أَخْبَرَنِي بَشَّارُ بْنُ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ جَحٍّ , قَالَ : " لَمَّا كَفَّ بَصَرُهُ وَانْتَقَلَ إِلَى قَرْيَتِهِ بِغَوْرِ سَارَانَ قَصَدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِلْتَانِ كَحَّالٌ حَاذِقٌ بَصِيرٌ بِالْقَدْحِ فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنْزَلَهُ وَأَحْسَنَ تَعَهُّدَهُ , فَكَانَ الرَّجُلُ يَغْدُو عَلَيْهِ وَيَرُوحُ وَجَعَلَ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ الأَمْرَ فِي مُعَالَجَتِهِ , وَيُمَنِّيهِ رُجُوعَ بَصَرِهِ فِي مُدَّةٍ سَرِيعَةٍ , فَكَانَ أَحْمَدُ يُرَافِقُهُ الْوَقْتَ بَعْدَ الْوَقْتِ إِلَى أَنْ ضَجَرَ الرَّجُلُ بِطُولِ الْمَقَامِ , وَمَلَّ الثَّوَاءَ عِنْدَهُ , قَالَ : فَحَضَرَنِي وَطَلَبَ إِلَيَّ أَنَ اسْتَأْذِنَ لَهُ فِي الانْصِرَافِ , فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَعَرَّفْتُهُ قِصَّةَ الرَّجُلِ وَأَشَرْتُ عَلَيْهِ بِالإِقْبَالِ عَلَى الْعِلاجِ وَهَوَّنْتُ عَلَيْهِ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ . فَقَالَ لِي : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ أَتُشِيرُ عَلَيَّ بِأَنْ أَحْتَمِلَ هَذَا الأَلَمَ وَأَنْ أُغَرِّرَ بِجَمَالِ هَذِهِ الْمُقْلَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَسْتُ عَلَى يَقِينٍ مِنَ السَّلامَةِ , وَهَبْ أَنَّ الْعِلاجَ قَدْ نَجَعَ وَوَقَعَ مَوْقِعَهُ وَعَادَ الْبَصَرُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَّةِ فَقُلْ لِي : إِذَا فَتَحْتُ عَيْنِي وَأَبْصَرْتُ بِهَا أَنْظُرُ إِلَى مَنْ مِنْ إِخْوَانِي وَأَصْدِقَائِي وَقَدْ هَلَكُوا , أَلا وَاللَّهِ إِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي أَنَا فِيهِ ، وَالنَّاسَ الَّذِينَ أَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ لَقَوْمٌ لَوْ كُنْتُ بَصِيرًا صَحِيحَ الْبَصَرِ لَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيَّ أَنْ أَتَعَامَى عَلَيْهِمْ , فَأَغُضَّ بَصَرِي عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ , قُلْ لِهَذَا الإِنْسَانِ يَنْصَرِفُ فِي حِفْظِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَرَ بِتَجْهِيزِهِ فَانْصَرَفْتُ وَدَفَعْتُ كِسْوَةً وَنَفَقَةً وَجَهَّزْتُهُ فَانْصَرَفَ " .