باب ما جاء في العزلة


تفسير

رقم الحديث : 65

حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا طُوَالَةَ ، يُحَدِّثُ عَنْ نَهَارٍ الْعَبْدِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ حَتَّى يَقُولَ : مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ فِي الدُّنْيَا أَنْ تُنْكِرَهُ فَإِذَا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ , قَالَ : يَا رَبِّ رَجَوْتُكَ . وَخِفْتُ النَّاسَ " . هَذَا طَرِيقٌ فِي الرِّوَايَةِ يَرْتَضِيهِ أَهْلُ النَّقْلِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَعَلَى هَذَا لا يُحَرَّجُ الْمَرْءُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ , إِنْ تَرَكَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لأَهْلِ الْمُنْكَرِ إِذَا خَافَ عَادِيَتَهُمْ وَلَمْ يَأْمَنْ بِوَائِقَهُمْ , مَا دَامَ كَارِهًا لِفِعْلِهِمْ بِقَلْبِهِ وَمُصَارِمًا لَهُمْ بِعَزْمِهِ وَنِيَّتِهِ , ثُمَّ اعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ قَدْ سَاءَتْ رَغْبَتُهُمْ , وَقَلَّتْ آدَابُهُمْ , وَغَلُظَتْ مِحْنَتُهُمْ عَلَى مَنْ يُعَاشِرُهُمْ , لأَنَّ مَوْقِفَهَ فِيهِمْ بَيْنَ أَنْ يُخَوِّنَهُمُ فَيُسَالِمَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ لا يَصُونَ نَفْسَهُ فَيُنَاصِحَهُمْ وَقَدْ كَانُوا وَالنَّاسُ نَاسٌ وَالزَّمَانُ زَمَانٌ يَسْتَشْنِعُونَ الْحَقَّ وَلا يَسْتَمْرِئُونَ طَعْمَ النُّصْحِ وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَهْدِي إِلَيْهِمْ عُيُوبَهُمْ وَيَصْدُقُهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِمُ الآنَ مَعَ فَسَادِ هَذَا الزَّمَانِ الْكَلِبِ الْمُنْقَلِبِ أَتُرَاهُمْ يُذْعِنُونَ لِلْحَقِّ وَيُصِيخُونَ إِلَى النُّصْحِ , كَلا إِنَّكَ إِلَى أَنْ تَفْسُدَ بِهِمْ يَخْضَعُونَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ يَسْتَمِعُونَ إِلَى أَنْ يَصْلَحُوا بِكَ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَنْ قَابَلَ الْكَثِيرَ مِنَ الْفَسَادِ بِالْيَسِيرِ مِنَ الصَّلاحِ فَقَدْ غَرَّ نَفْسَهُ ، مِثَالُهُ أَنْ يَمِيلَ جِدَارٌ فَيَأْتِيَهُ رَجُلٌ فَيُدَعِّمَهُ بِيَدِهِ لِيُقِيمَهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَسْقُطَ عَلَيْهِ فَيَكُونَ فِيهِ تَلَفُهُ . بَلَى إِذَا وَجَدَ أَعْوَانًا وَآلَةً فَدَعَّمَهُ بِأَعْمِدَةٍ وَرَدِفَهُ بِقَوَائِمَ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهَا كَانَ جَدِيرًا أَنْ يَسْتَقِلَّ وَيَثْبُتَ , وَكَانَ الرَّجُلُ حَقِيقًا أَنْ يَسْلَمَ وَيَنْجُو فَانْظُرْ رَحِمَكَ اللَّهُ وَتَأَمَّلْ هَلْ تَجِدُ الْيَوْمَ أَعْوَانًا عَلَى الْمَعْرُوفِ وَدُعَاةً إِلَى الْخَيْرِ وَنُهَاةً عَنِ الْمُنْكَرِ , فَإِنْ كُنْتَ لا تَظْفَرُ بِهِمْ وَلا تَقْدِرُ عَلَيْهِمْ فَانْجُ بِرَأْسِكَ وَلا تُغَرِّرْ بِنَفْسِكَ , إِنَّ رِضَى النَّاسِ غَايَةٌ لا تُدْرَكُ قَدْ أَعْيَا الأَوَّلِينَ دَوَاؤُهُمْ وَانْقَطَعَتْ فِيهِمْ حِيَلُهُمْ فَمَا حَاجَتُكَ إِلَى عَنَاءٍ لا غَنَاءَ لَهُ وَتَعَبٍ لا نُجْحَ فِيهِ , وَمَا أُرِيكَ بِصُحْبَةِ قَوْمٍ لا تَسْتَفِيدُ بِلُقِيِّهِمْ عِلْمًا وَلا بِمَشْهَدِهِمْ جَمَالا وَلا بِمَعُونَتِهِمْ مَالا إِذَا تَأَمَّلْتَهُمْ حَقًّا وَجَدْتَهُمْ إِخْوَانَ الْعَلانِيَةِ أَعْدَاءَ السَّرِيرَةِ , إِذَا لَقَوْكَ تَمَلَّقُوكَ وَإِذَا غِبْتَ عَنْهُمْ شَبِعُوكَ . مَنْ أَتَاكَ مِنْهُمْ كَانَ عَلَيْكَ رَقِيبًا وَمَنْ خَرَجَ قَامَ بِكَ خَطِيبًا . أَهْلُ نِفَاقٍ وَخَدِيعَةٍ وَأَصْحَابُ نَقْلٍ وَنَمِيمَةٍ وَإِخْوَانُ بُهْتٍ وَعَظِيمَةٍ . وَلا يَغُرَّنَّكَ مَا تَرَى مِنِ احْتِشَادِهِمْ عِنْدَكَ وَازْدِحَامِهِمْ عَلَيْكَ , وَلا تَتَوَهَّمَنَّ أَنَّ بِهِمْ تَعْظِيمًا لِعِلْمِكَ أَوْ تَقْدِيمًا لَحَقِّكَ , إِنَّ عِظَمَ مَا يَقُودُهُمُ الْيَوْمَ إِلَى مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ وَيَحْشُرُهُمْ إِلَى أَبْوَابِهِمُ الرَّغْبَةُ فِي مَنَالٍ لِمَآرِبِهِمْ وَمَا يَتَّخِذُونَهُ سُلَّمًا إِلَى أَوْطَارِهِمْ وَحَمِيرًا لِحَاجَاتِهِمْ فَهُمُ الْمَسَاكِينُ بَيْنَ شَرَّيْنِ مِنْهُمْ وَمِنْ تَكَالِيفِهِمْ . إِنْ أَسْعَفُوهُمْ بِبَعْضِهَا أَضْجَرُوهُمْ بِكَثْرَةِ تَوَابِعِهَا وَآذُوهُمْ وَإِنِ امْتَنَعُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا شَنَّعُوهُمْ وَعَادُوهُمْ , ثُمَّ إِنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ يُلْزِمُونَهُمْ بَدَالَةَ الْمَعْرِفَةِ أَنْ يَهْدُفُوا لَهُمْ أَغْرَاضَهُمْ فَيُخَاصِمُوا عَنْهُمْ مَنْ خَاصَمَهُمْ وَيُعَادُوا مَنْ عَادَاهُمْ وَيُنَازِلُوا مَنْ نَازَلَهُمْ فَيَصِيرُونَ ، مِنْ حَيْثُ قَدَّرُوا أَنَّهُمْ فُقَهَاءُ سُفَهَاءَ ، وَمِنْ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مَتْبُوعُونَ رُؤَسَاءُ أَتْبَاعًا أَخِسَّاءَ ، فَمَنْ أَخْسَرُ صَفْقَةً وَأَشَدُّ بَلِيَّةً مِنْ هَؤُلاءِ مَعَهُمْ أَلَيْسَ الْفِرَارُ مِنْهُمْ حَقًّا وَاجِبًا وَالتَّخَلُّصُ مِنْ بَيْنِهِمْ غُنْمًا ؟ بَلَى إِنَّهُ كَذَلِكَ وَبِحَقٍّ مَا قِيلَ : اعْتِزَالُ الْعَامَّةِ مُرُوءَةٌ تَامَّةٌ وَمِنْ مَنَاقِبِ الْعُزْلَةِ أَنَّهَا تَحْسِمُ عَنْكَ أَوْهَامَ الْمُتَجَنِّينَ وَتَقْطَعُ مَوَادَّ شِكَايَاتِ الْمُتَجَرِّمِينَ . وَذَلِكَ أَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ مُتَفَاوِتَةٌ مُتَعَادِيَةٌ وَهِمَمُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ وَوَسَاوِسُ صُدُورِهِمْ كَثِيرَةٌ وَإِنَّ سُوءَ ضَمَائِرِهِمْ يُصَوِّرُ لَهُمْ وَيُوحِي إِلَى قُلُوبِهِمْ أَنَّ اجْتِمَاعَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ وَتَنَاجِي كُلِّ شِرْذِمَةٍ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَالْبَحْثِ عَنْ عُيُوبِهِمْ , أَوْ فِي تَبْيِيتِ رَأْيٍ وَدَسِيسِ غَائِلَةٍ عَلَيْهِمْ وَيَغْلِبُ هَذَا الظَّنُّ خُصُوصًا عَلَى مَنْ يُحِسُّ مِنْ نَفْسِهِ بِتُهْمَةٍ وَيُعْرَفُ عِنْدَ النَّاسِ بِرِيبَةٍ ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُنَافِقِينَ بِذَلِكَ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ سورة المنافقون آية 4 , وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْمُتَنَبِّي فِي أَهْلِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ حَيْثُ يَقُولُ : إِذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ وَصَدَّقَ مَا يَعْتَادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ وَعَادَى مُحِبِّيهِ بِقَوْلِ عِدَاتِهِ وَأَصْبَحَ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّكِّ مُظْلِمِ قَالَ بَعْضُهُمْ : مُعَاشَرَةُ الأَشْرَارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بِالأَبْرَارِ , فَمَنِ اعْتَزَلَ النَّاسَ وَانْقَطَعَ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي هَذَا الْبَابِ الدِّفَاعَ عَنْ نَفْسِهِ وَاسْتَظْهَرَ بِالاحْتِيَاطِ فِي طَلَبِ السَّلامَةِ لَهَا . وَمِمَّا يَقْطَعُ بِهَا عَنْكَ مَوَادَّ الشِّكَايَاتِ , أَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ بِهَا لَمْ تَسْتَبْطِئْ فِي حَقٍّ إِذَا فَاتَكَ مِنْ عِيَادَةٍ أَوْ شُهُودِ جَنَازَةٍ أَوْ حُضُورِ أَمْلاكٍ أَوْ وَلِيمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا , فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا فَقَدُوكَ عَذَرُوكَ وَإِذَا وَجَدُوكَ عَذَلُوكَ وَاسْتَقْصَوْكَ وَقَدْ يَكُونُ لِلإِنْسَانِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ أَعْذَارٌ لا تُفْصِحُ بِهَا الأَخْبَارُ . وَقَدْ رُوِّينَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ , وَيَعُودُ الْمَرْضَى , وَيُؤَدِّي الْحُقُوقَ , ثُمَّ تَرَكَ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَرَكَهَا كُلَّهَا , وَكَانَ يَقُولُ : " لَيْسَ كُلُّ عُذْرٍ يَتَهَيَّأُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُخْبَرَ بِهِ وَيُطْلِعَ النَّاسَ عَلَيْهِ " . قَالَ : وَفِي الْعُزْلَةِ السَّلامَةُ مِنْ قَرِينِ السُّوءِ وَصَاحِبِ السُّوءِ وَعَشِيرِ السُّوءِ . وَقَدْ شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَرْقِ النَّارِ , وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ : " مَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ الْكِيرِ إِنْ لَمْ يُحْرِقْكَ بِشَرَرِهِ عَلَقَ بِكَ مِنْ رِيحِهِ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

صحابي

نَهَارٍ الْعَبْدِيِّ

صدوق حسن الحديث

أَبَا طُوَالَةَ

ثقة

يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ

ثقة ثبت

سُفْيَانُ

ثقة حافظ حجة

الْحُمَيْدِيُّ

ثقة حافظ أجل أصحاب ابن عيينة

بِشْرُ بْنُ مُوسَى

الإمام الحافظ الثقة

أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ

مجهول الحال

Whoops, looks like something went wrong.