حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ , عَنْ عَائِشَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ سورة المؤمنون آية 60 ، هُوَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ ؟ قَالَ : " لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ , وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ , وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ " . قَالَ الشَّيْخُ : فَلَمَّا أَنْ لَزِمَ قُلُوبَهُمْ هَذَا الإِشْفَاقُ , لَزِمُوا الاسْتِثْنَاءَ فِي كَلامِهِمْ , وَفِي مُسْتَقْبَلِ أَعْمَالِهِمْ , فَمِنْ صِفَةِ أَهْلِ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ : أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , لا عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ , وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّكِّ فِي الإِيمَانِ , لأَنَّ الإِيمَانَ إِقْرَارٌ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ , وَخُضُوعٌ لَهُ فِي الْعُبُودِيَّةِ , وَتَصْدِيقٌ لَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ وَأَمَرَ وَنَهَى . فَالشَّاكُّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا كَافِرٌ لا مَحَالَةَ لَهُ , وَلَكِنَّ الاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا نَفْيُ التَّزْكِيَةِ لِئَلا يَشْهَدَ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ وَكَوَامِلِهِ , فَإِنَّ مَنْ قَطَعَ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذِهِ الأَوْصَافِ شَهِدَ لَهَا بِالْجَنَّةِ , وَبِالرِّضَاءِ وَبِالرُّضْوَانِ , وَمَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ كَانَ خَلِيقًا بِضِدِّهَا , أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا شَهِدَ عِنْدَ بَعْضِ الْحُكَّامِ عَلَى شَيْءٍ تَافِهٍ نَزْرٍ , فَقَالَ لَهُ الْحَاكِمُ : لَسْتُ أَعْرِفُكَ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ عَنْكَ , ثُمَّ أَسْمَعُ شَهَادَتَكَ فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ لَنْ تَسْأَلَ عَنِّي أَعْلَمَ بِي مِنِّي أَنَا رَجُلٌ زَكِّيٌّ عَدْلٌ , مَأْمُونٌ رَضِيٌّ , جَائِزُ الشَّهَادَةِ , ثَابِتُ الْعَدَالَةِ . أَلَيْسَ كَانَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِضَعْفِ بَصِيرَتِهِ , وَقِلَّةِ عَقْلِهِ لِمَا دَلَّ الْحَاكِمَ عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ , وَأَغْنَاهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ , فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ قَطَعَ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَوْصَافِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ , وَحَكَمَ لِنَفْسِهِ بِالْخُلُودِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَيَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَقَعُ عَلَى مُسْتَقْبَلِ الأَعْمَالِ وَمُسْتَأْنَفِ الأَفْعَالِ وَعَلَى الْخَاتِمَةِ , وَبَقِيَّةِ الأَعْمَارِ , وَيُرِيدُ إِنِّي مُؤْمِنٌ إِنْ خَتَمَ اللَّهُ لِي بِأَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ , وَإِنْ كُنْتُ عِنْدَ اللَّهِ مُثْبَتًا فِي دِيوَانِ أَهْلِ الإِيمَانِ , وَإِنْ كَانَ مَا أَنَا عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرًا يَدُومُ لِي وَيَبْقَى عَلَيَّ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ بِهِ , وَلا أَدْرِي هَلْ أُصْبِحُ وَأُمْسِي عَلَى الإِيمَانِ أَمْ لا ؟ وَبِذَلِكَ أَدَّبَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ , قَالَ تَعَالَى : وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا { 23 } إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ سورة الكهف آية 23-24 . فَأَنْتَ لا يَجُوزُ لَكَ إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَتَعْلَمُ أَنَّ قَلْبَكَ بِيَدِهِ يَصْرِفُهُ كَيْفَ شَاءَ أَنْ تَقُولَ قَوْلا حَزْمًا حَتْمًا : إِنِّي أُصْبِحُ غَدًا مُؤْمِنًا , وَلا تَقُولُ : إِنِّي أُصْبِحَ غَدًا كَافِرًا وَلا مُنَافِقًا ، إِلا أَنْ تَصِلَ كَلامَكَ بِالاسْتِثْنَاءِ فَتَقُولَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ , فَهَكَذَا الْعُقَلاءُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عَائِشَةَ | عائشة بنت أبي بكر الصديق / توفي في :57 | صحابي |
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ | عبد الرحمن بن سعيد الخيواني | ثقة |
مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ | مالك بن مغول البجلي / توفي في :159 | ثقة ثبت |
وَكِيعٌ | وكيع بن الجراح الرؤاسي / ولد في :128 / توفي في :196 | ثقة حافظ إمام |
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ | محمد بن إسماعيل الحساني / توفي في :258 | ثقة |
أَبُو شَيْبَةَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ | عبد العزيز بن جعفر الخوارزمى / توفي في :326 | ثقة |