قَالَ : أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خُزَيْمَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ : سَمِعْتُ دَاوُدَ الأَصْبَهَانِيَّ يُنْشِدُ : " عَمَّا قَلِيلٍ تَرَى مَا كُنْتَ تَحْسِبُهُ أَلا يَكُونَ وَلا تَأْتِي بِهِ الْحُقَبُ قَدْ تَعْلِكُ اللَّجْمَ وَرِقُ الإِبِلِ مُسْرَجَةً وَيَرْجِعُ الطَّرْفُ مَشْدُودًا بِهِ الْقَتَبُ . وَأَنْشَدْتُ هَذَا الْبَيْتَ : هَذَا الزَّمَانُ الَّذِي كُنَّا نَحْذَرُهُ فِي قَوْلِ كَعْبٍ وَفِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودِ إِنْ دَامَ هَذَا وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ غِيَرٌ لَمْ يُبْكَ مَيْتٌ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمَوْلُودِ وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الأَدَبِ , قَالَ : أَنْشَدَنِي الْمُتَنَبِّي : إِنَّا لَفِي زَمَنٍ تَرْكُ الْقَبِيحِ بِه مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ إِحْسَانٌ وَإِجْمَالُ قَرَأْتُ لِمَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ فِي صِفَةِ الزَّمَانِ : تَغَيَّرَ الزَّمَانُ حَتَّى كَلَّ عَنْ وَصْفِهِ اللِّسَانُ . فَأَمْسَى خَرِفًا بَعْدَ حَدَاثَتِهِ , شَرِسًا بَعْدَ لِينِهِ يَابِسَ الضَّرْعِ بَعْدَ غَزَارَتِهِ , ذَابِلَ الْفَرْعِ بَعْدَ نَضَارَتِهِ , قَاحِلَ الْعُودِ بَعْدَ رُطُوبَتِهِ , بَشِعَ الْمَذَاقِ بَعْدَ عُذُوبَتِهِ , فَلا تَكَادُ تَرَى لَبِيبًا إِلا ذَا كَمَدٍ , وَلا ظَرِيفًا وَاثِقًا بِأَحَدٍ , وَمَا أَصْبَحَ لَهُ حَلِيفًا إِلا جَاهِلٌ , وَلا أَمْسَى بِهِ قَرِيرَ عَيْنٍ إِلا غَافِلٌ , فَمَا بَقِيَ مِنَ الْخَيْرِ إِلا الاسْمُ , وَلا مِنِ الدِّينِ إِلا الرَّسْمُ , وَلا مِنَ التَّوَاضُعِ إِلا الْمُخَادَعَةُ , وَلا مِنَ الزَّهَادَةِ إِلا الانْتِحَالُ , وَلا مِنَ الْمُرُوءَةِ إِلا غُرُورُ اللِّسَانِ , وَلا مِنَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِلا حَمِيَّةُ النَّفْسِ وَالْغَضَبُ لَهَا وَتَطَلُّعُ الْكِبْرِ مِنْهَا , وَلا مِنَ الاسْتِعَادَةِ إِلا التَّعْزِيزُ وَالتَّبْجِيلُ . فَالْمَغْرُورُ الْمَائِقُ الْمَذْمُومُ عِنْدَ الْخَلائِقِ النَّادِمُ فِي الْعَوَاقِبِ , الْمَحْطُوطُ عَنِ الْمَرَاتِبِ مَنِ اغْتَرَّ بِالنَّاسِ , وَلَمْ يَحْسِمْ رَجَاءَهُ بِالْيَأْسِ , وَلَمْ يُظْلِفْ قَلْبَهُ بِشِدَّةِ الاحْتِرَاسِ . فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ النَّاسِ , فَقَدْ قَلَّ النَّاسُ وَبَقِيَ النَّسْنَاسُ . ذِئَابٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ إِنِ اسْتَفْرَدْتَهُمْ حَرَمُوكَ , وَإِنِ اسْتَنْصَرْتَهُمْ خَذَلُوكَ , وَإِنِ اسْتَنْصَحْتَهُمْ غَشُّوكَ , إِنْ كُنْتَ شَرِيفًا حَسَدُوكَ , وَإِنْ كُنْتَ وَضِيعًا حَقَرُوكَ , وَإِنْ كُنْتَ عَالِمًا ضَلَّلُوكَ وَبَدَّعُوكَ , وَإِنْ كُنْتَ جَاهِلا عَيَّرُوكَ وَلَمْ يُرْشِدُوكَ , وَإِنْ نَطَقْتَ , قَالُوا : مِكْشَارٌ مِهْذَارٌ صَفِيقٌ , وَإِنْ سَكَتَّ , قَالُوا : غَبِيُّ بَلِيدٌ بَطِيءٌ , وَإِنْ تَعَمَّقْتَ , قَالُوا : مُتَكَلِّفٌ مُتَعَمِّقٌ , وَإِنْ تَغَافَلْتَ , قَالُوا : جَاهِلٌ أَحْمَقٌ , فَمُعَاشَرَتُهُمْ دَاءٌ وَشَقَاءٌ وَمُزَايَلَتُهُمْ دَوَاءٌ وَشِفَاءٌ , وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّوَاءِ مَرَارَةٌ وَكَرَاهَةٌ , فَاخْتَرِ الدَّوَاءَ بِمَرَارَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ عَلَى الدَّاءِ بِغَائِلَتِهِ وَآفَتِهِ . وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |