أَنْشَدَنِي ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ : أَنْشَدَنِي أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ : أَلا ذَهَبَ التَّذَمُّمُ وَالْوَفَاءُ وَبَادَ رِجَالُهُ وَبَقَى الْغُثَاءُ وَأَسْلَمَنِي الزَّمَانُ إِلَى أُنَاسٍ كَأَنَّهُمُ الذِّئَابُ لَهُمْ عُوَاءُ إِذَا مَا جِئْتَهُمْ يَتَدَافَعُونِي كَأَنِّي أَجْرَبٌ أَعْدَاهُ دَاءُ صَدِيقٌ لِي إِذَا اسْتَغْنَيْتُ عَنْهُمْ وَأَعْدَاءٌ إِذَا نَزَلَ الْبَلاءُ أقول ولا ألام علي مقالتي علي الإخوان كلهم العفاء . هَذَا قَوْلٌ بَشِعٌ , وَكَلامٌ جَافٍ , وَالأُخُوَّةُ مَصُونَةٌ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ . وَحَاشَا لِلإِخَاءِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْعَفَاءُ . وَإِنَّمَا غَلَطَ الْقَوْمُ بِالاسْمِ فَنَحَلُوهُ غَيْرَ أَهْلِهِ وَبَذَلُوهُ غَيْرَ مُسْتَحِقِّهِ . فَسَمُّوا الْمَعَارِفَ إِخْوَانًا , ثُمَّ أَنْشَأُوا يَذُمُّونَ الأُخُوَّةَ وَيَعِيبُونَ الصَّدَاقَةَ مِنْ أَجْلِهِمْ , وَهَذَا جَوْرٌ وَعُدْوَانٌ وَشَبِيهٌ بِهِ مَا أَنْشَدَنِي ابْنُ الْفَارِسِيِّ قَالَ : أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجُمَحِيُّ , قَالَ : أَنْشَدَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ : لا يُضِيعُ الأَمِينُ سِرًّا وَلَكِنْ رُبَّمَا يُحْسَبُ الْمُضِيعُ أَمِينًا وَأَنْشَدَنِي آخَرُ فِي مَعْنَاهُ : إِذَا مَا كُنْتَ مُتَّخِذًا خَلِيلا فَلا تَأْمَنْ خَلِيلَكَ أَنْ يَخُونَا فَإِنَّكَ لَمْ يَخُنْكَ أَخٌ أَمِينٌ وَلَكِنْ قَلَّ مَنْ تَلْقَى أَمِينًا وَكَيْفَ يَكُونُ لَكَ صَدِيقًا مَنْ لا يَصْدُقُكَ لِسَانُهُ عَنْ قَلْبِهِ , وَلا عِيَانُهُ عَنْ غَيْبِهِ ، إِذَا رَآكَ قَالَ : أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ , وَهُوَ يَتَمَنَّى فَنَاءَ عُمُرِكَ , وَقَصْرَ أَيَّامِ حَيَاتِكَ . وَأَكْرَمَكَ اللَّهُ وَهُوَ يُرِيدُ هَوَانَكَ وَهَلاكَكَ ، وَسَلامُ اللَّهِ عَلَيْكَ , وَهُوَ يَتَمَنَّى أَنْ لا يُسَلِّمَكَ اللَّهُ وَلا يَصُونَكَ . وَهَلْ يَكُونُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ أَخًا أَوْ صَدِيقًا ؟ لا وَحَقِّكَ إِنَّهُ أَعْدَى الأَعْدَاءِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالإِبْعَادِ وَالإِقْصَاءِ . وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْعَقَبِيَّ ، يُنْشِدُ لِعَلِيِّ بْنِ الْجَهْمِ : تَوَقَّ النَّاسَ يَا ابْنَ أَبِي وَأُمِّي فَهُمْ تَبَعُ الْمَخَافَةِ وَالرَّجَاءِ أَلَمْ تَرَ مُظْهِرِينَ عَلَيَّ عُتْبًا وَكَانُوا أَمْسِ إِخْوَانَ الصَّفَاءِ بُلِيتُ بِنَكْبَةٍ فَغَدَوْا وَرَاحُوا عَلَيَّ أَشَدَّ أَسْبَابِ الْقَضَاءِ أَبَتْ أَقْدَارُهُمْ أَنْ يَنْصُرُونِي بِمَالٍ أَوْ بِجَاهٍ أَوْ بِرَائِي وَخَافُوا أَنْ يُقَالَ لَهُمْ خَذَلْتُمْ صَدِيقًا فَادَّعُوا قِدَمَ الْجَفَاءِ أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا لابْنِ الرُّومِيِّ : رَأَيْتُ الأَخِلاءَ فِي دَهْرِنَا بِظَهْرِ الْمَوَدَّةِ إِلا قَلِيلا بُطَاءٌ عَنِ الْمُبْتَغَى نَصْرُهُمْ إِلَى أَنْ يُغَادِرَ شِلْوًا أَكِيلا وَإِنْ حَشَدُوا لامْرِئٍ مَرَّةً أَدَلُّوا عَلَيْهِ دِلالا ثَقِيلا وَلا تَفْزَعَنَّ إِلَى نَصْرِهِمْ وَعِشْ عَيْشَ حُرٍّ عَزِيزًا ذَلِيلا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا : لَسَاءَ اتِّقَاؤُكَ إِمَّا اتَّقَيْتَ أَنْ تُسْتَضَامَ بِأَنْ تُسْتَرَقَّا فَكُنْ لِلْمَظَالِمِ حَمَّالَةً وَعِشْ عَيْشَ حُرٍّ مُلْقَى مُوَقَّى .
الأسم | الشهرة | الرتبة |