينِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلا تَعْطِيلٍ ، وَلا تَكْذِيبٍ بِتَحْرِيفٍ تَأْوِيلا طَلَبًا لِلْحِكْمَةِ فِيهَا عَلَى قَدْرِ أَفْهَامِهِمْ ، وَمَبْلَغِ عُقُولِهِمْ ، وَنُورِ أَسْرَارِهِمْ ، وَشَرْحِ صُدُورِهِمْ ، بِانْتِزَاعِ التَّأْوِيلِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَقَاوِيلِ فُقَهَاءِ الأُمَّةِ ، وَعَلَى قَدْرِ الْحِكْمَةِ الَّتِي يَهَبُ اللَّهُ مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ ، وَيُؤْتِهَا مَنْ يُرِيدُ ، وَمَنْ أُوتِيَهَا فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا . فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ " أَيْ : لا يَزْنِي وَهُوَ فِي حِينِ مَا يَزْنِي مُكَاشِفٌ فِي إِيمَانِهِ ، مُشَاهِدٌ لِمَا آمَنَ بِهِ بِإِيقَانِهِ ، بَلْ هُوَ فِي وَقْتِ فِعْلِهِ ذَلِكَ عَنْ تَحْقِيقِ إِيمَانِهِ مَحْجُوبٌ ، وَبِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ عَنْ شُهُودِ إِيقَانِهِ مَسْلُوبٌ ، فَإِيمَانُهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ ثَابِتٌ ، وَنُورُ إِيمَانِهِ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ مَطْمُوسٌ ، لأَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِالإِيمَانِ عَلَى ثَلاثِ طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ : نَاطِقٌ بِكَلِمَةِ الإِخْلاصِ مَحْجُوبُ الْقَلْبِ فِيهِ عَنْ صِدْقِ الإِخْلاصِ ، فَهُوَ مُؤْمِنُ الْعَلانِيَةِ كَافِرُ السَّرِيرَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ سورة النساء آية 136 وَنَاطِقٌ بِكَلِمَةِ التَّقْوَى مُنْطَوٍ فِي سِرِّهِ عَلَى صِدْقِ الدَّعْوَى ، أَقَرَّ بِلِسَانِهِ وَأَخْلَصَ لِحَيَاتِهِ ، مُضْطَرِبُ الْحَالِ فِيمَا يُوجِبُهُ إِيمَانُهُ ، فَمَرَّةً بِالْجَنَّةِ مَوْصُوفٌ ، وَأُخْرَى بِالْكُشُوفِ مَعْرُوفٌ ، لَمْ يَلْبَسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ ، وَلَمْ يُجَرِّدْهُ بِيَقِينٍ شُهُودُهُ حَقِيقَةُ عِلْمٍ ، فَهُوَ مُؤْمِنُ الْعَلانِيَةِ مُؤْمِنُ السَّرِيرَةِ مُخَلَّطُ الْفِعْلِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا سورة التوبة آية 102 ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ سورة الصف آية 2 ، وَقَالَ تَعَالَى : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ سورة المائدة آية 1 طُولِبَ هَؤُلاءِ بِوَفَاءِ مَا صَحَّتْ بِهِ عَقِيدَتُهُمْ ، وَصَدَّقَتْ قَوْلَهُمْ سَرِيرَتُهُمْ ، فَدَلَّ أَنَّهُمْ فِي حُجْبَةٍ عَمَّا نَطَقُوا بِهِ وَاعْتَقَدُوهُ ، وَمُقِرٌّ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، قَدْ أَسْقَطَ عَنْ سِرِّهِ مَا دُونَ اللَّهِ ، وَأَقْبَلَ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى اللَّهِ ، وَأَسْرَعَ بِسَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ بِكُشُوفِ إِيمَانِهِ ، وَصِدْقِ إِيقَانِهِ ، حَجَبَهُ إِيمَانُهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ لَذَّاتِهِ ، وَصَرَفَهُ إِيقَانُهُ عَنْ شَهَوَاتِهِ ، فَهُوَ يُشَاهِدُ مَا آمَنَ بِهِ كَأَنَّهُ رَأَى عِيَانًا ، فَيَرَى مَا غُلِبَ عَنْ بَصَرِهِ بِعَيْنٍ ، كَمَا قَالَ حَارِثَةُ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ ، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يُعَذَّبُونَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ " ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : " عَبْدٌ نَوَّرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ " ، فَهَذَا الْمُكَاشِفُ بِالإِيمَانِ شُهُودًا لِمَا آمَنَ بِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ سورة الأنفال آية 2 ، فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، فَهُوَ مَحْجُوبٌ بِإِيمَانِهِ عَنِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَانْتِهَابِ نُهْبَةٍ ذَاتِ شَرَفٍ ، وَمَنْ حُجِبَ عَنْ إِيمَانِهِ بِظُلْمَةِ غَفْلَتِهِ ، وَدُخَانِ شَهْوَتِهِ رُبَّمَا وَاقَعَ هَذِهِ الأَعْمَالَ وَوُصِفَ بِهَذِهِ الْخِصَالِ مَا بَلَغَ مِنْ حَقِّ إِيمَانِهِ أَنْ أَسْقَطَ إِبَاحَتَهَا مِنْ سِرِّهِ لَمْ يَبْلُغْ حَقِيقَةَ حَقِّهِ أَنْ يُجَانِبَهَا بِعَقْلِهِ ، فَهُوَ فِي وَقْتِ مُوَاقَعَتِهَا وَالإِتْيَانِ بِهَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِحَقِيقَةِ حَقِّ الإِيمَانِ ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِصِدْقِ الإِيمَانِ ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ إِيمَانَ عُقُودٍ ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ إِيمَانَ شُهُودٍ فَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ " مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا : كَالْعُذْرِ لَهُ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : لَمْ يَزْنِ الزَّانِي حِينَ يَزْنِي جُحُودًا وَاسْتِكْبَارًا ، وَلَكِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ حُجَّةً وَاسْتِتَارًا وَالْمَعْنَى الآخَرُ : كَالتَّحْذِيرِ عَنْ مُبَالَغَةِ الْهَوَى ، وَالانْهِمَاكِ فِي الشَّهَوَاتِ وَالْمُنَى ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : غَفْلَةُ سَاعَةٍ وَاتَّبَاعُ شَهْوَةٍ حَجَبَتْهُ عَنْ حَقِيقَةِ إِيقَانِهِ ، فَغَيْرُ مَأْمُونٍ إِنْ دَامَتْ غَفْلَتُهُ ، وَاسْتَحْكَمَتْ فِيهِ شَهْوَتُهُ أَنْ يُزِيلَهُ شُؤْمُ فِعْلِهِ عَنْ حَقِيقَةِ إِيمَانِهِ ، فَالزِّنَا عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ شَهَوَاتِ النَّفْسِ الْمَحْظُورَةِ الْمُحَرَّمَةِ ، وَالشَّرَفُ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ عِبَارَةٌ عَنِ الْغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالانْتِهَابُ عِبَارَةٌ عَنِ الْحِرْصِ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَفِيهِ تَحْذِيرٌ عَنْ مُتَابَعَةِ الشَّهَوَاتِ وَالرَّغْبَةِ فِي اللَّذَّاتِ وَالْغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ وَالْحِرْصِ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالاسْتِخْفَافِ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، لأَنَّ الْمُنْتَهِبَ نُهْبَةً رَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ أَبْصَارَهُمْ مُسْتَخِفٌّ بِهِمْ غَيْرُ مُقِرٍّ لَهُمْ ، وَلا مُعَظِّمٍ حَقَّهُمْ .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَبِي هُرَيْرَةَ

صحابي

وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ

ثقة فقيه مشهور

وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ

ثقة

سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ

أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار

الزُّهْرِيُّ

الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه

الأَوْزَاعِيِّ

ثقة مأمون

هِقْلٌ

ثقة

سَوَّارُ بْنُ عُمَارَةَ

صدوق حسن الحديث

مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِصْمَةَ الرَّمْلِيُّ

مجهول الحال

أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرِ بْنِ بَحِيرٍ الْقَاضِي

ثقة

أَبُو مُحَمَّدٍ

ثقة