لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه


تفسير

رقم الحديث : 230

وَحَدَّثَنَا خَلَفٌ . ح إِبْرَاهِيمُ . ح مُحَمَّدٌ . ح مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، أَخُو سُفْيَانُ . ح جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ . ح أَبُو يَعْلَى ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ : قُلْتُ لأَبِي : " أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ . قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : عُمَرُ . وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ : عُثْمَانُ ، قُلْتُ : ثُمَّ أَنْتَ ؟ قَالَ : مَا أَنَا إِلا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ خَيْرًا مِنْ عُمَرَ وَهُوَ أَضْعَفُ بَدَنًا مِنْ عُمَرَ ، وَعُمَرُ أَقْوَى بَدَنًا مِنْهُ ، وَكِلاهُمَا قَوِيَّانِ فِي أَمْرِ اللَّهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ الأَبْدَانِ وَلا بِكَثْرَةِ الأَعْمَالِ ، لأَنَّ مَنْ كَانَ أَقْوَى بَدَنًا مَعَ قُوَّتِهِ فِي أَمْرِ اللَّهِ ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ عَمَلا ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْعَمَلِ لا يُوجِبُ الْفَضْلَ ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْفَضْلَ مِنْحَةُ الْعَمَلِ وَمَعْنًى فِي السِّرِّ ، بَلْ إِنَّمَا يَكُونُ الْفَضْلُ لِمَنْ فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاللَّهُ تَعَالَى لا يَفْعَلُ شَيْئًا لِعِلَّتِهِ ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ بِالْمَشِيئَةِ ، فَيَنْحَازُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُفَضِّلُ مَنْ يُرِيدُ وَهُوَ الْحَكِيمُ لِلْخَيْرِ ، ثُمَّ يَجْعَلُ فِي قَلْبِ مَنْ فَضَّلَهُ وَاخْتَارَهُ مَعْنًى يَكُونُ ذَلِكَ عَلَمًا لِفَضْلِهِ وَدَلِيلا عَلَى اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَفْضُلْكُمْ بِكَثْرَةِ صَلاةٍ وَلا صِيَامٍ ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ " فَأَخْبَرَ أَنَّ قُوَّةَ الْقَلْبِ هِيَ الَّتِي تُقَدَّمُ لَيْسَ قُوَّةُ الْبَدَنِ ، وَإِنَّمَا يَقْوَى الْقَلْبُ لأَنَّهُ مَوْضِعُ نَظَرِ اللَّهِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ " وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُحِبُّ وَيَخْتَارُ ، وَلا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُبْغِضُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ سورة آل عمران آية 77 ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْظُرْ إِلَى الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقَهَا بُغْضًا لَهَا " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُحِبُّ وَمَنْ يُحِبُّ ، فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ لا لِعِلَّةٍ ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مَا أَحَبَّ مِنْهُمْ وَهُوَ الْقَلْبُ ، فَقَوِيَتِ الْقُلُوبُ بِنَظَرِ اللَّهِ إِلَيْهَا وَأَشْرَقَتْ وَاسْتَنَارَتْ وَتَزَيَّنَتْ ، فَطَارَتْ فِي الْمَلَكُوتِ شَوْقًا إِلَى مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا ، لأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ فَوَلِهَتْ بِهِ وَشُغِلَتْ عَمَّا سِوَاهُ ، فَطَارَتْ فِي الْمَلَكُوتِ شَوْقًا إِلَيْهِ ، فَوَقَفَتْ أَمَامَ الْعَرْشِ فَأَذِنَ لَهَا فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ ، وَكَلَّمَهَا فَوَعَتْ ، وَأَرَاهَا فَأَبْصَرَتْ ، وَأَلْبَسَهَا السَّكِينَةَ فَسَكَنَتْ ، وَرَدَّهَا بِأَلْوَانِ الْفَوَائِدِ وَأَنْوَارِ الزَّوَائِدِ ، وَلَوْلا مَا أَلْبَسَهَا مِنَ السَّكِينَةِ لَطَارَتْ شَوْقًا ، وَتَلاشَتْ فِي مُبَاهَاتِ تَوْحِيدِ اللَّهِ ، وَفَنِيَتْ تَحْتَ أَنْوَارِ هَيْبَتِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ سورة الفتح آية 4 فَبِذَلِكَ قَوِيَتِ الأَسْرَارُ وَصَغَتِ الْقُلُوبُ . فَفِي الأَحَادِيثِ دَلالَةٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْتَارُ مَا يَشَاءُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ سورة القصص آية 68 وَهُوَ تَعَالَى فَضَّلَ مَنْ أَرَادَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ ، لا لِقُوَّةِ بَدَنٍ وَلا بِكَثْرَةِ عَمَلٍ ، وَالْقَلْبُ إِنَّمَا يَقْوَى بِمَا يُحْدِثُهُ فِيهِ وَيُودِعُهُ إِيَّاهُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ لَهُ وَنَظَرِهِ إِلَيْهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، وَيْحَكُمُ مَا يُرِيدُ ، وَيَصْطَفِي مَنْ يَشَاءُ ، وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنْ تُوَلُّوهَا عَلِيًّا وَلَنْ تَفْعَلُوا " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : إِنْ تُوَلُّوهَا عَلِيًّا حِينَ تُفْضِي الْخِلافَةُ إِلَيْهِ وَتَصِيرُ لَهُ " وَلَنْ تَفْعَلُوا " ، أَخْبَرَ عَنِ الْغَيْبِ الَّذِي أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لا يَفْعَلُونَ ، فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ ، فَتَفَرَّقُوا فِيهِ فِرَقًا وَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ أُمَمًا ، فَلَمْ يَهْتَدُوا وَلَمْ يَسْلُكُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ ، بَلْ تَشَتَّتُوا فَصَارُوا شِيَعًا ، فَنَكَثَتْ طَائِفَةٌ ، وَسَقَطَتْ أُخْرَى ، وَمَرَقَتْ ثَالِثَةٌ ، وَعَصِيَتْ رَابِعَةٌ ، وَلَوْ وَلَّوْهَا إِيَّاهُ وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ لَوَجَدُوهُ هَادِيًا لَهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ ، وَالْهُدَى الْبَيِّنِ ، مَهْدِيًّا فِي نَفْسِهِ لا يَسْلُكُ مِنَ الطَّرِيقِ إِلا أَهْدَاهَا وَمِنَ الْمَنَاهِجِ إِلا أَوْلاهَا ، وَيَسْلُكُ بِهِمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَسْلُكُهُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ وَيَسْتَقِيمُ فِيهِ وَيُقِيمُ عَلَيْهِ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.